يكتسب السباق الرئاسي الأميركي زخما خاصا في الأيام القليلة المقبلة، إذ تتجه أنظار الناخبين، وخاصة المترددين منهم، إلى الرسائل الانتخابية الأخيرة التي يدلي بها المرشحان الجمهوري دونالد ترمب والديمقراطي جو بايدن. ومع احتدام التنافس في الولايات المتأرجحة، تسلط الحملتان الانتخابيتان المتنافستان الضوء على زوجة الرئيس الأميركي والسيدة الأولى ميلانيا ترمب، ومنافستها السيدة الثانية السابقة وزوجة المرشح الديمقراطي جيل بايدن، اللتين تقودان أنشطة انتخابية منفصلة عن المرشحين الرئيسيين، في مسعى للتواصل مع أكبر قدر من الناخبين والناخبات.
وعلى غرار المواجهة الانتخابية اليومية بين ترمب وبايدن على خلفية أجندتهما السياسية المتناقضة وبرامجهما الاقتصادية وأدائهما الحكومي، فإن ميلانيا وجيل تتواجهان بدورهما في «حلبات انتخابية» موازية. ويركز المراقبون السياسيون على شخصية السيدة الأولى زوجة الرئيس ترمب بشكل خاص، وأدائها في البيت الأبيض خلال السنوات الأربع الماضية. ويولي الناخب الأميركي تقليديا اهتماما خاصا بالسيدة الأولى، من القضية التي تختار دعمها خلال فترتها في البيت الأبيض، إلى تصريحاتها ودعمها للمرشح الرئاسي خلال الحملات الانتخابية، وحتى طريقة اختيار ملابسها. وتخضع السيدة الأولى لتدقيق شامل من قبل الجمهور ووسائل الإعلام، كما من الخصوم السياسيين. وذلك حتى قبل أن يبدأ تقييم العمل الذي يتوقع أن تؤديه كموظفة عامة غير رسمية بدون أجر. والمقارنة هنا بين شخصية ميلانيا ترمب التي تتميز بتأثير واسع بين شريحة من الناخبين وأثارت الكثير من الجدل خلال شغلها منصب السيدة الأولى، وبين شخصية جيل بايدن التي كانت السيدة الثانية في عهد إدارة أوباما، وأسلوبهما ومستوى نشاطهما السياسي وقدرتهما على تحسين صورة المرشح الرئاسي ومساعدته على توسيع قاعدته الانتخابية. وينظر الناخب الأميركي إلى زوجة المرشح الرئاسي باعتبارها أقرب الأشخاص له، وقد تكون أكثر تأثيرا من أي مسؤول بحملته الانتخابية. وتقول لورين رايت الباحثة في جامعة برينستون، في هذا الصدد: «إنهن لسن مجرد قوة مضاعفة في مسار الحملة الانتخابية، بل يملكن قوة تأثير قد يكون أكثر فاعلية من المرشحين أنفسهم في بعض الأحيان».
ميلانيا ترمب... سيدة أولى مؤثرة
خلال حملة إعادة انتخاب زوجها، لم تظهر ميلانيا ترمب التي أصيبت مثل زوجها بفيروس كورونا المستجد، في الكثير من المناسبات. لكنها عقدت أول تجمع انتخابي بمفردها قبل أسبوع من موعد الاقتراع في 3 نوفمبر (تشرين الثاني)، كما ستعقد تجمعا آخر في نهاية الأسبوع. وقالت السيدة الأولى الثلاثاء وسط ضحك الحضور: «أنا لا أوافق على الدوام مع الطريقة التي يعبر من خلالها (ترمب) عن الأمور» لكن «دونالد مقاتل، يحب هذا البلد ويقاتل من أجلكم كل يوم»، كما نقلت عنها وكالة الصحافة الفرنسية. كما انتقدت ميلانيا بايدن وحزبه الديمقراطي، الذي اتهمته بإهدار أموال دافعي الضرائب في ملاحقة زوجها في الكونغرس ومحاولة عزله، بينما كان يعمل على حماية البلاد من فيروس «كورنا» القاتل. وقالت للحشد المجتمع: «أشاهد دونالد وهو يواصل العمل بجد لحماية الناس وحماية اقتصادنا»، متهمة وسائل الإعلام بتدمير القيم الأميركية، وواصفة زوجها بصاحب «قلب كبير وروح دعابة. ويحب بلده، ويحب رؤية من حوله ينجحون».
وفي حدث انتخابي نادر أول من أمس، ظهرت ميلانيا إلى جانب زوجها في فلوريدا. وقالت إن «الإدلاء بصوت للرئيس ترمب هو الإدلاء بصوت من أجل أميركا أفضل». وتقول كاثرين جيليسون، أستاذة التاريخ في جامعة أوهايو، «في كل مرة يحتاج إليها في بادرة دعم قوية، تكون موجودة».
وبدت ميلانيا ترمب الغامضة والمتحفظة دائما، مترددة في أداء دورها الكامل «كسيدة أولى» بعد فوز زوجها بانتخابات 2016، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وفي الثالث من نوفمبر، يمكن أن تبقى عارضة الأزياء السلوفينية السابقة وأول زوجة من أصل أجنبي لرئيس أميركي منذ نحو قرنين، لمدة أربع سنوات أخرى في البيت الأبيض.
وقبل انتقالها إلى الولايات المتحدة، التحقت ميلانيا بجامعة ليوبليانا لدراسة التصميم والهندسة المعمارية، لكنها تركت الدراسة بعد انشغالها بعروض الأزياء وانتقلت إلى أميركا في عام 1996. وبعد زواجها من ترمب في عام 2005 وإنجاب ابنها بايرون، لم تتخل ميلانيا عن حبها للملابس والحقائب باهظة الثمن. وقدر الخبراء في صناعة الأزياء قيمة مجموعة حقائب تملكها ميلانيا بـ114 ألف دولار. كما تعد ميلانيا سيدة أعمال تترأس شركة لبيع مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة، وشركة لإنتاج المجوهرات.
أما في البيت الأبيض، فقد أثبتت ميلانيا أنها سيدة أولى مؤثرة تحظى بشعبية واسعة لدى قاعدة زوجها الانتخابية، رغم الجدل الذي أثارته في الكثير من الأحيان. مثلما حدث في عام 2018، أثناء زيارة للأطفال المهاجرين على الحدود مع المكسيك حين ارتدت سترة عليها الرسالة التالية: «أنا حقا لا أبالي، وأنتم؟». وتساءل كثيرون من كانت تستهدف برسالتها. وفي مقابلة مع شبكة «ايه بي سي»، قالت ميلانيا: «ارتديت السترة من أجل وسائل الإعلام اليسارية التي تنتقدني، وأريد أن أظهر لهم أنني لا أهتم. وأن هذا لن يمنعني من فعل ما أعتقد أنه صحيح».
إلى ذلك، لاقت حملتها ضد التنمر «بي بيست» انتقادات واسعة عند انطلاقها، حيث سخر كثيرون من اختيارها لهذا الموضوع في حين أن زوجها معروف باستخدام أوصاف غير لائقة ضد خصومه في أحيان كثيرة.
جيل بايدن... دعوة لتوحيد الأميركيين
وفي المعسكر الديمقراطي، ينظر المراقبون إلى جيل بايدن كقوة جذب للأصوات المترددة وسلاح سياسي فعال بين فئات الناخبات خاصة. وتجوب جيل منذ أشهر الولايات المتحدة، داعمة لجهود زوجها الانتخابية، حاملة رسالة مفادها أن وحده جو بايدن قادر على توحيد بلد منقسم. وعلى عكس جو الذي حد من رحلاته الانتخابية حتى الأسبوع الماضي، كثفت المدرسة البالغة من العمر 69 عاما زياراتها إلى الولايات الرئيسية التي يمكن أن تنتقل إلى المعسكر الديمقراطي في الثالث من نوفمبر. وهي تدعو الأميركيين سواء كانوا «ديمقراطيين أو جمهوريين، من الأرياف أو من المدن» إلى توحيد الصفوف لتجاوز الانقسامات السياسية وهزيمة وباء كوفيد - 19 ومواجهة الأزمة الاقتصادية، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
إلى ذلك، تركز جيل على نقل صورة إنسانية عن جو بايدن، الذي عرف في حياته «مآسي لا يمكن تصورها». وتروي خصوصا كيف تمكن النائب السابق للرئيس باراك أوباما من استئناف أنشطته في البيت الأبيض، بعد أيام فقط على وفاة ابنه بو الذي قضى جراء سرطان في الدماغ في 2015. وقالت في خطاب تناولت فيه الأزمات التي تشهدها الولايات المتحدة بسبب الوباء والتوترات في البلاد منذ أربع سنوات «لقد عرف كيف يداوي أسرة، وبالطريقة نفسها نداوي بلدا: عبر الحب والتفهم وبادرات لطف صغيرة وشجاعة وأمل لا يتزعزع».
تزوج جو وجيل بايدن العام 1977 بعد خمس سنوات على أول مأساة واجهها مع وفاة زوجته الأولى وابنتهما في حادث سيارة. يروي جو بايدن في مذكراته أن نجليه، بو وهانتر وهما لا يزالان صغيرين طلبا من والدهما الزواج من جيل، قائلا «لقد أعادت لي الحياة». وأوقفت جيل بايدن مسيرتها المهنية حين أنجبت ابنتهما آشلي العام 1981، لكنها تابعت بعد ذلك دراستها ونالت دكتوراه في التعليم. ولا تزال تدرس في إحدى جامعات شمال فيرجينيا بالقرب من واشنطن، حيث تريد مواصلة العمل حتى لو أصبح جو بايدن رئيسا.