مفهوم الإعاقة الجسدية وما يتأتى عنه من نتائج يمكن أن تؤثر سلباً على صاحبها، قلبه الممثل مازن معضّم رأساً على عقب خلال تجسيده دور هاني في مسلسل «من الآخر». فهو يبرز إمكانية تخطي أصحاب الإعاقة حالاتهم ولعب دور مهم في محيطهم؛ رغم كل شيء. هو مقعد يجلس على كرسي متحرك، طيلة حلقات العمل، مستخدماً أدوات تمثيلية غير مألوفة ليستطيع إيصال أحاسيسه إلى المشاهد بوضوح. وخلافاً للأدوار الأخرى التي سبق أن قدمها في مشواره الفني، لا نراه ممثلاً يقف منتصباً أو يمشي بثبات كعادته. من خلال احترافه التمثيل؛ عرف معضّم كيف يجذب المشاهد نحوه ويأخذه إلى الحالة التي يعيشها من دون مبالغة أو ضعف في الأداء، فنجح في مسلسل «من الآخر» وتفاعل معه متابعو العمل المشتاقون لتمثيله، سيما أنه يغيب عن الشاشة منذ فترة طويلة.
يقول مازن معضّم في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لم أستطع مقاومة هذا الدور للثراء الذي يتمتع به من نواح عدة. فهو؛ إضافة إلى أنه يحمل رسالة إنسانية، في الوقت نفسه يدخلنا إلى عالم الإعاقة من باب مغاير. فيبرز القدرات الهائلة التي يمكن أن يتمتع بها هؤلاء، كما يعرّفنا إلى لحظات ضعف وقوة تعتري طريق حياتهم كغيرهم من الناس الطبيعيين».
لم يتمرّن مازن معضّم على استخدام الكرسي المتحرك؛ فهو ما إن جلس عليه في أول مشهد له معه حتى لبس الدور وغاص في حناياه لا شعورياً. ويعلّق: «الدور مليء بتحديات كثيرة، وكان تنقلي على الكرسي المتحرك أحدها. عشت الدور بكل جوارحي؛ سكنني وأغرمت بخطوطه وتفاصيله، سيما أنه يرتكز على شخصية فنان أصيب بالشلل. فأديته بحبّ، وواجهت مصاعبه بصلابة، كي لا يفقد أياً من عناصره الجذابة. ولا يمكنني أن أنسى التعاون الكبير الذي أبداه مخرج العمل شارل شلالا تجاهي بحيث كنا نتشاور بشكل مستمر، وهو ما انعكس إيجاباً على أدائي».
ويعترف معضّم بأنه لطالما كان يستخدم حركات عينيه ونظراته لبلورة أدواره وإتقانها على أكمل وجه. وفي «من الآخر» وجد في طريقته هذه عنصراً أساسياً لإيصال مشاعره للمشاهد. ويقول في سياق حديثه: «كان من الضروري أن أجد طريقاً يوصلني إلى متابعي ويوضح له أحاسيسي كوني مقعداً. فلجأت إلى لغة العيون من ناحية؛ ولغة الجسد من ناحية ثانية، سيما أن الفنان عامة يتمتع بإحساس مرهف. فأنا لم أدخل الأكاديميات ولا الجامعات من أجل صقل موهبتي وتطويرها، ولا حتى عملت في مجال المسرح. كل ما ترونه اليوم هو نتيجة جهد شخصي وتراكم خبرات خزنتها في ذاكرتي الفنية والإنسانية».
وعمّا إذا كان دوره ضمن عمل مختلط يجد فيه فرصة مختلفة؛ يرد: «سبق أن قدمت بطولات درامية كثيرة، وكنت أطمح للمشاركة في عمل عربي. وعندما جاءتني الفرصة في (من الآخر)، فلم أتردد، خصوصاً أني أتعاون فيها مع شركة إنتاج رائدة (الصباح إخوان) ومع فريق عمل محترف».
يعدّ مازن معضّم من أبطال الشاشة اللبنانية المشهورين، ولكن هل يرى أن الساحة ينقصها زملاء له في هذا المجال؟ يرد: «العكس هو الصحيح؛ فهناك قدرات تمثيلية عالية تتمتع بها الساحة التمثيلية في لبنان، خصوصاً بالنسبة للنجوم الذكور. كل ما في الأمر هو أن إنتاجاتنا الدرامية محدودة ولا تتيح لكثيرين المشاركة فيها. وما نعاني منه أيضاً هو أن بعض المنتجين يكررون الأسماء نفسها في أعمالهم الدرامية. ولذلك المطلوب اليوم أن تعيد تلك الشركات حساباتها وأن تتدخل على خط آخر القنوات التلفزيونية لاقتراح أسماء أخرى، مما يولّد مساحات وفرصاً أكبر للمشاركة أمام نجوم الشاشة».
ولماذا برأيك لم يستطع بعد النجم اللبناني أن يحمل بطولة كاملة في عمل مختلط؟ يوضح معضّم: «الأمر يعود إلى شركات الإنتاج. وعندما طلبت مني المشاركة في (من الآخر) تشاورت مع زميلي الذي أحترمه كثيراً بديع أبو شقرا، وهو مشارك في العمل، ووجدنا أنه من الضروري دخول أعمال مشتركة في بطولات جماعية. فطموحات وقدرات الممثل اللبناني كبيرة، وعلينا أن نتلمس الطريق الصحيحة لإيصالها وإبرازها للطرف الآخر. واللافت أن العنصر اللبناني يطغى على هذه الدراما من خلال أسماء كبيرة وكثيرة، مثل ريتا حايك ورلى حمادة وعصام الأشقر وسينتيا صموئيل وإلياس الزايك وفؤاد يمين... وغيرهم. فالفرصة كانت سانحة للتعاون، والمطلوب أن نغتنمها من باب الطموح. فهناك مع الأسف أسماء كثيرة حاولت ونجحت ثم اختفت، وأخرى فشلت وأكملت، ولا أجوبة واضحة عن هذه المشهدية المتباينة».
راهن معضّم على نجاح الدور الذي يؤديه في «من الآخر» وجاء تفاعل الناس معه عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليؤكد توقعه... «في الحقيقة فرحت بالأصداء الجيدة التي أتلقاها من هنا وهناك؛ إنْ في لبنان وإنْ في خارجه. وأحرص يومياً على متابعة المسلسل لأستمتع بأداء المجموعة المشاركة فيه من ناحية؛ وأقف على طبيعة أدائي من ناحية ثانية». وهل تتابع أعمالاً درامية أخرى؟ يقول: «في الحقيقة متابعتي مسلسلي تحول دون ذلك؛ إذ إن جميع الأعمال تعرض في أوقات متوازية. ولكني أطل على بعض منها عبر تطبيقات ومواقع إلكترونية لأكون على معرفة بجديد الساحة بين وقت وآخر». وعمّا إذا كانت التطبيقات الإلكترونية ستسهم في تراجع الأعمال التلفزيونية؛ يوضح: «لا يزال الوقت لصالحنا حتى الساعة؛ إذ إن الأصداء التي تصل إلى الممثل عبر العروض التلفزيونية يتفاعل معها بشكل أكبر. فهي تشمل فئات اجتماعية مختلفة غير محدودة، وليس كما في عروض التطبيقات الإلكترونية».
وعمّا ينقص الساحة الدرامية اليوم؛ يقول: «أعتقد أن نجاح (من الآخر) ينبع من تناوله قصصاً من واقعنا الحياتي. والمطلوب الإكثار من هذه الموضوعات التي تحاكي مجتمعاتنا مباشرة فتعكس مشكلاتنا. ولا أحبّذ انتشار مسلسلات مقتبسة أو منسوخة ولا تشبهنا».
وهل حاولت مرة ممارسة التأليف الدرامي؟ يجيب مازن معضّم: «نعم جرّبت القيام بهذه المهمة، ولكني لم أفلح فيها للصعوبات التي تعتريها. فالكتابة ليست بالأمر السهل بتاتاً، ولذلك لها أربابها. وعيني في المستقبل على ممارسة الإخراج، ولكن في الوقت المناسب، وبعد أن أكون قد مارست خبرات أكبر وأوسع في مجال التمثيل. وأتمنى قريباً أن أقدم عملاً تمثيلياً مفتوحاً على أسواق عربية؛ كمصر والخليج العربي. وهناك شيء ما يدور في الأجواء حول هذا الموضوع، وأنتظر اكتمال عناصره لأعلن عنه».
مازن معضّم: المطلوب تدخل محطات التلفزة في اختيارات نجوم العمل
يُبرز في «من الآخر» مفهوم الإعاقة الجسدية بأسلوب إيجابي
مازن معضّم: المطلوب تدخل محطات التلفزة في اختيارات نجوم العمل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة