صدمة في دمشق من قفص حديدي لتنظيم طوابير الخبز

رئيس الوزراء السوري يقول إن مخزون القمح يكفي لتوفير «لقمة العيش» لـ45 يوماً

صورة تداولها نشطاء سوريون معارضون لصندوق حديدي وضع لتنظيم الدور أمام فرن خبز في دمشق
صورة تداولها نشطاء سوريون معارضون لصندوق حديدي وضع لتنظيم الدور أمام فرن خبز في دمشق
TT

صدمة في دمشق من قفص حديدي لتنظيم طوابير الخبز

صورة تداولها نشطاء سوريون معارضون لصندوق حديدي وضع لتنظيم الدور أمام فرن خبز في دمشق
صورة تداولها نشطاء سوريون معارضون لصندوق حديدي وضع لتنظيم الدور أمام فرن خبز في دمشق

لجأت مخابز حكومية في دمشق إلى نصب أقفاص من الشبك الحديدي لتنظيم الوقوف في طابور الخبز، في وقت رفض فيه مدير مخابز دمشق التعليق على تلك الصورة التي أثارت سخط السوريين.
وأفادت «إذاعة المدينة» المحلية بأن مدير مخابز دمشق، نائل اسمندر، رفض التعليق على صحة صورة الأقفاص، واكتفى بالقول إن هذه الطريقة لتنظيم الدور والفصل بين الرجال والنساء والعسكر، كما أشار إلى أن «ثقافة الدور غير موجودة في بلادنا».
وتسجل دمشق سابقة في ابتكار طريقة الأقفاص لتنظيم دور الخبر، وذلك خلال البحث عن حل للازدحام على الأفران في ظل أزمة خانقة في توفر رغيف العيش.
وفي محاولة بائسة لحل أزمة الخبز التي اشتدت في سبتمبر (أيلول) الماضي، فرضت وزارة التجارة الداخلية سياسة تقنين في توزيع الخبز، حيث حددت حصة الفرد في اليوم الواحد بـ3 أرغفة، وذلك بتخصيص ربطة (7 أرغفة وزن نحو 800 غرام) لعائلة من شخصين، وربطتين لعائلة من 4 أشخاص. ويتم تسلمها عبر «البطاقة الذكية» وفقاً لنظام الشرائح. كما تم منع المخابز من البيع خارج «البطاقة الذكية» باستثناء نسبة 5 في المائة من المبيعات تذهب للحالات الخاصة التي لا تملك بطاقة؛ كطلاب الجامعات والمقيمين في غير محافظاتهم أو غيرهم، وفق جداول بالأسماء والرقم الوطني ورقم الهاتف.
وكان رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس، حاول قبل يومين «طمأنة» السوريين بالقول إن الخبز المدعوم لا يزال «خطاً أحمر لن يتم المساس به؛ إلا في الحدود البسيطة». وذكر موقع صحيفة «الوطن» السورية، أن عرنوس قال إن القمح الذي اشترته دمشق يكفي لإنتاج الخبز لمدة شهر ونصف الشهر فقط.
ونقل الموقع الموالي للحكومة السورية عن عرنوس قوله في اجتماع مع نقابات عمال، أمس: «تم خلال العام الحالي شراء 690 ألف طن من القمح؛ منها 300 ألف طن في الحسكة» في شمال شرقي سوريا، دون تحديد ما إذا كانت الكمية الباقية مشتراة محلياً أيضاً.
وخلال سنوات الحرب، تحولت سوريا من بلد حقق اكتفاءً ذاتياً في إنتاج القمح إلى بلد مستورد، حيث تراجع إنتاج القمح من نحو 4 ملايين طن إلى أقل من 1.5 مليون طن عام 2019 في عموم سوريا، غالبيته يتركز في المناطق الشرقية الخارجة عن سيطرة النظام.
وتبدو الحكومة السورية، التي وقعت خلال العام الماضي عقداً لاستيراد مليون و200 ألف طن قمح من روسيا، هذا العام عاجزة عن ذلك، في ظل تشديد العقوبات الاقتصادية الأميركية، كما امتنعت الإدارة الذاتية عن بيع القمح لدمشق.
يذكر أن أكثر من 9 ملايين مواطن سوري يعيشون تحت خط الفقر مهددين بانعدام الأمن الغذائي؛ بحسب «برنامج الغذاء العالمي»، نتيجة افتقاد مادة الخبز وارتفاع أسعار المواد الغذائية في سوريا، فربطة الخبز التي تباع بالسعر المدعوم بـ50 ليرة، وصل سعرها في السوق السوداء إلى 1000 ليرة، بينما قفز سعر ربطة الخبز السياحي في السوق من 500 ليرة إلى 1500 ليرة خلال الشهر الأخير.
وكانت الصدمة عمّت أوساط الموالين للنظام في الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي، من قرار الحكومة رفع سعر لتر البنزين «الممتاز المدعوم».
ووسط تفاقم أزمات عدم توفر البنزين والمازوت والخبز وانهيار اقتصادي متسارع يضرب البلاد، أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قراراً يقضي برفع سعر مبيع لتر البنزين الممتاز المدعوم للمستهلك عبر «البطاقة الذكية» من 250 ليرة سورية إلى 450 ليرة، وغير المدعوم من 450 ليرة إلى 650 ليرة سورية.
وتشهد مناطق سيطرة الحكومة منذ سنوات أزمة محروقات حادة وساعات تقنين كهرباء طويلة، وتفاقمت مؤخراً بشكل كبير، بسبب عدم توافر الفيول والغاز اللازمين لتشغيل محطات التوليد؛ مما دفع بها إلى اتخاذ سلسلة إجراءات تقشفية.
وأصدر الرئيس بشار الأسد مرسومين تشريعيين، نصّ أحدهما على صرف منحة لمرة واحد بمبلغ مقطوع قدره 50 ألف ليرة سورية، على أن تُعفى من ضريبة الدخل أو أي اقتطاع، وفق ما أوردت رئاسة الجمهورية على منصاتها الرسمية. وتضمن المرسوم الثاني تعديل «الحد الأدنى المعفى من الضريبة على دخل الرواتب والأجور ليصبح 50 ألف ليرة سورية بدلاً من 15 ألفاً».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».