سامي محمد.. صاحب النسيج المتفرد من الحجر واللون

أول كويتي يروض الصخر وتدخل أعماله المزادات العالمية

الفنان سامي محمد  -  سامي محمد يضع لمسات أخيرة على إحدى منحوتاته
الفنان سامي محمد - سامي محمد يضع لمسات أخيرة على إحدى منحوتاته
TT
20

سامي محمد.. صاحب النسيج المتفرد من الحجر واللون

الفنان سامي محمد  -  سامي محمد يضع لمسات أخيرة على إحدى منحوتاته
الفنان سامي محمد - سامي محمد يضع لمسات أخيرة على إحدى منحوتاته

يتعامل النحات الكويتي سامي محمد مع الصخر، مثل شاعر لم يجد ورقة يكتب عليها قصيدة، وكتب على منديل. ويبدو الإزميل في يده مثل ريشة رسام تشكيلي. بين يديه تتحول الحجارة الصماء إلى كائنات بشرية صارخة. ينحت وجه إنسان له أكثر من فم مكمم، بكل ما يعنيه هذا التشكيل، ويصنع أناسا لهم عذاباتهم. لذلك، فهو «يؤنسن» الحجر، ويجعل المتلقي يتعاطف مع الصخر الذي يبدو مغموسا بالألم.
تلتقي الفنان سامي محمد، الذي وصل إلى العالمية، وحين تنظر إلى كفيه تلمس مظهرهما الشاعري، وتستغرب كيف للحجر أن يطيع هذا النبض الشفيف.
حظي سامي محمد بتقدير شعبي، فأطلقت مجموعة اسمه على ملتقاها الأدبي. ثم تشكلت مجموعة شبابية أخرى من الفنانين التشكيليين، سموا أنفسهم باسم مجموعة «سامي محمد»، الذي حظي بتقدير رسمي من خلال نيله جائزة الدولة. وأصبح له حضوره العالمي. وصارت أعماله تدرّس في بعض الجامعات الأجنبية. وحصل على دبلوم تقدير من «كان سيرلامير» في فرنسا. وفي رصيده اليوم، عدد كبير جدا من الجوائز الذهبية. وهو أول فنان كويتي تدخل أعماله المزادات العالمية من قبل صالة كرستي العالمية. كما حصل على جائزة الإبداع من مؤسسة الفكر العربي.

* ولادة مع الطين
الطين الذي يستخدمه الفنان سامي محمد في أعماله، كان ذات يوم، المنزل الذي عاش فيه حين ولد في عام 1943. في حي الصوابر بمنطقة شرق، وهو أحد أقدم أحياء مدينة الكويت القديمة. كان والده خياط «بشوت»، وكان فنانا أيضا في مجاله، اشتهر بتطريز زخارف «الكرمك» التي يزين بها حواشي البشت. وقد توفي لاحقا في السعودية.
بدأ سامي محمد رحلته مع النحت في سن العاشرة. وقدم أول عمل له في مدرسته، وحصل به على أول جائزة في حياته، من مدير دائرة المعارف، آنذاك، الشيخ عبد الله الجابر. وفي عام 1966. حصل على منحة دراسية في الخارج، فالتحق بكلية الفنون الجميلة في القاهرة، وتخرج منها عام 1970. وأسس بعدها بعام، بالتعاون مع عدد آخر من الفنانــين التشــكيليين، الجمعيــة الكويتية للفنون التشكيلية. ثم منح بعثة دراسية أخرى في الخـــارج، من قبل وزارة الإعلام. فالتحق في عام 1974 «بمعهد ومحترف جونسون التقني للنحت» في مدينة برنستون، ولاية نيوجيرسي الأميركية. وحين تلمسوا براعته، صار يعطي الطلاب المستجدين هناك دروسا في تشريح الجسم البشري.
وأخذ يمثـــل بلده في الكثير من المحافل الفنية العالمية، مثل تورونتو ومونتـريال الكنديتين، وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا، وغيرها.
حين يحدثك سامي محمد عن مشواره، يؤلمك أنه يمر على محطة يحكيها ولا يواريها، وذلك حين أصيب بمرض في القلب، ويسميهــــا طبيا: «أرثمية القلب». اصطحبني ذات أمسية في سيارته، فلفت نظري أسطوانة أكسجين يضعها في المقعد الخلفي للسيارة. ولم يـــدع فضولي يطول إذ أخبرني بأنه قد يحتاجها للتنفس في أي لحظة. مع ذلك، ما زال سامي محمد يبدع وبقوة حتى الآن، ويقهر الصخر بقلب مرهف. لكنه قوي كما الحرير، نعومته لا تعني ضعفه. لذلك فهو يسمي مجموعاتـــــه النحتية بأسماء حادة، مثل: «الغضب»، «بعد الانفجار»، «هاجس الحرية».
له تفرده، فهو يحمل موهبتـــــين توأمتين بداخله: الأولى هي النحت، والثانية هـــــي الرســــــم التشكيلي. في موهبته الأولى، اشتهر الفنان سامي محمد بأعماله التــــي تجســـــد الإنسان وهــــو في حالات الخلاص والانعتاق أو المعاناة. بينما يهوى في أعماله التشكيلية رسم التراث ومفردات البيئة القديمة، ليكتمل في إبداعه هذا النسيج المتفرد من حجر ولون.



الأفعى والجمل قطعتان أثريتان من موقع «مسافي» بإمارة الفجيرة

مجمّرة ومجسّم من موقع مسافي
مجمّرة ومجسّم من موقع مسافي
TT
20

الأفعى والجمل قطعتان أثريتان من موقع «مسافي» بإمارة الفجيرة

مجمّرة ومجسّم من موقع مسافي
مجمّرة ومجسّم من موقع مسافي

تحضر الأفعى بأشكال متعدّدة في مجموعة هائلة من القطع الفخارية التي خرجت من مناطق أثرية متفرّقة في الركن الجنوبي الشرقي لشبه الجزيرة العربية. ويشهد هذا الحضور الطاغي لنسق فني محلّي يتبع لغة تصويرية خاصة في النقش والحفر، كما تظهر دراسات تناولت هذا الميراث الجامع الذي يربط بين هذه المواقع المتوزعة اليوم على دولة الإمارات المتحدة وسلطنة عُمان. تظهر الأفعى وحدها في هذا الميدان، وتتنوّع تقاسيمها التصويرية في غياب أي عناصر تصويرية أخرى في أغلب الأحيان، غير أنها تندمج استثنائياً في قوالب مميّزة تجمع بينها وبين أشكال حيوانية، كما نرى في عدد محدود من القطع، منها قطعتان مصدرهما موقع «مسافي» في إمارة الفجيرة.

تختلف هاتان القطعتان من حيث الحجم والتكوين، وتتشابهان من حيث الأسلوب بشكل لا لبس فيه. ويصعب تحديد تاريخهما بشكل دقيق، والأكيد أنهما من نتاج الألفية الأولى قبل الميلاد، وتتبعان نسقاً فنياً ظهر في مرحلة متقدّمة من العصر الحديدي. تتمثّل القطعة الأكبر حجماً بمجمّرة تمّ جمع ولحم ما وصل من أجزائها المهشّمة بعد إخضاعها لترميم علمي دقيق ومتأنٍّ. وتتمثّل القطعة الأصغر بمجسّم وصل بشكل كامل، وهو على شكل دابة ذات عنق طويل. يبلغ طول هذه المجمّرة 45.5 سنتيمتر، وقطر إنائها الأعلى 16.5 سنتيمتر. يستقرّ عنق هذا الإناء فوق قاعدة طويلة تأخذ شكل جمَلَين متلاصقين، وصل أحدهما بشكل تام، ووصل الآخر بشكل مجتزأ، وأُعيد تشكيله خلال عملية الترميم التي خضع لها. يعلو هذا الإناء غطاء على شكل قبّة تخرقها شبكة من الثقوب الدائرية، ويظهر فوق قمّة هذه القبّة مجسّم يمثّل دابة فقدت رأسها.

تحمل هذه المجمرة عنصراً تصويرياً آخر يحتل أحد جانبي إنائها، ويتمثّل هذا العنصر بقامة آدمية عُثر عليها بشكل مستقل، وتمّ دمجها بهذه القطعة بعد أن تبيّن أنها تشكّل على الأرجح جزءاً منها في الأصل. وصلت هذه القامة الآدمية بشكل مجتزأ، ويبلغ طولها نحو 14 سنتيمتراً، وتمثّل رجلاً يقف في وضعية المواجهة، فقد ذراعيه وساقيه. يتصل الرأس بالصدر بشكل مباشر، إذ يغيب العنق، ويخلو الوجه من أي ملامح جلية. زُيّنت هذه القامة الآدمية الناتئة بحُلّة لونية بقي منها مسحات باهتة باللونين الأسوَد والأحمَر. وتظهر آثار هذه الحلّة اللونية الممحوة على مكوّنات المجمّرة، وتتوزّع بشبكة من الخطوط تلفّ الإناء، وترتسم على جملَي قاعدته.

يشبه غطاء هذه المجمّرة من حيث التكوين، قطعة أثرية مصدرها موقع «مويلح» في إمارة الشارقة، وهي على شكل قبّة يعلوها تمثال ثور ذي سنام، وتمثّل كذلك غطاء مجمّرة مخصّصة لحرق البخور والطيوب. في المقابل، يتبع الجملان اللذان يشكّلان قاعدة لإناء المجمّرة، نسقاً فنيّاً محليّاً ساد في هذه الناحية من الجزيرة العربية خلال تلك الحقبة من العصر الحديدي، وشواهده كثيرة، وأشهرها جمل يعلو ظهره سرج عريض مربّع، عُثر عليه كذلك في موقع «مويلح». تتميّز مجمّرة «مسافي» بالأفعى التي تتكرّر على أجزاء متعددة، والتي تحضر بشكل ناتئ على ظهر الجمل الذي وصل بشكل كامل، وتبدو كأنها تتحرّك بشكل ملتوٍ في اتجاه رأس الدابة. كما تحضر على شكل حزام يلتف حول خصر الرجل الذي يلعب دور حارس الجمَلَين كما يبدو، وتُزيّن جلدها شبكةٌ من الدوائر المتراصة، وفقاً للنسق التشكيلي السائد.

إلى جانب هذه المجمّرة المميّزة، يحضر مجسّم الدابة الصغير الحجم، ويبلغ طوله نحو 12 سنتيمتراً، ويمثّل على الأرجح جملاً، على الرغم من غياب السنام التقليدي عن صورته. الرأس مسطّح ومرتفع نحو الأعلى بشكل طفيف، والعنق عريض وطويل، وكذلك الصدر والقوائم الأربع المنتصبة بثبات. يقف هذا الجمل فوق قاعدة مستطيلة مسطّحة تشكّل أرضاً له، وتظهر فوق سطح هذه الأرض أفعى ناتئة تتلوى بين قوائمه. كما تظهر أفعى ثانية ناتئة تسعى فوق ظهره، على مثال الأفعى التي تسعى فوق ظهر جمل المجمّرة. وتظهر أفعى ثالثة ناتئة تلتفّ حول عنقه على شكل حلقة. تقابل هذه الأفاعي الناتئة شبكة من الأفاعي خُطّت باللون الأسود فوق أعضاء من بدنه. وتحضر هذه الأفاعي السوداء على أطراف قاعدة هذا المجسّم، وتبدو كأنها تُزيّن إطارها.

يشكّل حضور الأفاعي الأثري الطاغي في الركن الجنوبي الشرقي لشبه الجزيرة العربية لغزاً احتار أهل الاختصاص في تفسيره بشكل جليّ. راج الحديث عن «عبادة الأفاعي» في هذا السياق، غير أن هذه الأفاعي تتصل على الأصح بمعبود لم يصل إلينا اسمه بعد، وهي رمز لهذا المعبود المجهول، وتمثّل التجدّد والانبعاث والخصوبة، كما تمثّل الحماية والوقاية والشفاء. تحضر هذه الأفعى في قوالب فنية جامعة تتكرّر وتتماثل في مواقع متعدّدة، وتتجلّى أحياناً في قوالب مبتكرة تبدو غير معهودة، كما تشهد هذه المجمّرة وهذا المجسّم اللذان خرجا من موقع «مسافي».