بربرية بملابس عصرية

بربرية بملابس عصرية
TT

بربرية بملابس عصرية

بربرية بملابس عصرية

قال آينشتاين مرة: «لا أدري بأي أسلحة سيجري خوض الحرب العالمية الثالثة، لكن المؤكد أن الحرب العالمية الرابعة ستكون بالعصي والحجارة».
ولكن يبدو أن هناك حرق مراحل في الحروب، كما في السياسة. وواضح أننا حرقنا مرحلة الحرب العالمية الثالثة، بعد أن أيقنت البشرية أنه لن يكون هناك غالب ومغلوب، وأن الأطراف جميعها ستستعر في جحيمها؛ فقنبلة «الأخ الصغير»، التي دمرت هيروشيما في الحرب العالمية الثانية، أصبحت الآن في ملكية الجميع تقريباً، وأن توازن الرعب قد صار حقيقة. أدرك الجميع ذلك. صارت القنبلة النووية «خردة» يأكلها الصدأ في مستودعها. تجاوز الزمن الحرب الكونية الثالثة. لم يعد يحتاج إليها. لا أقطاب سياسية وفكرية، تتصارع الآن. أصبح ذلك خلفنا، وعاد الصراط مستقيماً. ولكن لا بد لنا من حرب، حتى لو استعرنا أدواتها من عصر غابر جداً: عصر العصي والحجارة. إنها الحرب الكونية الرابعة.
لا شك أن آينشتاين كان يرى، بعيني عقله الثاقبتين اللتين تبصران على مدى أميال تاريخية، أن ذلك المنحى، الذي سموه «منحى التطور» قد أخذ يهبط باتجاه الخلف منذ ذلك الوقت، وأنه يواصل هبوطه باطراد صوب عصر آخر، كان من المفروض أنه دخل سجل الماضي... ومات بعصيّه وأحجاره، وحكاياته المضحكة، وأساطيره التي أفسدت العقول، وأعمت القلوب. لكن في الحقيقة، لم يمض شيء. يبدو أنه كان كامناً في مكان ما، في كهف سري بانتظار اللحظة المناسبة، بانتظار إشارة منا. ومنحناه الإشارة!
وها نحن نرى بربرية جديدة بملابس عصرية تُولَد أمام أعيننا، لكن سلاحها العصي والحجارة. كأننا نسينا الكلمات، كأننا نسينا ثلاثة قرون من الفلسفة والسجالات الكبرى، وأطفأنا بأفواهنا ذات الأنفاس الحارة أنوار التنوير، ودفنا الحداثة حتى قبل أن تبدأ، وردمنا أنهار الدم والدمع اللتين ذرفها الإنسان حتى يصبح إنساناً... حتى يرتفع على مستوى العصا والحجارة.
إنه ليس فقط «نظام التفاهة» الذي نعيش، على حد توصيف المفكر الكندي آلان دونو، «حيث التافهون لا يجلسون خاملين، بل يعملون بجد من دون أي أفق سياسي ولا خلفية فكرية»، وحيث «لا أحد يريد أن يزعج نفسه بالتفكير، فالتفكير يمثل مصدر إزعاج للجميع. الكل يتجنب التفكير مثلما يتجنبون مرضاً خبيثاً». وخطر هؤلاء يأتي من كونهم يحتلون قمة النظام السياسي والاجتماعي، وأسفله أيضاً، الذين باتوا يشكلون واقعنا كيفما يريدون ويشتهون كالطين.
ومع ذلك، الأمر أخطر بكثير مما يتصوره آلان دونو. إنه عصر البربرية، أو فلنقل إن «نظام التفاهة» لا يمكن أن يولّد في النهاية سوى البربرية، لأن من شروط نموه وبقائه وهيمنته إزاحة كل القيم الإنسانية، عدوته الكبرى، وتسطيح وتسخيف ما أنتجه العقل الإنساني من مبادئ تعارفت عليها البشرية منذ عصر الإغريق، ليحل محلها ضيق الأفق، والشعبوية الرخيصة، وتجييش النوازع البدائية، وغياب الحكمة المريع في التعامل حتى مع أبسط الظواهر، وإهانة مشاعر الآخر حتى في بلدان قطعت شوطاً كبيراً في مسيرتها الحضارية.
لكن دروس التاريخ تعلمنا أنه كلما توقف المسار الاجتماعي والأخلاقي عن التقدم إلى أمام، وإن بشكل بطيء ومتعرج، وانسدت منافذ التاريخ، أصبحت البربرية قدراً محتوماً.



معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام
العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام
TT

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام
العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، 19 دولة عربية و12 أجنبية.

ويحلّ الأردن «ضيف شرف» على المعرض هذا العام. في حين أعلن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب اختيار العالم الجغرافي والمحقق اللغوي والمترجم الكويتي عبد الله الغنيم ليكون «شخصية المعرض».

وقال مدير المعرض، خليفة الرباح، إن اختيار الغنيم «جاء تقديراً لإسهاماته الكبيرة في الثقافتين المحلية والعربية، وهو ما تَجسَّد في حصوله على (وسام الاستقلال من الدرجة الأولى) من الأردن عام 2013 لدوره في إثراء قاموس القرآن الكريم، بالتعاون مع مؤسسة الكويت للتقدم العلمي».

شغل الغنيم منصب وزير التربية خلال الفترة بين 1990 و1991، ووزير التربية والتعليم العالي بين 1996 و1998، ورئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية من 1992 حتى الآن، كما عمل أستاذاً ورئيس قسم الجغرافيا في جامعة الكويت بين 1976 و1985، وعضو مجمع اللغة العربية في سوريا ومصر، وعضو المجلس الأكاديمي الدولي لمركز الدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد.

وذكرت عائشة المحمود، الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أن المعرض يقام هذا العام تحت شعار «العالم في كتاب» ليكون تعبيراً عن أهمية الكتاب ودوره في تقديم الثقافة للمجتمع.

وأضافت أن النشاط الثقافي المصاحب للمعرض يقام عبر 3 منصات مختلفة، هي «الرواق الثقافي» التي تم استحداثها العام الماضي بطابع شبابي، ومنصة «المقهى الثقافي» التي تقدم أنشطة بالتعاون مع مؤسسات النفع العام والمؤسسات الأهلية والجهات الحكومية، و«زاوية كاتب وكتاب» التي استُحدثت هذا العام لربط القارئ بالكتاب بطريقة مباشرة، وتتضمّن أمسيات لعدد من الروائيين.

وأشارت إلى أن مجموع الأنشطة المصاحبة للمعرض، الممتد حتى 30 نوفمبر (تشرين الثاني) بأرض المعارض في منطقة مشرف، يتجاوز 90 نشاطاً بما فيها الاحتفاء بالرموز الثقافية الكويتية والعربية.

وعدّ وزير الثقافة الأردني مصطفى الرواشدة، أن مشاركة الأردن في معرض الكويت الدولي للكتاب «تُعدّ تتويجاً للعلاقات الثقافية بين البلدين».

وأعرب، في بيان، عن شكره لدولة الكويت بمناسبة اختيار الأردن «ضيف شرف» للمعرض، مؤكداً أن «دولة الكويت كانت ولا تزال منارةً للمثقف العربي بتجربتها في الإصدارات الرائدة».

وأوضح الرواشدة أن المشاركة الأردنية تتمثل في هذا المعرض من خلال الجناح الذي صُمِّم هندسياً ليعبِّر عن النمط المعماري الحضاري والتراثي الأردني، بما يضمه من مفردات تتصل بثقافة الإنسان، إضافة إلى الرموز التاريخية والثقافية المتنوعة.

وأضاف أن المشارَكة في معرض الكويت الدولي للكتاب «تمثل ثمرةً تشاركيةً بين المؤسسات الثقافية الأردنية؛ لتقديم صورة مشرقة للمشهد الثقافي الأردني في تعدده وتنوعه وثراء حقوله الإبداعية».