السويد.. تنامي المشاعر المعادية للمسلمين رغم سياسة الباب المفتوح

تزايد المخاوف من التطرف أدى إلى إذكاء نيران العنف ضد المهاجرين في أوروبا

مهاجرون يصلون في مركز الدعوة الإسلامية في إسكلستونا بالسويد الذي تعرض لحريق عشية أعياد الميلاد («نيويورك تايمز»)
مهاجرون يصلون في مركز الدعوة الإسلامية في إسكلستونا بالسويد الذي تعرض لحريق عشية أعياد الميلاد («نيويورك تايمز»)
TT

السويد.. تنامي المشاعر المعادية للمسلمين رغم سياسة الباب المفتوح

مهاجرون يصلون في مركز الدعوة الإسلامية في إسكلستونا بالسويد الذي تعرض لحريق عشية أعياد الميلاد («نيويورك تايمز»)
مهاجرون يصلون في مركز الدعوة الإسلامية في إسكلستونا بالسويد الذي تعرض لحريق عشية أعياد الميلاد («نيويورك تايمز»)

أثناء ركوع خليف سمنتار خلال أدائه لصلاة العصر في مركز الدعوة الإسلامية في إسكلستونا في أعياد الميلاد، شعر بسخونة وحرارة متصاعدة وسمع صوتا خفيضا مسرعا قادما من رواق قريب؛ ولكنه ظل خاشعا في صلاته، حتى وصل إلى مسامعه بعد ثوان صراخ أحد الأشخاص وهو يقول «المسجد يحترق».
قفز سمنتار من نافذة مفتوحة وجرى وسط الثلوج مرتديا جوربه فقط طلبا للنجدة. ولم يصب أي شخص بأذى رغم وجود نحو 70 شخصا داخل المسجد في ذلك الوقت.
كان الحريق الذي دمر مركز الدعوة، وهو الأسوأ من بين 3 عمليات حرق يشتبه أنها متعمدة لمساجد في السويد على مدى الأيام العشرة الماضية. وخلال الفترة نفسها، هرب طاقم سفينتي شحن كان على متنهما مئات الأشخاص من طالبي اللجوء قبالة سواحل إيطاليا، لينضموا إلى أكثر من 200 ألف مهاجر وصلوا إلى أوروبا في عام 2014.
وقال عبد الرحمن فرح وارسيم، إمام المسجد الذي اندلع فيه الحريق في أعياد الميلاد، وهو أساسا من الصومال: «رحلنا عن بلادنا كلاجئين. ولم نكن نبحث عن الطعام أو المزايا، بل كنا نبحث عن مكان نشعر فيه بالأمان. والآن بعد أن ولى هذا الأمان، نشعر الآن بأن المجتمع أصبح ضدنا».
وبالفعل، فقد ساهم تيار المهاجرين المتواصل إلى أوروبا، بسبب الحرب المندلعة في سوريا والاضطرابات الموجودة في الشرق الأوسط ومنطقة القرن الأفريقي، مع تصاعد المشاكل الاقتصادية وتزايد المخاوف من التطرف الإسلامي، في إذكاء نيران العنف ضد المهاجرين، خاصة المسلمين.
وأثارت حالة الاستياء والشكوك المتصاعدة نقاشات في جميع أنحاء أوروبا بشأن تشديد القيود على الهجرة. كما تسببت المخاوف بشأن الهجرة في صعود نجم أحزاب يمينية في بريطانيا والدنمارك وفرنسا والمجر. ورصد المسؤولون الألمان أكثر من 70 هجوما تم شنّها على مساجد في الفترة من عام 2012 إلى عام 2014، بما في ذلك الحرائق المتعمدة. وسجلت الشرطة في بريطانيا زيادة في ارتكاب جرائم كراهية ضد المسلمين. وتعد السويد من الأماكن التي أثار تحول المشاعر فيها ضد المهاجرين الدهشة والاستغراب، حيث لا يزال الكثير من المواطنين بها يؤيدون سياسة الباب المفتوح المستمرة منذ 65 عاما في التعامل مع المهاجرين الذين يواجهون صعوبات. وقد أكسبتها هذه السياسة احتراما دوليا لفترة طويلة.
وتجمع مئات من المواطنين السويديين يوم الجمعة أمام القصر الملكي في ستوكهولم وفي مدن أخرى تضامنا مع السكان المسلمين بعد مرور يوم من إلقاء مهاجم مجهول لزجاجة مملوءة بسائل قابل للاشتعال على مسجد يقع في شمال مدينة أوبسالا، وكتابته شعارات عنصرية على المبنى. وتسببت القنبلة الحارقة في وقوع إصابات ولكنها لم تلحق ضررا بالمبنى.
وفي ظل توارد أخبار جديدة كل يوم عن مهاجرين صعدوا على متن سفن وتسللوا عبر الحدود الأوروبية، تخضع سياسة التسامح التي يشتهر به السويديون لاختبار غير مسبوق. فرغم اقتصادها الهزيل، تحتل السويد المرتبة الثالثة بعد ألمانيا وفرنسا من حيث عدد الأشخاص الذين يتقدمون بطلبات للحصول على لجوء في عام 2012، وفقا لمعهد سياسات الهجرة في واشنطن. وبالنسبة لعدد سكانها، تأتي السويد في المرتبة الثانية من حيث النصيب في عدد طلبات اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي بعد مالطة، بحسب المعهد. وتسبب الصراع المندلع في سوريا في زيادة عدد طالبي اللجوء. وقال مجلس الهجرة السويدي إن نصف من طلبوا اللجوء إلى السويد في عام 2014 وعددهم 81 ألف شخص، كانوا من سوريا. تتصاعد المعارضة تجاه هذه الأعداد المتزايدة. وحصل حزب «ديمقراطيو السويد»، اليميني المتشدد، والمناهض للهجرة، في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في شهر سبتمبر (أيلول) على 13 في المائة وهي أكبر نسبة فاز بها على الإطلاق. وفتح دخول حزب «ديمقراطيو السويد» إلى البرلمان في عام 2010 الباب بالفعل لنقاش لم يكن يخطر في البال سابقا حول وقف سياسة البلاد الخاصة باستقبال أجانب لأسباب إنسانية وإتاحة التمتع بنظام الرعاية الاجتماعية السخي في البلاد. من جانبه، قال أدريان غروغلبو، وهو أستاذ علوم اجتماعية في جامعة غوتنبرغ، ودرس التمييز في السويد على مدى العقد الماضي، إن السويد ظلت لفترة طويلة دولة تعاني من الفصل العنصري يعيش فيها كثير من المهاجرين في مجتمعات منغلقة، ويكافحون من أجل الحصول على وظائف، لكن جعل نجاح حزب «ديمقراطيو السويد» العنصرية أكثر قبولا في المجتمع.
قال دكتور غروغلبو: «إنها فترة عصيبة للغاية في السويد. يمكننا الآن أن نتحدث عن أشياء لم يكن مسموحا لنا بالحديث عنها من قبل. إن الأمر أشبه بحدوث انقلاب». وهدد «ديمقراطيو السويد»، الشهر الماضي، بإسقاط حكومة الأقلية التي يتزعمها رئيس الوزراء ستيفان لوفين؛ ولكن تم تجنب اللجوء إلى إجراء انتخابات مبكرة عن طريق التوصل إلى اتفاق في اللحظات الأخيرة يرى مراقبون أنه منح الحزب المناهض للهجرة مزيدا من السلطة عن طريق انتقاله من الهامش ليحتل موقعه كقوة معارضة رئيسية. وحدث هذا الصعود الذي يشهده الحزب رغم أن ما يقرب من خُمس سكان السويد البالغ عددهم 9.6 مليون نسمة إما ولدوا في الخارج أو من آباء مهاجرين مقيمين في السويد. ويحظى أغلب المهاجرين هنا بإمكانية الحصول على التعليم، ولكن توضح الإحصاءات الحكومية ارتفاعا في معدل البطالة بينهم بشكل غير متناسب، حيث يبلغ هذا المعدل أكثر من ضعف المعدل القومي البالغ نحو 8 في المائة. وتسبب هذا التفاوت في اندلاع أحداث شغب في أحياء المهاجرين خارج ستوكهولم في عام 2013. وفي ألمانيا، توجد حاليا حركة أخرى مناهضة للهجرة. فقد حشدت جماعة تعرف باسم حركة «الأوروبيين الوطنيين ضد أسلمة الغرب» خلال الأسابيع الأخيرة بحشد ما لا يقل عن 17.500 شخص للمشاركة في مسيرات تطالب بوقف الهجرة. ودعت الحركة إلى المزيد من المسيرات يوم الاثنين، في دريسدن وكولونيا. من ناحيته، قال عمر مصطفى، رئيس الجمعية الإسلامية في السويد، وهي تمثل نحو 40 جالية محلية في جميع أنحاء البلاد، إن الحرائق التي اندلعت مؤخرا في المساجد تأتي تتويجا لعام شهد تصاعدا في الهجمات المعادية للإسلام، بداية من نزع الحجاب وأغطية الرأس من على رؤوس النساء في الشوارع ووصولا إلى ارتكاب أعمال تخريبية بحق 14 مسجدا، إلى جانب انتشار الانتقادات العنصرية أو المعادية للمسلمين على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضاف مصطفى في مكالمة هاتفية: «يعد هذا تطورا مفزعا في المجتمع السويدي. إنها حركة كبيرة تنتقل من شبكة الإنترنت إلى أرض الواقع».
* خدمة «نيويورك تايمز»



برلين تترقب عهد ترمب بقلق

المستشار الألماني أولاف شولتس الذي يغادر منصبه بعد الانتخابات القادمة في 23 فبراير المقبل (د.ب.أ)
المستشار الألماني أولاف شولتس الذي يغادر منصبه بعد الانتخابات القادمة في 23 فبراير المقبل (د.ب.أ)
TT

برلين تترقب عهد ترمب بقلق

المستشار الألماني أولاف شولتس الذي يغادر منصبه بعد الانتخابات القادمة في 23 فبراير المقبل (د.ب.أ)
المستشار الألماني أولاف شولتس الذي يغادر منصبه بعد الانتخابات القادمة في 23 فبراير المقبل (د.ب.أ)

وجدت برلين نفسها في موقع الدفاع عن علاقاتها مع واشنطن، قبل ساعات من حفل تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مما زاد من القلق في العاصمة الألمانية من تدهور العلاقات الثنائية بشكل جدّي مع تسلم ترمب السلطة، فيما تتجه ألمانيا إلى انتخابات عامة.

ويمكن أن تشهد العلاقات الأميركية - الألمانية خضّات في الشهور المقبلة، خصوصاً أن ترمب هدَّد بفرض ضرائب جمركية مرتفعة على البضائع الأوروبية، تعتقد ألمانيا أنها موجَّهة ضدها تحديداً وضد صناعة سياراتها التي قد تعاني خسائر ضخمة في حال أقدم ترمب فعلاً على فرض تلك الضرائب. وتتخوف ألمانيا أيضاً من مساعي ترمب لزيادة الضغوط عليها لناحية إنفاقها الدفاعي، ومن سحبه المظلة الأمنية التي تعتمد عليها برلين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك تدافع عن سفيرها بواشنطن بعد الكشف عن تقرير سرّي كتبه ينتقد فيه إدارة ترمب (د.ب.أ)

وتنعكس هذه المخاوف لدى الألمان وليس فقط السياسيين، إذ أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد «يوغوف» أن 68 في المائة من الألمان يتوقعون تدهور العلاقات بين ألمانيا والولايات المتحدة في عهد ترمب. ويتوقع هؤلاء أن سياسة ترمب ستُلحق ضرراً بالاقتصاد الألماني الذي يعاني أصلاً من خسائر في الأرباح منذ عامين.

وحسب الاستطلاع، فإن 8 في المائة فقط من الألمان يعتقدون أن العلاقات ستتحسن في عهد ترمب، فيما يعتقد 17 في المائة آخرون أن العلاقة بين البلدين -الشريكين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى (جي 7)- ستبقى على حالها تقريباً. كما لا يعتقد أغلب الذين شملهم الاستطلاع أن ترمب يستطيع إنهاء الحرب الروسية ضد أوكرانيا خلال الأشهر الستة المقبلة، حسبما صرح من قبل.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومالك منصة «إكس» إيلون ماسك خلال تجمع في واشنطن عشية التنصيب (رويترز)

وستكون العلاقات مع أميركا تحدياً رئيسياً للمستشار الألماني المقبل. فحتى الآن، من المتوقع أن يصبح فريدريش ميرتز، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تنتمي إليه المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، هو المستشار المقبل. ورغم أن ميرتز من المؤمنين بالعلاقات عبر الأطلسي، ويحمل أفكاراً يمينية تقترب من سياسات ترمب خصوصاً حول الهجرة والاقتصاد، فإنه قد يجد المهمة صعبة. فالهامس في أذن ترمب، إيلون ماسك، انتقد ميرتز كذلك بشكل غير مباشر عبر إعادة نشر تغريدات لناشطة ألمانية يمينية متطرفة تنتقد فيها ميرتز، مما يشير إلى أن إدارة ترمب لن تعتمد أسلوباً أكثر لطفاً في التعامل معه.

ويدير ماسك منذ أسابيع حملة تأييد لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، ودعا الناخبين الألمان للتصويت له على اعتبار أنه «الوحيد القادر على إنقاذ ألمانيا»، حتى إنه استضاف زعيمته أليس فايدل في حديث طويل على منصته «إكس» جذب كثيراً من الانتقادات والاتهامات بأنه يتدخل في السياسات الداخلية لألمانيا.

أليس فايدل زعيمة حزب «البديل من أجل ألمانيا (AfD)» اليميني المتطرف تتحدث إلى المندوبين خلال مؤتمره 11 يناير 2025 في ريزا شرق ألمانيا (أ.ف.ب)

وفي حفل تنصيب ترمب، دُعي «البديل من أجل ألمانيا» للمشاركة، ومثله الزعيم المشترك للحزب تينو شروبيلا الذي يعد من الجناح الأكثر تطرفاً داخل الحزب.

وسُربت وثيقة سرّية من سفير ألمانيا في واشنطن، أندرياس ميكايلس، ينتقد فيها إدارة الرئيس الجديد، ويتهمه بالتحضير لاستغلال السلطة لتقويض الحريات والديمقراطية. وكتب ميكايلس في تقرير موجَّه إلى الخارجية الألمانية ومصنَّف «للاستخدام الرسمي فقط»، أن أجندة ترمب هي «حصر السلطات في أيدي الرئيس على حساب الكونغرس والولايات».

ودافعت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، عن السفير قائلةً إن عمل السفير هو تحضير ألمانيا للمستقبل، ولكنها انتقدت في مقابلة على القناة الألمانية الثانية، تسريب التقرير، وقالت إنه «سرّي» وكان يجب أن يبقى كذلك. ومع ذلك، شددت بيربوك التي تقترب من ترك منصبها بعد الانتخابات التي ستُجرى في ألمانيا في 23 فبراير (شباط)، على ضرورة الحفاظ على العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة.

وسارع كذلك المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي يتعرض هو نفسه لانتقادات لاذعة من إيلون ماسك منذ أسابيع، إلى تأكيد أهمية العلاقات الألمانية - الأميركية، وقال في تصريحات لصحيفة «راينشه بوست» إن بلاده «تحتاج إلى علاقات مستقرة» مع الولايات المتحدة، وإن هذه العلاقات «لها أهمية قصوى» بالنسبة إلى برلين.