مصر: مهرجان الموسيقى العربية يتحدى الجائحة ويطلق دورة استثنائية

عبر 28 حفلاً متنوعاً لمطربين من 5 دول

مصر: مهرجان الموسيقى العربية يتحدى الجائحة ويطلق دورة استثنائية
TT

مصر: مهرجان الموسيقى العربية يتحدى الجائحة ويطلق دورة استثنائية

مصر: مهرجان الموسيقى العربية يتحدى الجائحة ويطلق دورة استثنائية

رغم مخاوف جائحة «كورونا»، تنطلق في القاهرة فعاليات الدورة «الاستثنائية» من مهرجان الموسيقى العربية في الفترة من 1 إلى 10 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وتقدم 28 حفلاً غنائياً وموسيقياً لعشرات الفنانين الذين ينتمون إلى خمس دول عربية.
وتقام فعاليات الدورة الـ29 من المهرجان التي تصفها وزارة الثقافة المصرية بأنها «استثنائية»، على مدار 10 أيام على مسارح الأوبرا المصرية المختلفة في القاهرة (النافورة، والصغير، والجمهورية، ومعهد الموسيقى العربية)، بالإضافة إلى أوبرا الاسكندرية ودمنهور. وتشهد تنظيم 28 حفلاً غنائياً وموسيقياً بمشاركة 93 فناناً من خمس دول عربية، هي مصر، ولبنان، والأردن، والعراق، وتونس، بجانب إطلاق مؤتمر علمي بعنوان «مستقبل الموسيقى العربية ما بعد الأزمة»، ويهدف المؤتمر إلى مناقشة الرؤى المستقبلية للموسيقى العربية بعد جائحة «كورونا» التي أحدثت تغييراً جذرياً لكل الممارسات الحياتية عبر أربعة محاور رئيسية.
وعلى هامش المهرجان ستُنظّم مسابقة فنية تحمل اسم الدكتورة رتيبة الحفني، وتتضمن غناء الشباب والأطفال والعزف المنفرد على آلة التشيللو، مع إتاحة الفرصة لمشاركة ذوي القدرات الخاصة، كما يدشن المهرجان معرضاً لفنون الخط العربي للفنان مصطفى عمري في قاعة صلاح طاهر، على هامش دورته المقبلة.
ووفق بيان وزارة الثقافة المصرية، الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، فإنه تقرر تكريم 12 شخصية ساهمت في إثراء الحياة الفنية في مصر والعالم العربي خلال حفل الافتتاح، وهم الشاعر بخيت بيومي، عازف الناي الدكتور محمد عبد النبي، عازف الكمان الدكتور محمود عثمان، المؤلف والموزع الموسيقي وعازف الوتريات يحيى مهدي، المطرب ماهر العطار، أعضاء فرقة «الأصدقاء»، اسم الموسيقار الراحل عمار الشريعي، والمطربة منى عبد الغني، والمطرب علاء عبد الخالق، والمطربة حنان، والباحثة الدكتورة ماجدة عبد السميع، وعازف الكمان الدكتور محمد قطب، وفنان الخط العربي مصطفى عمري.
يتضمن حفل الافتتاح مجموعة مختارة من أعمال فنانين وملحنين بارزين، من بينهم جمال سلامة، وحلمي بكر، ومحمد سلطان، تحييه الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو سليم سحاب، ومشاركة الفنانين نادية مصطفى، وأحمد إبراهيم، وسارة سحاب، وإيمان عبد الغني، وأحمد عفت، وأميرة أحمد، ومي حسن، وياسر سليمان، وآيات فاروق، وغادة آدم، وسوما.
يشارك في حفلات المهرجان بدار الأوبرا المصرية عدد من المطربين المصريين والعرب على غرار مدحت صالح، وعلي الحجار، ورضوى سعيد، وأمجد العطافي، وكارمن سليمان، ومي فاروق، ومروة ناجي، وهاني شاكر، وأحمد نافع، ومحمد الحلو، وأحمد سعد، وخالد سليم، وفرح الموجي، وريهام عبد الحكيم، ومحمد الشرنوبي، وحنان ماضي، وهُمام إبراهيم من العراق، وعاصي الحلاني ووائل جسار من لبنان، وصابر الرباعي من تونس، وغيرهم.
كما تشارك سبع فرق موسيقية في المهرجان، من بينها فرقة الموسيقى العربية للتراث بقيادة المايسترو فاروق البابلي، وفرقة كايرو ستيبس بقيادة الموسيقار وعازف العود باسم درويش، وأوركسترا أوبرا القاهرة بقيادة المايسترو ناير ناجي.
وتقام حفلات المهرجان الكبيرة لأول مرة على مسرح النافورة الذي حُدّث وطُوّر بشكل جديد ومبتكر لاحتضان الفعاليات.
ووجهت الأوبرا المصرية الدعوة لأساتذة الأكاديميات المتخصصة وطلابها لحضور فعاليات المؤتمر المصاحب للمهرجان الذي تقام ندواته من 2 إلى 6 نوفمبر على المسرح الصغير، ويتخلّلها لأول مرة مداخلات «أون لاين» من الباحثين الذين لم يتمكنوا من الحضور.
وأجبرت جائحة «كورونا» إدارة المهرجان على اتخاذ إجراءات وقائية خوفاً من تفشي وباء كورونا بالمهرجان، على غرار تقليل كثافة حضور الجمهور ومراعاة قواعد التباعد الاجتماعي، وإلزام الجمهور بارتداء الكمامات.
واستأنفت الأوبرا المصرية نشاطها الفني عقب ثلاثة أشهر من الإغلاق التام بسبب جائحة «كورونا» في شهر يوليو (تموز) الماضي، واستضاف مسرح النافورة المكشوف الجديد معظم حفلات الموسم الصيفي للأوبرا الذي تم الانتهاء منه أخيرا، وحققت حفلاته تفاعلاً لافتاً في القاهرة والإسكندرية ودمنهور.
وحرصت إدارة المهرجان على تنظيم الدورة الـ29 من المهرجان على الرغم من الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم جراء الجائحة، والتي أعاقت حضور الكثير من المشاركين العرب مثل الدورات الماضية.
وتعوّل دار الأوبرا هذا العام على أسماء الكثير من الفنانين الذين سبق لهم المشاركة خلال الدورات الماضية وحققوا نجاحات لافتة.
وبلغت إيرادات الدورة الـ28 من المهرجان نحو 8.5 مليون جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل نحو 16 جنيهاً مصرياً)، وتعدّ الأعلى في المهرجان، وضمت 114 ساعة من الموسيقى والغناء عبر 37 حفلاً، شارك فيها 92 مطرباً وموسيقياً من سبع دول عربية وحضرها 15 ألف مشاهد، حسب وزارة الثقافة المصرية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».