طريقة مستحدثة لسبر غور لغز خيوط العنكبوت الحريرية

فشلت جهود الباحثين في محاكاتها

عنكبوت يغزل خيوطه (نيويورك تايمز)
عنكبوت يغزل خيوطه (نيويورك تايمز)
TT

طريقة مستحدثة لسبر غور لغز خيوط العنكبوت الحريرية

عنكبوت يغزل خيوطه (نيويورك تايمز)
عنكبوت يغزل خيوطه (نيويورك تايمز)

يبحث العلماء في الكشف عن المحفزات الكيميائية التي تحوِّل السائل المخزون في غدد الحرير لدى العناكب إلى مادة صلبة أقوى من الكيفلار.
وتعد خيوط العنكبوت الحريرية –رطلاً برطل- أقوى من الفولاذ وأصلد من الكيفلار غير أن الأمر لا يبدأ بمثل هذه الطريقة البسيطة للغاية.
وتتخذ خيوط العنكبوت الحريرية صورتها الأولى في شكل سائل يُسمى حرفياً «المخدر». ولكن في خلال أجزاء من الثانية يأخذ هذا السائل اللزج للغاية المتكون من البروتينات شكلاً مغايراً تماماً. وهو لا يتحول من الحالة السائلة إلى الحالة الصلبة فحسب. ففي سبيل خروجها من قاع جوف العنكبوت، تقوم لبنات البناء البروتينية الموجودة في الخيوط الحريرية، وهي المعروفة علمياً باسم «سبيدروينس»، بالالتفاف والتشابك على نفسها، مما يؤدي إلى وجود بنية بالغة التنظيم من دون توجيهات من أي قوة خارجية كانت.
وتعد هذه العملية الرائعة للغاية من التجميع الذاتي أشبه في غرابتها بخرطوم الحديقة الذي ينفث تياراً متواتراً من رقاقات الثلج مثالية التكوين. ولقد أمضى العلماء سنوات في محاولات تقليد تلك المادة على أمل أن تُحدث في يوم من الأيام ثورة في المواد فائقة القوة والاستدامة.
يقول الدكتور علي مالاي –وهو عالم الأحياء التركيبية والكيمياء الحيوية في مركز «رايكن» لعلوم الموارد المستدامة في اليابان: «يمكننا بالفعل توليد المواد ذات الخصائص العلمية المتميزة للغاية من خلال استغلال عملية التجميع الذاتي المشار إليها».
ولم يتمكن الدكتور مالاي من التوصل إلى خطوات تلك العملية برمّتها حتى الآن. كما لم ينجح أي عالِم آخر في ذلك الأمر أيضاً. لكنّ هناك دراسة بحثية نشرها يوم الأربعاء بالأسبوع الماضي في دورية «ساينس أدفانسيس» العلمية، طرح فيها رفقة زملائه طريقة مستحدثة لسبر غور لغز خيوط العنكبوت الحريرية، وذلك عن طريق محاكاة أسلوب خروجها المنظم من المغزل الطبيعي باستخدام الأدوات الكيميائية في المختبر العلمي.
ووجد الباحثون أن جزءاً مهماً من أجزاء عملية الغزل يستلزم من بروتينات «سبيدروينس» أن تفصل نفسها عن المخزون المائي الذي يحيط بها داخل غدد الخيوط الحريرية –وهي الخطوة التي تزيد من تركيز البروتينات بصورة فائقة. ثم يؤدي تدفق الحمض إلى تحفيز البروتينات على الطي والتشابك بشكل وثيق.
وتستعين الدراسة البحثية المشار إليها بنموذج مختبري بسيط عوضاً عن الاستعانة بالعناكب الحقيقية. وتقول الدكتورة أنجيلا أليسيا سيرانو –وهي الباحثة المختصة بدراسة خيوط العنكبوت الحريرية في جامعة أكرون بولاية أوهايو الأميركية، وهي التي لم تشارك في الدراسة المشار إليها: «تعد هذه الدراسة رائعة للغاية، إذ إنها تعرض لمحة جيدة حول المجريات والخطوات السابقة على غزل الخيوط الحريرية الطبيعية. لقد رأينا الكثير مما يتعلق ببداية ونهاية هذه العملية من قبل، ولكن هذه هي المرة الأولى التي نعرف فيها ما ينبغي عن المجريات الداخلية في عملية الغزل».
وقالت الدكتورة آنا رايزينغ –وهي الخبيرة في خيوط العنكبوت الحريرية لدى معهد «كارولينسكا» السويدي، والتي لم تشارك أيضاً في الدارسة المذكورة: «لا بد لخيوط العنكبوت الحريرية المتحولة أن تخضع للدراسة حتى لا نقع في فخ المبالغات العلمية المفرطة»، وأضافت أيضاً: «في أثناء وجود بروتينات (سبيدروينس) داخل الغدد، لا بد من بقائها معلّقة في صورة سائل عند مستويات فائقة من التركيز في بنية أشبه ما تكون بمعجون الأسنان المعروف».
إذا ما تصلبت الخيوط الحريرية في وقت مبكر للغاية، ربما تعمل على انسداد الغدد لدى العنكبوت بما يشبه كابوس الإمساك المرعب لدى البشر. وبعد فوات الأوان على خروج الخيوط الحريرية، ربما لا يتمكن العنكبوت من إخراج إلا سائل هلامي بلا شكل محدد. مما يجعل من التوقيت والكفاءة من أهم العوامل الأساسية في نجاح عملية غزل خيوط العنكبوت الحريرية.
ومن حسن الحظ بالنسبة إلى العناكب، أسفرت آلاف السنوات من التطور في جعل بروتينات «سبيدروينس» ذات استخدامات متعددة. وتوضح الدكتورة رايزينغ الأمر بقولها: «تأخذ تلك البروتينات شكل قضبان الحديد الصلبة: فهي عبارة عن خيط طويل غير منتظمة الشكل مع الطرفين المغطيين بنقاط تشبه الفقاعة. وفي غدد الخيوط الحريرية، يُعتقد أن أوتار الخيوط الممتدة تقترن ويتحد بعضها مع بعض بصورة طبيعية عند أحد الأطراف، مما يخلق أوتاراً ثنائية على شكل حرف (V) باللغة الإنجليزية والتي يبدأ تشكلها الأول في مادة المخدر لدى غدة العنكبوت».
ومن أجل تكوين بنية أكثر استقراراً من الخيوط الحريرية، لا بد من بروتينات «سبيدروينس» أن تترابط في سلاسل باستخدام الأطراف الأخرى من الأوتار. تقول السيدة جيسيكا غارب –وهي الباحثة في خيوط العنكبوت الحريرية في جامعة ماساتشوستس، وهي لم تشارك في الدراسة المذكورة أعلاه: «يبدو أن هذا يحدث في غالب الأمر تحت تأثير بعض الإشارات الكيميائية». ومع إخراج بروتينات «سبيدروينس» عبر متاهة من القنوات متناهية الصغر بصورة متزايدة، تقوم الخلايا العنكبوتية بضخ الأحماض الكيميائية في الخليط، مما يجعل أطراف الأوتار الصلبة الحرة يتلاصق بعضها ببعض. وتؤدي الرحلة عبر هذه القنوات متناهية الصغر إلى ضغط الخيوط الحريرية ومن ثم تتخذ صورتها النهائية.
ووجد الدكتور علي مالاي وزملاؤه أنه لا يمكن لعمليتي النحت والتجميع الذاتي المشار إليهما أن تحدثا ما لم يجرِ تجفيف بروتينات «سبيدروينس» السائلة في أثناء تحركها عبر التشريح الداخلي لجسد العنكبوت.
وأظهرت التجارب الأخرى أن الأملاح تزيد من سرعة تباعد بروتينات «سبيدروينس» عن السائل المحيط بها، تماماً على غرار الزيت والخل في تتبيلة السلاطة. الأمر الذي يسمح لبروتينات «سبيدروينس» بالتفاعل بسهولة أكبر، كما قالت الدكتورة شيريل هاياشي –وهي الباحثة المختصة في خيوط العنكبوت الحريرية لدى المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي، وهي لم تشارك في الدراسة. وبعد الوصول لدرجة معينة من الكثافة، تتشكل بروتينات «سبيدروينس» ذاتياً في بنية خيطية بشكل متزايد.
ربما يثير خط استخراج الخيوط الحريرية قدراً من الحيرة. فمن وجهة النظر الهندسية المجردة، تعد تلك الخيوط بالغة الأناقة، كما قال الدكتور كيجي نوماتا، من فريق علماء مركز «رايكن» لعلوم الموارد المستدامة في اليابان، وكبير علماء الدراسة البحثية. يمكن للعلماء والباحثين بناء البوليمرات فائقة القوة في المختبرات بالاستعانة بالقوة الشديدة مع إجبار المواد على التجمع بطرق لم يكن لها أن تحدث بغير تلك الوسيلة. لكن مع إمعان النظر في المكونات الصحيحة، وفي ظل الظروف الملائمة، فإن الوصفة المكونة من حرير العنكبوت تقوم بإعداد نفسها بنفسها ذاتياً.
ولا يزال الباحثون لا يعرفون ما يكفي من معلومات حول هذه العملية حتى تتسنى لهم إعادة إنشائها مختبرياً بالكامل. يقول الدكتور غارب إن هناك العديد من الطرق لغزل خيوط العنكبوت الحريرية، وهي تختلف باختلاف أنواع العناكب، وحتى داخل فصيلة العناكب الواحدة.
وعلى الرغم من معرفتنا بدور خيوط الحرير في بناء شبكات العناكب، فإنه يمكن استخدامها أيضاً في استمالة الأقران، أو حماية بيض العناكب، أو حتى مساعدة العناكب البعيدة في الانتقال عبر الشبكات المختلفة.
ركزت الدراسة المذكورة على البروتينات الموجودة في خيوط السحب الحريرية، والتي تقوم مقام نوع من الحبال المطاطية لدى العناكب المتدلية من شبكاتها أو من الأسقف. ولكن لا يزال هناك الكثير مما اكتشفته الطبيعة ولا نعرف عنه أي شيء، كما تقول الدكتورة شيريل هاياشي.
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

دراسة تربط الخيول بإمكانية ظهور وباء جديد... ما القصة؟

يوميات الشرق طفل يمتطي حصاناً في سوق الماشية بالسلفادور (رويترز)

دراسة تربط الخيول بإمكانية ظهور وباء جديد... ما القصة؟

كشف بحث جديد أنه يمكن لفيروس إنفلونزا الطيور أن يصيب الخيول دون أن يسبب أي أعراض، مما يثير المخاوف من أن الفيروس قد ينتشر دون أن يتم اكتشافه.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تشعر فعلاً بالألم (غيتي)

الكركند والسرطانات «تتألم»... ودعوة إلى «طهوها إنسانياً»

دعا علماء إلى اتّباع طرق إنسانية للتعامل مع السرطانات والكركند والمحاريات الأخرى داخل المطبخ، بعدما كشفوا للمرّة الأولى عن أنّ القشريات تشعر فعلاً بالألم.

«الشرق الأوسط» (غوتنبرغ)
يوميات الشرق العلماء الدوليون ألكسندر ويرث (من اليسار) وجوي ريدنبرغ ومايكل دينك يدرسون حوتاً ذكراً ذا أسنان مجرفية قبل تشريحه في مركز إنفيرماي الزراعي «موسغيل» بالقرب من دنيدن بنيوزيلندا 2 ديسمبر 2024 (أ.ب)

علماء يحاولون كشف لغز الحوت الأندر في العالم

يجري علماء دراسة عن أندر حوت في العالم لم يتم رصد سوى سبعة من نوعه على الإطلاق، وتتمحور حول حوت مجرفي وصل نافقاً مؤخراً إلى أحد شواطئ نيوزيلندا.

«الشرق الأوسط» (ويلنغتون (نيوزيلندا))
يوميات الشرق صورة تعبيرية لديناصورين في  بداية العصر الجوراسي (أ.ب)

أمعاء الديناصورات تكشف كيفية هيمنتها على عالم الحيوانات

أظهرت دراسة حديثة أن عيَّنات من البراز والقيء وبقايا أطعمة متحجرة في أمعاء الديناصورات توفّر مؤشرات إلى كيفية هيمنة الديناصورات على عالم الحيوانات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق يشكو وحدة الحال (أدوب ستوك)

دلفين وحيد ببحر البلطيق يتكلَّم مع نفسه!

قال العلماء إنّ الأصوات التي يصدرها الدلفين «ديل» قد تكون «إشارات عاطفية» أو أصوات تؤدّي وظائف لا علاقة لها بالتواصل.

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.