المناعة مفتاح الخروج من نفق الجائحة

بشقيها الطبيعي المتأصل أو المتولّد من اللقاح

في انتظار اللقاح... رهان على قيود الإغلاق في العاصمة الفرنسية أمس (أ.ف.ب)
في انتظار اللقاح... رهان على قيود الإغلاق في العاصمة الفرنسية أمس (أ.ف.ب)
TT

المناعة مفتاح الخروج من نفق الجائحة

في انتظار اللقاح... رهان على قيود الإغلاق في العاصمة الفرنسية أمس (أ.ف.ب)
في انتظار اللقاح... رهان على قيود الإغلاق في العاصمة الفرنسية أمس (أ.ف.ب)

في عام 2011، نال عالم البيولوجيا الفرنسي جول هوفمان جائزة نوبل في الطب عن اكتشافه آليّة عمل المناعة المتأصلة التي تشكّل خط الدفاع الأساسي في مواجهة مليارات الجراثيم والفيروسات وتقضي عليها قبل أن تتمكّن من الخلايا التي تستهدفها هذه الأجسام الغازية التي تتحرك بدقّة لا تضاهيها سوى دقة جهاز المناعة الذي يعد العمود الفقري لصحة الإنسان، والذي يعتمد عليه العالم اليوم في هذه المعركة الضارية التي يخوضها ضد «كوفيد - 19». ذلك الاكتشاف كان نقطة تحوّل تاريخية في مسارات البحوث لتطوير اللقاحات وفكّ الرموز المعقّدة لجهاز المناعة الذي تقوم عليه هذه البحوث.
ويقول هوفمان إن رمية النرد الوراثيّة، إلى جانب السيرة الصحيّة، هي التي سيتوقّف عليها مآل الصراع ضد فيروس كورونا المستجدّ وشروط التعايش معه في المستقبل. وبعد أشهر من المراقبة السريرية والدراسات العلمية التي بيّنت مدى التباين بين عوارض الإصابات والتفاوت في مستويات خطورتها، باتت الأوساط العلمية على يقين بأن هذه الفوارق الفردية الكبيرة هي اللغز الرئيسي الذي يقتضي فكّه للتمكن من القضاء على الوباء.
في العدد الأخير من مجلّة «Cell» الطبيّة المرموقة، نشر باحثون من معهد «لا جويا» للعلوم المناعيّة في كاليفورنيا دراسة حول أهمية تنسيق وظائف جهاز المناعة، الذي يعدّ الأكثر تعقيداً وتطوراً بين كل الأنظمة التي تولّدت عبر مسيرة الارتقاء البيولوجي للإنسان، لتطوير اللقاحات الفاعلة ضد الوباء.
وتفيد هذه الدراسة التي تستند إلى نتائجها أحدث التجارب لتطوير اللقاحات بأن الجزء المتأصل، أي الموروث، في نظام المناعة، يقوم على مجموعة من الخلايا التي تستيقظ عندما ترصد دخول أي جسم غريب وتندفع بسرعة لمهاجمته، لكن من غير تنسيق بينها أو دقّة، ومن غير أن تكترث لكونه فيروساً او جرثومة أو لطبيعة أي منهما. ثم هناك مجموعة أخرى من الخلايا، المتكيّفة، وهي أبطأ بكثير من الخلايا المتأصلة، لكنها أكثر ذكاء ودقة وفاعلية منها.
ويقول الباحثون في معهد «لا جويا» إن المقصود بتسمية متكيّفة لهذه الخلايا، أنها تستجيب لمقتضيات المحيط الذي تتحرّك فيه للدفاع عن الخلايا التي تتعرّض لهجمات الأجسام الغريبة، وتتوصّل إلى ما يشبه التفاهم معه لتبدأ بإفراز مضادات ومستقبِلات خليويّة متخصصة في التعرّف على الفيروس ثم القضاء عليه.
ويصف الباحثون ما يحصل بأنه تحوّل في الطبيعة الجينيّة للخلايا يعيد تشكيلها ويعدّل وظائفها لتنظيم الهجوم على الجسم الغريب الغازي، فتولّد مجموعة واسعة من المضادات متعددة القدرات والوظائف. وعندما تتمكّن أحد هذه المضادات من القضاء على الفيروس، تصل رسالة إلى الخليّة التي أنتجتها تحمل أوامر لها بالتكاثر أكثر من بقيّة الخلايا.
ومن النتائج المهمة التي توصّلت إليها هذه الدراسة هي وجود علاقة سببية بين انعدام التنسيق في استجابة جهاز المناعة من جهة وخطورة الإصابات الناجمة عن الفيروس من جهة أخرى، وإن هذا الانعدام في التنسيق، أو قلّته، يتفاقم بعد أن يتجاوز المرء الخامسة والستين من العمر، ما يفسّر أن هذه الفئة العمرية هي التي تسجّل أكبر عدد بين ضحايا «كوفيد - 19».
وتعلّق الأوساط العلمية المنكبّة على تطوير اللقاحات ضد فيروس كورونا المستجدّ أهميّة بالغة على هذه النتائج بعد أن أيقنت أن المناعة بشقيّها، الطبيعي المتأصل الذي يتولّد من اللقاح، هي السبيل الوحيدة للخروج من نفق هذه الجائحة.
والمعروف أن هذه الوظائف الذكيّة لجهاز المناعة تكاد تكون مقصورة على خلايا النخاع العظمي، التي تعد «أم الخلايا»، والتي لم يكتشف العلم أسرار نظامها الوراثي حتى أواخر ثمانينات القرن الماضي بفضل أبحاث العالم الياباني سوسومو تونيغاوا.
ويشدّد العلماء على ضرورة تضمين النظم الصحيّة خططاً طويلة الأمد لتقوية جهاز المناعة الطبيعية والمولّدة لمواجهة الجائحات المقبلة التي ستكون اللقاحات هي السلاح الوحيد للحماية منها في أدغال الطبيعة الفيروسية.
ويقول الباحثون إنه لا يمكن التعويل كثيراً على مناعة القطيع التي لا تتحقق إلا بعد انقضاء فترة طويلة بعد أن تكون قد خلّفت في طريقها أضراراً بشرية ومادية جسيمة، فضلاً عن أنه ليس من المعروف حتى الآن كم تدوم فاعلية المضادات التي تتولّد من الإصابة بالفيروس بعد المعافاة، ولا مدى فاعليتها في مواجهة الوباء، وإذا كانت كافية لمنع انتقال الفيروس من المعافى إلى غيره.


مقالات ذات صلة

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))

تدعو لـ«محاسبة الأسد»... «مجموعة السبع» مستعدة لدعم الانتقال السياسي في سوريا

موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)
موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)
TT

تدعو لـ«محاسبة الأسد»... «مجموعة السبع» مستعدة لدعم الانتقال السياسي في سوريا

موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)
موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)

أعلن قادة مجموعة الدول السبع الكبرى في بيان، الخميس، إنهم على استعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، وفقاً لوكالة «رويترز».

وذكرت مجموعة السبع أن الانتقال السياسي بعد نهاية الحكم الاستبدادي، الذي دام 24 عاماً لبشار الأسد، يجب أن يضمن «احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

وطالبت المجموعة أيضاً بضرورة «محاسبة نظام الأسد».

وأضاف البيان: «ستعمل مجموعة السبع مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير، وتكون نتاج هذه العملية، وتدعمها بشكل كامل».

كما دعا القادة «كل الأطراف» إلى «الحفاظ على سلامة أراضي سوريا، ووحدتها الوطنية، واحترام استقلالها وسيادتها».