الحوثيون.. الطموحات «السياسية» أكبر من الإمكانات

العراقي طارق نجم عبد الله درس في صنعاء وأصبح لاحقا كبير مستشاري نوري المالكي

الحوثيون.. الطموحات «السياسية» أكبر من الإمكانات
TT

الحوثيون.. الطموحات «السياسية» أكبر من الإمكانات

الحوثيون.. الطموحات «السياسية» أكبر من الإمكانات

شهد اليمن هذا الأسبوع العديد من الحوادث التي ارتبطت بتوسع الحوثيين وإحكام قبضتهم على عدد من أهم المدن والمحافظات اليمنية. فمن هم الحوثيون، وإلى أي مدى يمكن مقارنة تطورهم السياسي بـ«حزب الله» اللبناني؟

نجحت يوم الجمعة الماضي مجموعة من القبائل المعارضة للمُتمردين «الحوثيين» في السيطرة على عدد من الدبابات والعربات المدرعة، إثر اشتباكات اندلعت مساء الخميس في شرق مدينة «مأرب» بينهم وبين قوات الجيش، وذلك بعد أن اشتبهوا في أن عناصر الجيش كانوا متوجهين للانضمام إلى جماعة الحوثيين الذين يحتشدون منذ أسابيع على تخوم «مأرب» شمال شرقي البلاد. حادثة أخرى وقعت الأسبوع الماضي، عندما فجر انتحاري نفسه في وسط مدينة «إب»، مما أدى إلى وقوع ما لا يقل عن 33 قتيلا ونحو 50 جريحا في انفجار استهدف مركزا ثقافيا للحوثيين.
تأتي هذه الحوادث المتزايدة في أعقاب توسع سيطرة الحوثيين، وهم مجموعة مسلحة «زيدية» اجتاحت العاصمة اليمنية صنعاء في وقت سابق من هذا العام ونجحت في إحكام قبضتها على أجزاء مختلفة من البلاد.
«يُعد الحوثيون من اتباع المذهب الزيدي في اليمن، وهم أقرب إلى السنة من الشيعة»، وفق الخبير اليمني الدكتور محمد جميح الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط» من لندن.
واليمنيون هم بغالبيتهم الساحقة من المسلمين، وينتمون إما للمذهب السني أو الشيعي الزيدي. وعلى الرغم من أن المسلمين السنة يشكلون الأكثرية في البلاد، فقد تمكن الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، الذي يتحدر من أصل زيدي، من البقاء في سدة الحكم لأكثر من 30 عاما حتى الانقلاب عليه في عام 2011.
يشرح الدكتور جميح أن «الزيدية هي فرع من المذهب الشيعي، إنما تختلف عن التيار الشيعي الاثني عشري المعروف بعقيدة الإمامة والموجود بشكل رئيسي في إيران، فالزيديون يوافقون على الصحابة»، على حد قوله.
ومع ذلك، أدت الظروف السياسية الحديثة في اليمن إلى انقسامات في المجتمع الزيدي، ودفعت ببعض الحوثيين إلى التقرب من شيعة إيران أكثر منهم من الزيديين. «فالحوثيون يتبعون المذهب الزيدي ويرتبطون بإيران»، كما يقول الدكتور جميح. وعليه، تلاقت الطموحات السياسية لحسين الحوثي، زعيم حركة الحوثيين في اليمن، مع مصالح إيران في المنطقة، وبات حسين الحوثي أقرب إلى شيعة إيران، وبدَّل تحالفاته ومواقفه الدينية لتتماشى مع المصالح السياسية للدولة الفارسية.
ويضيف الدكتور جميح أنه «بعد حرب الخليج والاجتياح العراقي للكويت، غادر آلاف العراقيين واتجه منهم إلى اليمن مثل طارق نجم عبد الله (الذي درس في جامعة صنعاء وبات لاحقا كبير مستشاري رئيس الوزراء نوري المالكي)، الذي تعاون مع السفارة الإيرانية لتأسيس تنظيم (شباب المؤمنين)، أو كما بات يعرف لاحقا بـ(أنصار الله)».
ارتبط «تنظيم شباب المؤمنين» بحسين الحوثي، الذي كان عضوا في البرلمان اليمني قبل الحركة الانفصالية التي اندلعت في البلاد عام 1994. وحتى ذلك الوقت، كان حسين الحوثي عضوا في «حزب الحق»، الممثل الرئيسي للمذهب الزيدي في البلاد. إلا أنه أثناء الحركة الانفصالية، أعلن «حزب الحق» تأييده «للحزب الاشتراكي اليمني» في مواجهة «حزب المؤتمر الشعبي العام» بقيادة الرئيس علي عبد الله صالح الحاكم حينها. أدى هذا الأمر إلى فرار حسين الحوثي إلى سوريا وإيران حيث تشرب الفكر الإيراني. عندما عاد إلى اليمن في أواخر التسعينات انشق عن «حزب الحق» وأسس ما عرف بتنظيم «شباب المؤمنين». وعلى غرار «حزب الله»، استوحى الحزب الجديد عقائده من الثورة الإيرانية وأنشأ مخيمات لقن فيها الأطفال الفكر الثوري. كما عمد الحوثي وأتباعه، معتمدين أسلوب «حزب الله»، إلى جمع الزكاة وتأسيس الجمعيات الخيرية، وارتكزوا في آيديولوجيتهم على معاداة الولايات المتحدة وإسرائيل وأحيانا اليهود. وبين عامي 2004 و2010، أدى القبض على الحوثي إلى عديد من المواجهات بين الحكومة وأتباعه.
غير أن مطالبات الحوثيين لم تكن كلها سياسية. فحين أدت ثورة 1962 إلى إلغاء «الإمامة الشمالية»، وقعت المنطقة التي يسكنها الزيديون ضحية تهميش سياسي واقتصادي منهجي. فوفقا للبنك الدولي، يعد اليمن واحدا من أفقر البلدان في العالم العربي، وقد ارتفع معدل الفقر فيه إلى 54.5 في المائة في عام 2012، وهو من أكثر دول العالم تأثرا بانعدام الأمن الغذائي مع وجود 45 في المائة من السكان فيها يعانون انعدام الأمن الغذائي وشح الموارد المائية التي تتدنى عن المتوسط الإقليمي.
استفاد الحوثيون من التهميش الاجتماعي هذا لتوسيع حركتهم السياسية. والمسيرة التي توجهوا فيها إلى صنعاء هذا العام تزعمها مقاتلون استغلوا السخط الشعبي إزاء الفساد ورفع الدعم عن الوقود، والانقسامات داخل الجيش اليمني الذي سرعان ما اختفى عن ساحة المواجهات في اللحظة الحاسمة سامحا بتقدمهم داخل العاصمة صنعاء. فضلا عن ذلك، عارضت جماعة الحوثيين بشدة إحدى أبرز توصيات «مؤتمر الحوار الوطني» في فبراير (شباط) الهادفة إلى تحويل اليمن إلى دولة فيدرالية من ست مناطق، وهو ما من شأنه أن يربط محافظة صعدة، معقل الحوثيين، بالعاصمة صنعاء.
يقول الدكتور جميح إن الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح سهل من خلال علاقاته في الجيش تقدم الحوثيين إلى صنعاء.. «فقد أراد أن ينتقم (من الانقلاب ضده) وتحالف مع الحوثيين لكي يقاتلوا في صنعاء، وسمحت قيادة الجيش المقربة من صالح بتمدد للحوثيين؛ بالتالي، نستطيع أن نقول إن صالح اخترق الحوثيين كما سبق لهم أن اخترقوه».
ووفقا لتقرير صادر عن جيمس براندون، من مؤسسة «جيمس تاون»، نجحت حركة الحوثيين أيضا في تعزيز قوتها بشكل كبير «بعد أن تمكنت من الحصول على جزء من مطالبها من الحكومة ودمج بعض من قواتها مع الجيش الوطني. ففي 24 نوفمبر (تشرين الثاني)، صرح وزير الدفاع اليمني، محمود الصبيحي، بأن عملية الدمج ستجري على النحو المنصوص عليه في اتفاق الشراكة الوطنية والسلام التي وقعت في 21 سبتمبر (أيلول) بين الحوثيين والحكومة»، وفقا للتقرير.
ويشير جميح إلى أنهم «باتوا يشكلون اليوم دولة داخل دولة. فإيران تمكنت من إنتاج (حزب لله)، كما تمكنت من إنشاء (أنصار الله)، غير أن الحوثيين نجحوا في التهام الدولة أسرع من (حزب الله)، والدليل على ذلك أن أي قرار يصدره الرئيس اليمني الجديد عبد ربه منصور هادي يعود ويتراجع عنه إذا رفضه الحوثيون. كما أن الوضع اليمني يوازي وضع لبنان حتى لو بقي الحوثيون أضعف من (حزب الله)، ومن الصعب أن يحكموا البلاد. ولا شك أن السلطة الهشة في البلاد تسمح لهم بالتمدد مستغلين هيكلية السلطة الواهنة للسيطرة على الأطراف»، وفق جميح.
وفي السياق نفسه، يسلط تقرير صادر عن مؤسسة كارنيغي الضوء على العلاقة بين الحوثيين و«حزب الله»، حيث يشير الباحث فارع المسلمي إلى أن «الحوثيين يحاولون الاستفادة من تجارب (حزب الله)، فتبثّ قناة (المسيرة) اليمنية من الضاحية في بيروت بدعم فني من الحزب. ومؤخرا، تعمّقت علاقات الطرفين، توازيا مع تكرار اتّهامات الدولة اليمنيّة لإيران بدعم الحوثيين، ووضع أميركا لقائمة عقوبات جديدة ضدّ لبنانيّين في أغسطس (آب) 2013 قالت إنهم صرفوا أموالا للحوثيين في اليمن. ولا ينكر الحوثيون عادة هذا الرّابط القوي مع (حزب الله)، ويعزّز ذلك من الاعتقاد بوجود قواسم بين الطرفين كوقوفهما في التّحالف الإقليمي نفسه (طهران) على الصعيد السياسي. كما أنهما في الوقت نفسه لهما ميليشيات مسلحة تساند موقفهما السياسي وتفرضه حينما يلزم الأمر، إلا أن الميليشيات بالنسبة إلى الحوثيين هي الأداة الأبرز هذا إن لم تكن الحصرية - لا الاستثنائيّة - كما هي بالنّسبة إلى (حزب الله)».
وعلى صعيد متصل، أشار تقرير صدر مؤخرا عن «رويترز» إلى تحالف بين الحوثيين وإيران وحزب الله. وذكرت وكالة الأنباء أن الجيش الإيراني قدم الدعم المالي للحوثيين قبل وبعد سيطرتهم على صنعاء في 21 سبتمبر (أيلول)، كما قدمت إيران للحوثيين أموالا نقدية تم توجيهها عبر «حزب الله»، وعمد الحزب اللبناني إلى تدريب المقاتلين الحوثيين. ووفقا لـ«رويترز»، يتولى «بضع مئات» من عناصر الحرس الثوري الإيراني تدريب المقاتلين الحوثيين في اليمن.
مع ذلك، لا يعتقد جميح أن نجاحات الحوثيين هي واضحة المعالم بعد. «فالرئيس علي عبد الله صالح لا يزال قويا، وإذا قرر يوما تشجيع الحرب ضد الحوثيين فستتبعه القبائل. كما أن الحوثيين لم يتوسعوا لأنهم أقوياء بل لأن خصومهم كانوا منشغلين بالاقتتال الداخلي في ما بينهم، فقد استغلوا الصراع بين هادي وصالح، والصراع بين الجنوب والشمال، وبين (الإخوان) و(المؤتمر الشعبي)، وبين القبائل ليُحكموا قبضتهم، أضف إلى ذلك تقليص الدعم السعودي للقبائل»، وفق جميح.
* باحثة زائرة في مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.