«مرحباً بكم في لوتن حيث يقوم الناس بتعاطي المخدرات في الأزقة«... هكذا قال الفنان البريطاني دومينيك آلان في ظهيرة أحد الأيام مؤخراً أثناء مروره بجانب اثنين من متعاطي المخدرات في حي متهدم كان مشهوراً سابقاً بصناعة القبعات في هذه البلدة البريطانية.
وقد كانت بلدة لوتن، التي تقع على بُعد نحو 30 ميلاً شمال لندن، مشهورة بصناعة القبعات، لكن تم إغلاق هذه المصانع منذ فترة طويلة، كما تضررت أبرز الأماكن الحالية فيها: مصنع للسيارات ومطار بشدة من جائحة فيروس كورونا المستجد، وفي 2004 تم اختيار هذه البلدة باعتبارها أسوأ مكان للعيش فيه في بريطانيا، وذلك وفقاً لمسح غير علمي، لكنه حظي باهتمام إعلامي كبير.
ومع ذلك، فإن مثل هذه البلدات هي بالضبط نوع الأماكن التي ينجذب إليها الفنانون المعاصرون المفلسون في السنوات الأخيرة، حيث أجبرتهم الإيجارات الباهظة على مغادرة لندن والانتقال للعيش فيها.
والآن، بات الوباء يدفع إلى ما يمكن تسميته نزوحاً جماعياً أوسع من العاصمة البريطانية؛ مما أدى إلى ارتفاع قيم العقارات في المناطق النائية، حيث أدت أشهر من العمل عن بُعد إلى جعل سكان المدن يعيدون تقييم أولوياتهم السكنية، ومثل الكثير من العاملين في المكاتب، فإن الفنانين المعاصرين أمثال آلان، الذي يصنع الفن مستخدما لقب «دومينيك من لوتن«، يجدون أيضاً أنهم لم يعودوا في حاجة إلى العيش في مدينة كبيرة.
ولا يقوم آلان بعرض أعماله الفنية في معارض لندن لكن موقعه على الإنترنت قد ساعده في جذب الجماهير، كما أنه يعد أيضاً من بين آلاف الفنانين الذين يقوموا ببيع أعمالهم عبر الإنترنت من خلال تطبيق «إنستغرام«.
ويقول آلان «يمكن تحقيق كل شيء تقريباً عبر الإنترنت، فقط كل ما تحتاج إليه هو جهاز كومبيوتر محمول وهاتف ذكي جيد بشكل معقول«. وقد نتج مما يسميه آلان «النزوح« ظهور فن معاصر مشبع بإحساس جديد بالمكان.
وفي 2016، ترك آلان لندن لمدة 6 أشهر وذهب إلى منزل والديه في الضواحي في لوتن، وقام بتحويل المنزل إلى مساحة لإقامة مشروع لعقد ورش العمل والمحادثات للفنانين، ولا يزال تمثال مصغر للفنان مارتن كريد الحائز جائزة تيرنر (مصنوع من الطوب الذي اختارته والدة آلان) موجوداً في الحديقة الأمامية للمنزل بجانب بعض التماثيل الأخرى.
ويقول آلان، الذي يقسّم وقته الآن بين لندن ولوتن، إنه حاول مؤخراً استئجار استوديو في البلدة، لكنه لم يستطع تحمل الإيجار الشهري البالغ 700 جنيه إسترليني، أو نحو 900 دولار، ويقع الاستديو داخل مصنع قبعات قديم تم تجديده، وأضاف «لم يعد باستطاعتي تحمل فارق الأسعار، ولكنني أسعى للحصول على تمويل حكومي لإعادة استخدام مرآب والدي«.
وفي جميع أنحاء العالم، أدت القيود المفروضة على السفر بسبب جائحة كورونا إلى وقف المعارض الدولية والأحداث التي تتم إقامتها كل سنتين، وتراجعت الإيرادات في المعارض التجارية ودور المزادات في المدن الكبرى، لكن الفنانين في البلدات والضواحي ما زالوا يواصلون أعمالهم بهدوء.
وتقول صوفي باربر، وهي رسامة بريطانية تبلغ من العمر 24 عاماً «في لندن، يشعر الناس بالقلق الشديد بشأن دفع الإيجارات، ولا يمكنهم تحمل تكلفة الوجبات الصينية«، وذلك في مقابلة معها من داخل الاستوديو الواسع الذي تستأجره مقابل 560 جنيهاً إسترلينياً شهرياً في منطقة صناعية على حافة بلدة هاستينغز الساحلية، والتي تقع على بُعد 70 ميلاً جنوب شرقي لندن. وتقوم باربر حالياً بعمل لوحات ضخمة على القماش الخشن تصور فيها خيام السيرك والكبائن التي يستخدمها مراقبو الطيور؛ وذلك للعرض في مركز جولدسميثز للفن المعاصر في لندن، وقد تم بيع هذه اللوحات لهواة جمع مثل هذه الأعمال من خلال ممثلتها في لندن، لورا بارتليت، مقابل 8 إلى 16 ألف جنيه إسترليني.
وقد تم تصنيف هاستينغز مؤخراً بمزيجها السيئ من المنازل الفخمة، لكن غير المنظمة التي تعود إلى القرن التاسع عشر، وأماكن الترفيه التي تعود للسبعينات على الواجهة البحرية، ووسائل النقل الضعيفة وفرص العمل المحدودة، على أنها المدينة الأكثر حرماناً في جنوب إنجلترا، وذلك من قبل وزارة الإسكان البريطانية، لكن التميز والقدرة على تحمل التكاليف كانا موضع تقدير من قبل الفنانين منذ فترة طويلة في هذه البلدة.
وقد جذبت هذه النزعة الفنية سكان لندن المهاجرين للبلدة، وزاد متوسط أسعار المنازل بها بنحو 30 في المائة منذ 2015، والآن تسارعت عملية تطوير المنازل بسبب الوباء؛ وذلك وفقاً لمديرة مهرجان الفنون الساحلية المحلي تينا موريس.
* خدمة «نيويورك تايمز»
الفنانون يهجرون لندن إلى المدن الصغيرة والضواحي
الفنانون يهجرون لندن إلى المدن الصغيرة والضواحي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة