«كتاب بيروت»... وجع الأطفال بسبب انفجار المرفأ مترجماً بريشتهم

يتضمن 180 لوحة رسمها ونفّذها أولاد بيروت

يقدم «كتاب بيروت» نحو 180 لوحة بريشة أطفال متضررين من الانفجار
يقدم «كتاب بيروت» نحو 180 لوحة بريشة أطفال متضررين من الانفجار
TT

«كتاب بيروت»... وجع الأطفال بسبب انفجار المرفأ مترجماً بريشتهم

يقدم «كتاب بيروت» نحو 180 لوحة بريشة أطفال متضررين من الانفجار
يقدم «كتاب بيروت» نحو 180 لوحة بريشة أطفال متضررين من الانفجار

لم يمرّ انفجار بيروت في 4 أغسطس (آب) الماضي مرور الكرام على الأطفال الذين عايشوا تلك اللحظة. وكغيرهم من اللبنانيين طالهم هوله نفسياً وجسدياً وحفر لا شعورياً في ذاكرتهم ندوباً أثّرت سلباً عليهم.
وفي تحية لهؤلاء الأولاد الذين تعالوا على جراحهم، وأكملوا حياتهم متسلحين بالأمل والتفاؤل رغم كل شيء، انطلقت مبادرة فنية بعنوان «كتاب بيروت». تهدف إلى إصدار مجلّد يحتوي على نحو 180 لوحة فنية رسمها ونفّذها أولاد بيروت المتضررين من الانفجار. وستتحول هذه الرسوم في الوقت نفسه إلى بطاقات بريدية تحمل بصمة الأطفال من أعمار مختلفة مرفقة برسالة صغيرة من القلب يتوجهون بها إلى العالم.
ويرسم المشاركون في هذه المبادرة لوحاتهم ضمن ورشات عمل تقام لهذه الغاية، تنظمها رولا يوسف صاحبة دار نشر «إيزنيس» الخاصة بإصدارات الأطفال. اجتمع في الورشة الأولى عدد من أولاد بيروت في حديقة قصر سرسق في الأشرفية. وشارك فيها نحو 30 طفلاً رافقهم أهلهم الذين كانوا على تماس مباشر مع اختصاصيين نفسيين ليجيبوا عن هواجسهم وأسئلتهم حول تأثر أولادهم بهذا الانفجار.
وتقول صاحبة الفكرة رولا يوسف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أردت من خلال هذه المبادرة أن أستحدث بقعة أمل للأطفال المتضررين من الانفجار انطلاقاً من معاناتي الشخصية. فأنا أيضاً عانيت من الحرب اللبنانية التي تركت أثارها السلبية عليّ. ولكن الاهتمام بأطفال لبنان في تلك الآونة بشكل أو بآخر، وضمن ورشات فنية أو ما يشابهها كانت غائبة تماماً».
وتتابع يوسف في معرض حديثها: «بصفتي متخصصة في الفنون ارتأيت استخدام تخصصي هذا لمدّ يد العون لأبناء بيروت. فالكثير من هؤلاء الأولاد غلبتهم الكارثة وأثرت على طريقة تعبيرهم، فغرقوا في أحزانهم. ومع فن الرسم سيتمكنون من إخراج هذه الطاقة السلبية التي تسكنهم في أعماقهم كلّ على طريقته، فيتحررون منها».
وتتألف المبادرة من 5 ورشات عمل جرى منها اثنان حتى الآن، على أمل تنفيذ الجلسات المتبقة في 6 و7 و8 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ودائماً في حديقة قصر سرسق في الأشرفية. وتوضح سيرين يوسف المديرة المسؤولة والمشرفة على المشروع وشقيقة رولا صاحبة الفكرة: «لقد لمسنا تجاوباً وتفاعلاً كبيراً من قِبَل الأطفال المشاركين في ورش العمل. كما أنّنا عملنا على وضع خطة عمل تسهم في تعليمهم كيفية التخلّص من آثار الانفجار على حالتهم النفسية». وتتابع في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «هناك صعوبة كبيرة تواجه الأطفال الحزينين للتعبير عن وجعهم وآلامهم. ولكن وبواسطة الرّسم ولا شعورياً تخرج همومهم على الورق فيشعرون بالراحة. ولقد طلبنا منهم في المراحل الأولى من الورش أن يرسموا ما يخطر على بالهم من انفجار المرفأ. بينهم من رسم بالأبيض والأسود لوحات حزينة بحيث تغطي بيروت غيمة سوداء كبيرة. فيما رسم آخرون زهورهم الذابلة وبنايات سكنهم المحطمة ووجوه بعض جيرانهم المدمّمة. ومن ثم طلبنا منهم أن يعبروا بطريقتهم كيف يرون بيروت الغد. وتفاجأنا بأفكارهم المتفائلة حول هذا الموضوع. فهم أعادوا رسم بيروت الحلوة بأزقتها ومقاهيها وأسواقها. فانتقلوا من مرحلة الحزن إلى أخرى مشبعة بالأمل بمجرّد إمساكهم ريشتهم، متحمسين لنقل أحلامهم بالألوان حول بيروت الجميلة».
وعن فكرة تحويل هذه الرسوم إلى بطاقات بريدية تشرح سيرين يوسف: «مع الأسف يجهل هؤلاء الأولاد تماماً هذا النوع من البطاقات التي كانت بالنسبة لجيلنا تشكّل وقفة فنية نستمتع بتفحصها. فقررنا أن نعيد للبطاقة البريدية دورها السياحي والإعلامي والتثقيفي. وكل لوحة يرسمونها ستندرج في (كتاب بيروت) بشكل تسمح لمتصفحه بقراءة ما هو مكتوب وراء كل صورة تماماً كما هي العادة في الـ(كارت بوستال)».
وعند ختام الورش سيجري توقيع «كتاب بيروت» في حفل خاص بحيث يعود ريع هذا المجلّد على الأطفال المتضررين من انفجار بيروت ليساعدهم على تجاوز حالات نفسية مضطربة. كما ستسمح المبالغ المحصودة من بيع هذا الكتاب في مساعدة قسم من الأولاد الذين لا إمكانيات مادية لديهم لمتابعة تعليمهم الدراسي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».