العلمانية والشعبوية!

العلمانية والشعبوية!
TT

العلمانية والشعبوية!

العلمانية والشعبوية!

في الثاني من سبتمبر (أيلول) 2020 ظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مشهد مصوَّر وهو يوبّخ الصحافي الفرنسي البارز بجريدة «لو فيغارو» جوروج مالبرونو، بسبب نشره ما قال إنها لائحة فرنسية لفرض عقوبات بحقّ مسؤولين لبنانيين يقاومون الإصلاح، ظهر ماكرون في التسجيل المصور وهو يشنّ هجوماً عنيفاً ضد الصحافي، قال الرئيس الفرنسي موبخاً مالبرونو: «خطوتك تدل على عدم المسؤولية حيال مصالح فرنسا ومصالح لبنان»، وتابع قائلاً: «سمعتني أدافع عن الصحافيين... سأفعل دائماً... لكني أتحدث إليكم بصراحة... إن ما فعلته هو عمل غير جاد وغير مهني وتافه».
كثيرون وقتها تساءلوا: لماذا ثار الرئيس الفرنسي بوجه صحافي معروف، لم يرتكب خطأ سوى التعبير عن رأيه بحرية، في صحيفة بارزة هي «لو فيغارو»؟، هل كان يتعين على الصحافيين الفرنسيين الذين تشبعوا فكر وقيم «الجمهورية» الفرنسية، وآمنوا حدّ القداسة بقيم مثل حرية التعبير، وحرية الاعتقاد، أن يحصلوا على إذن من الإليزيه قبل نشر أخبارهم، فضلاً عن آرائهم...؟
الرئيس الفرنسي الذي بدا وهو يوبّخ الصحافي مالبرونو؛ قمعياً وسلطوياً ومستبداً، هو نفسه الذي احتفى بالرسوم الكاريكاتورية المسيئة لنبي الإسلام، معتبراً أن نشرها بمثل قيم فرنسا، وأن المدرس (الضحية) «قُتل بيد جبناء لأنه كان يجسّد القيم العلمانية والديمقراطية في الجمهورية الفرنسية».
ثمة مفارقة فكرية لا تنجو من السياسة في كل ما يحدث حول الرسوم المسيئة. في الحقيقة ثمة مَن يشعر بأن خيطاً دقيقاً بين التطرف العلماني والتطرف الديني، كلاهما يستخدم «الشعبوية» للتلاعب بأفكار الناس لغايات سياسية.
المجلة الفرنسية «شارلي إيبدو» تعكف منذ سنوات على نشر مثل هذه الرسوم المسيئة، وهي تواصل استفزاز مشاعر المسلمين، واستفاد من حملاتها التيار المتطرف، والمعادي للتعايش، كما استفاد اليمينيون في فرنسا، ومنذ عام 2011 تسبب تمادي المجلة في إعادة نشر الرسوم المسيئة إلى حوادث أمنية خطيرة حين تعرضت لإطلاق النار في ذلك العام، وكان يتعين وقتها التنبه إلى حجم الضرر الذي ينتج عن ممارسة الفوضوية كقناع لحرية التعبير... وظلت الصحيفة تنشر الرسومات كلما شاهدت المظاهرات تغطي شوارع العالم الإسلامي وأفريقيا.
في 7 يناير (كانون الثاني) 2015، تعرضت الصحيفة بسبب إعادة نشر تلك الرسوم إلى هجوم (إرهابي) قتل وأصاب 23 شخصاً، لكنّ القادة المسؤولين في العالم طوّقوا الهجوم كي لا يتحول إلى شرارة للصراع الآيديولوجي، يستفيد منه المتطرفون، حظيت فرنسا وقتها بقيادة لبقة هو الرئيس فرنسوا أولاند، الذي عمل على توحيد شعبه أولاً، وتوحيد العالم للتصدي لظاهرة الإرهاب، ونجح في تنظيم مسيرة هي الأكبر في تاريخ فرنسا شارك فيها 50 زعيماً من قادة العالم، كانت لحظة مهمة ليتّحد العالم من أجل الزجّ بالحضارة الإنسانية في أيدي المتطرفين.
بعيداً عما يقوله ماكرون؛ من الواضح حجم الحرج الذي تسببه المجلة الفرنسية لحكومة بلادها. هي متهمة دوماً بأنها مغناطيس لتحريك التطرف وإثارة الانقسام وتكريس الانعزالية. كما أنها على الدوام تسبب تحدياً للاستقرار الأمني في وقت ينشط فيه التطرف.
هناك من يركب ظهر الدين لتحقيق مكاسب سياسية، وثمة آخرون يركبون ظهر العلمانية لتسويق خطابهم الشعبوي كلما تراجع رصيدهم في استطلاعات الرأي. لا هؤلاء الذين حملوا السكاكين ونادوا بالذبح يمثلون قيم الدين، ولا أولئك الذين حرّضوا على العنصرية واستحضروا خطابات الكراهية والانقسام المجتمعي وفرض العزلة على مواطنيهم من هويات مختلفة يمثلون قيم العلمانية، كلا الفريقين بحاجة للتواضع والترجل عن حصان الشعبوية الجامح.



«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
TT

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، بدولة قطر، مساء الثلاثاء، الفائزين في فئات الدورة العاشرة، وذلك خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لأمير البلاد، وشخصيات بارزة، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ونخبة من الباحثين والعاملين بمجال الترجمة.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم عربياً وعالمياً في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع، والتعددية والانفتاح.

الشيخ ثاني بن حمد لدى حضوره حفل تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كما تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب، ويبلغ مجمل قيمة الجائزة في مختلف فئاتها مليوني دولار أميركي.

وقال الدكتور حسن النعمة، أمين عام الجائزة، إنها «تساهم في تعزيز قيم إنسانية حضارةً وأدباً وعلماً وفناً، اقتداءً بأسلافنا الذي أسهموا في بناء هذه الحضارة وسطروا لنا في أسفار تاريخها أمجاداً ما زلنا نحن اليوم الأبناء نحتفل بل ونتيه مفتخرين بذلك الإسهام الحضاري العربي في التراث الإنساني العالمي».

وأشاد النعمة بالكتاب والعلماء الذين ترجموا وأسهموا في إنجاز هذه الجائزة، وبجهود القائمين عليها «الذين دأبوا على إنجاحها وإخراجها لنا في كل عام لتكون بهجة ومسرة لنا وهدية من هدايا الفكر التي نحن بها حريُّون بأن نرى عالمنا أجمل وأسعد وأبهج وأرقى».

الدكتور حسن النعمة أمين عام الجائزة (الشرق الأوسط)

من جانب آخر، أعربت المترجمة والأكاديمية، ستيفاني دوغول، في كلمة نيابة عن الضيوف وممثلة للمترجمين، عن شكرها لجهود دولة قطر وجائزة الشيخ حمد للترجمة في تكريم المترجمين والمثقفين من كل أنحاء العالم، موجهة التحية لجميع الفائزين، وللغة العربية.

يشار إلى أنه في عام 2024، توصلت الجائزة بمشاركات من 35 دولة حول العالم، تمثل أفراداً ومؤسسات معنية بالترجمة، من بينها 17 دولة عربية. وقد اختيرت اللغة الفرنسية لغة رئيسية ثانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، بينما اختيرت الهنغارية والبلوشية والتترية واليوربا في فئة اللغات القليلة الانتشار.

الفائزون بالدورة العاشرة

وفاز بالجائزة هذا العام «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية»، في المركز الثاني رانية سماره عن ترجمة كتاب «نجمة البحر» لإلياس خوري، والثالث إلياس أمْحَرار عن ترجمة كتاب «نكت المحصول في علم الأصول» لأبي بكر ابن العربي، والثالث (مكرر): ستيفاني دوغول عن ترجمة كتاب «سمّ في الهواء» لجبور دويهي.

وعن «فئة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية»، فاز بالمركز الثاني الحُسين بَنُو هاشم عن ترجمة كتاب «الإمبراطورية الخَطابية» لشاييم بيرلمان، والثاني (مكرر) محمد آيت حنا عن ترجمة كتاب «كونت مونت كريستو» لألكسندر دوما، والثالث زياد السيد محمد فروح عن ترجمة كتاب «في نظم القرآن، قراءة في نظم السور الثلاث والثلاثين الأخيرة من القرآن في ضوء منهج التحليل البلاغي» لميشيل كويبرس، والثالث (مكرر): لينا بدر عن ترجمة كتاب «صحراء» لجان ماري غوستاف لوكليزيو.

من ندوة «الترجمة من اللغة العربية وإليها... واقع وآفاق» (الشرق الأوسط)

أما (الجائزة التشجيعية)، فحصل عليها: عبد الواحد العلمي عن ترجمة كتاب «نبي الإسلام» لمحمد حميد الله. بينما فاز في «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية»، حصلت على المركز الثالث: طاهرة قطب الدين عن ترجمة كتاب «نهج البلاغة» للشريف الرضي. وذهبت الجائزة التشجيعية إلى إميلي درومستا (EMILY DRUMSTA) عن ترجمة المجموعة الشعرية «ثورة على الشمس» لنازك الملائكة.

وفي (فئة الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية) حصل على المركز الثاني مصطفى الفقي وحسام صبري عن ترجمة كتاب «دليل أكسفورد للدراسات القرآنية» من تحرير محمد عبد الحليم ومصطفى شاه، والثاني (مكرر): علاء مصري النهر عن ترجمة كتاب «صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» لستانلي لين بول.

وفي «فئة الإنجاز»، في قسم اللغة الفرنسية: (مؤسسة البراق)، و(دار الكتاب الجديد المتحدة)، و«في قسم اللغة الإنجليزية»: (مركز نهوض للدراسات والبحوث)، و(تشارلز بترورث (Charles E. Butterworth)، وفي لغة اليورُبا: شرف الدين باديبو راجي، ومشهود محمود جمبا. وفي «اللغة التترية»: جامعة قازان الإسلامية، و«في قسم اللغة البلوشية»: دار الضامران للنشر، و«في اللغة الهنغارية»: جامعة أوتفوش لوراند، وهيئة مسلمي المجر، وعبد الله عبد العاطي عبد السلام محمد النجار، ونافع معلا.

من ندوة «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة» (الشرق الأوسط)

عقدٌ من الإنجاز

وعقدت الجائزة في الذكرى العاشرة لتأسيسها ندوة ثقافية وفكرية، جمعت نخبة من أهم العاملين في مجال الترجمة والمثاقفة من اللغة العربية وإليها، تتناول الندوة في (الجلسة الأولى): «الترجمة من اللغة العربية وإليها: واقع وآفاق»، بينما تتناول (الجلسة الثانية): «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة، وكيفية تطوير هذا الدور».

وخلال مشوارها في عشر سنوات، كرّمت الجائزة مئات العاملين في الترجمة من الأفراد والمؤسسات، في نحو 50 بلداً، لتفتح بذلك آفاقاً واسعة لالتقاء الثقافات، عبر التشجيع على الاهتمام بالترجمة والتعريب، ولتصبح الأكبر عالمياً في الترجمة من اللغة العربية وإليها، حيث اهتمت بها أكثر من 40 لغة، كما بلغت القيمة الإجمالية السنوية لمجموع جوائزها مليوني دولار.

ومنذ تأسيسها، كرمت الجائزة 27 مؤسسة ودار نشر من المؤسسات التي لها دور مهم في الترجمة، و157 مترجماً و30 مترجمة، حيث فاز كثيرون من مختلف اللغات الحية عبر العالم. حتى اللغات التي يتحدث بها بضعة ملايين بلغتها الجائزة وكرمت رواد الترجمة فيها من العربية وإليها. أما اللغات الكبرى في العالم فكان لها نصيب وافر من التكريم، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألانية والصينية والكورية واليابانية والتركية والفارسية والروسية.

وشملت الجائزة كذلك ميادين القواميس والمعاجم والجوائز التشجيعية للمترجمين الشباب وللمؤسسات الناشئة ذات الجهد الترجمي، وغطت مجالات الترجمة شتى التخصصات الإنسانية كاللغوية والتاريخية والدينية والأدبية والاجتماعية والجغرافية.

وتتوزع فئاتها على فئتين: «الكتب المفردة»، و«الإنجاز»، تختص الأولى بالترجمات الفردية، سواء من اللغة العربية أو إليها، وذلك ضمن اللغات الرئيسية المنصوص عليها في هذه الفئة. وتقبل الترشيحات من قبل المترشح نفسه، ويمكن أيضاً ترشيح الترجمات من قبل الأفراد أو المؤسسات.

أما الثانية فتختص بتكريم الجهود الطويلة الأمد المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها، في عدة لغات مختارة كل عام، وتُمنح الجائزة بناء على عدد من الأعمال المنجزة والمساهمة في إثراء التواصل الثقافي والمعرفي.