«ثانوية طيبة» من الأصالة إلى العالمية.. رحلة عمرها 75 عاما

فيصل بن سلمان ناقش مع رئيس مجلس أمناء الخريجين احتفالات اليوبيل الماسي

الأمير فيصل بن سلمان أثناء اجتماعه مع مجلس أمناء الخريجين
الأمير فيصل بن سلمان أثناء اجتماعه مع مجلس أمناء الخريجين
TT

«ثانوية طيبة» من الأصالة إلى العالمية.. رحلة عمرها 75 عاما

الأمير فيصل بن سلمان أثناء اجتماعه مع مجلس أمناء الخريجين
الأمير فيصل بن سلمان أثناء اجتماعه مع مجلس أمناء الخريجين

«ثانوية طيبة»، أحد أهم صروح العلم ومن أولها في السعودية، حيث افتتحت يوم 12 من شهر ذي القعدة من عام 1362هـ (1942م) في المدينة المنورة، وكانت وقتها ثاني أكبر صرح علمي في البلاد بعد «مدرسة تحضير البعثات» بمكة المكرمة، التي كانت تعد خريجيها للدراسة في الخارج.
وشهدت منطقة المدينة المنورة في عام 1942 افتتاح «ثانوية طيبة»، أشهر مدرسة بالمنطقة، التي تخرج فيها الوزراء والوجهاء والعلماء والمفكرون، وهي أحد أهم معاقل العلم والمعرفة بالمدينة المنورة، وتخرجت فيها أجيال فذة من أبناء طيبة الطيبة، الذين حظوا بشرف الريادة والمكانة العلمية الرفيعة في الفقه والأدب والعلوم المختلفة.
وجاء افتتاح مدرسة ثانوية بالمدينة المنورة بعد «مدرسة تحضير البعثات» على مستوى المملكة، برهانا عمليا على اهتمام موحد الجزيرة العربية الملك عبد العزيز بالعلم والمعرفة وتهيئة أبناء البلاد تجاه نهضة بلادهم ورقيها وتقدمها، وإيمانه بما للعلم من أهمية ومكانة، كما أن موافقته على افتتاح ثاني ثانوية بالبلاد بمدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم، دليل على اهتمامه بطيبة الطيبة، وما لها من دور فاعل في الريادة والقيادة.
ولم تتوانَ الحكومة السعودية وولاة الأمر في البلاد عن تطوير التعليم والرقي به في طيبة وفي غيرها من مدارس المملكة كافة.
وفي إطار الاستعداد للاحتفال بمرور 75 عاما على تأسيس «ثانوية طيبة» بالمدينة المنورة، ووضع حجر الأساس لمدرسة «طيبة العالمية»، استقبل الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة المدينة المنورة - أخيرا - الدكتور أحمد محمد علي رئيس البنك الإسلامي للتنمية رئيس مجلس أمناء «جمعية خريجي ثانوية طيبة»، والوفد المرافق له، وناقش معهم أمير منطقة المدينة المنورة، خلال استقبالهم في قصر سلطانة، الاستعداد للاحتفال الماسي لـ«ثانوية طيبة»، وأهم الاستعدادات لإطلاق «مدارس طيبة العالمية»، التي تهيئ أبناءها للالتحاق بالجامعات العالمية وفق منهج علمي مدروس.
وشكر الدكتور أحمد محمد علي، باسمه وباسم «جمعية خريجي ثانوية طيبة»، الأمير فيصل بن سلمان، أمير منطقة المدينة المنورة، على الرعاية والدعم لمؤسسات التربية والتعليم بالمنطقة ومبادراته للارتقاء بهذا القطاع، من خلال محاكاة التجارب العالمية الرائدة.
يذكر أن أول مبنى لـ«ثانوية طيبة» كان مستأجرا بباب المجيدي، بأجرة قدرها 60 ريالا لأشهر شوال وذي القعدة وذي الحجة من عام 1362هـ، وتشكلت أسرة المدرسة من المدير و5 معلمين ومستخدم، وتم تجهيز سبورتين ومقاعد مستعارة من مدرسة «النجاح»، ومكتب للمدير تبرع به أحمد بوشناق.
ومن أشهر خريجي المدرسة، المستشار بالديون الملكي علي بن حسن الشاعر وزير الإعلام السعودي سابقا، والدكتور أحمد بن محمد علي رئيس البنك الإسلامي للتنمية، ووزير الخدمة المدنية السابق محمد بن علي الفايز، والدكتور ناصر بن محمد السلوم وزير المواصلات السابق، والدكتور نزار بن عبيد مدني وزير الدولة للشؤون الخارجية، وإياد بن أمين مدني رئيس منظمة التعاون الإسلامي الذي تولى سابقا حقيبتي الحج والإعلام، والدكتور هاشم بن عبد الله يماني وزير الصناعة والكهرباء السابق ورئيس مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة حاليا، وأسامة بن جعفر فقيه رئيس ديوان المراقبة العامة الذي ترأس البنك الإسلامي للتنمية، كما تولى سابقا حقيبة التجارة والصناعة، والمهندس محمد بن جميل ملا وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السابق، والدكتور جبارة بن عيد الصريصري وزير النقل السابق، والدكتور بندر بن محمد حجار وزير الحج.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)