في ظل كورونا... تاريخ الطاعون يوضح كيف تتشكل مسارات الأوبئة

رجل يرتدي قناعا واقيا خوفا من كورونا خلال تجوله في إحد شوارع سيول (أ.ب)
رجل يرتدي قناعا واقيا خوفا من كورونا خلال تجوله في إحد شوارع سيول (أ.ب)
TT

في ظل كورونا... تاريخ الطاعون يوضح كيف تتشكل مسارات الأوبئة

رجل يرتدي قناعا واقيا خوفا من كورونا خلال تجوله في إحد شوارع سيول (أ.ب)
رجل يرتدي قناعا واقيا خوفا من كورونا خلال تجوله في إحد شوارع سيول (أ.ب)

انتشر الطاعون في لندن أسرع أربع مرات في القرن السابع عشر مما كان عليه في القرن الرابع عشر، بحسب ما وجد الباحثون بعد دراسة مجموعة من الوصايا وسجلات الوفيات.
وقام باحثون من جامعة ماكماستر الكندية بتحليل آلاف الوثائق التي تمتد على مدى 300 عام، بما في ذلك الوصايا الشخصية وسجلات الأبرشيات وتقارير لندن للوفيات، للبحث عن أنماط حول كيفية انتشار الطاعون بين السكان، وفقاً لشبكة «سي إن إن».
وتسبب الطاعون، وهو أحد أكثر الالتهابات البكتيرية فتكاً في تاريخ البشرية، في وفاة ما يقدر بنحو 50 مليون شخص في أوروبا خلال العصور الوسطى عندما كان يُعرف باسم الموت الأسود. هذا المرض، رغم ندرته ويمكن علاجه الآن بالمضادات الحيوية، لا يزال موجوداً اليوم، وتم تسجيل حالات في الصين والولايات المتحدة مؤخراً هذا العام.
وقال باحثون إنه كان هناك «تسارع مذهل» في انتقال الطاعون بين الموت الأسود عام 1348 والطاعون العظيم عام 1665.
وأوضح ديفيد إيرن، الأستاذ في قسم الرياضيات والإحصاء في «ماكماستر» والمؤلف الرئيسي للبحث، لشبكة «سي إن إن» أنه في حين تضاعفت حالات الطاعون في لندن كل ستة أسابيع في القرن الرابع عشر، بحلول القرن السابع عشر، كانت تتضاعف كل أسبوع ونصف. وأضاف: «هذا فرق هائل». لكن هذا لم يكن بسبب أن المرض أصبح أكثر ضراوة.
وقال عالم الوراثة التطورية المشارك بالدراسة هندريك بوينار إنه في حين تسارع انتشار المرض، فإن التحليل الجيني حتى الآن يشير بشكل مبدئي إلى أنه ربما أصبح أقل عدوى. وتابع: «عندما تكون هناك تحولات في وبائيات المرض، يمكن ترجمة معظم التحولات التي تحدث إلى تدخل بشري أو أشياء تحدث خارج الجينات الفعلية للفيروس».
وتشير السرعة المقدرة للأوبئة، إلى جانب ما نعرفه عن بيولوجيا الطاعون، إلى أن الطاعون لم ينتشر في المقام الأول من خلال الاتصال بين البشر خلال هذه القرون، ولكن بدلاً من ذلك، فإن معدلات النمو للأوبئة المبكرة والمتأخرة أكثر اتساقاً مع الطاعون الدبلي، الذي ينتقل عن طريق لدغات البراغيث المصابة.
ويعتقد الباحثون أن العوامل بما في ذلك الكثافة السكانية والظروف المعيشية ودرجات الحرارة المنخفضة يمكن أن تتجه نحو تفسير تسارع المرض في لندن، ويمكن أن تساعد في فهمنا للأوبئة الحديثة، مثل وباء كورونا (كوفيد - 19) الحالي.
وأوضح إيرن أن «أحد مسببات الأمراض يمكن أن يتسبب في أوبئة مختلفة تماماً، سواء كان في نفس المكان بمرور الوقت أو في أماكن مختلفة». وقال إن «خصائص المجتمع يمكن أن تؤثر بقوة على نمط الوباء». وأضاف: «وبالطبع، يمكن أن تؤثر الاستجابة السلوكية للأفراد أيضاً على نمط الوباء».
ويمكن أن توفر النتائج أيضاً مخططاً لكيفية تصرف الوباء الحالي والأوبئة المستقبلية.
وأوضح بوينار لشبكة «سي إن إن»: «الطاعون لم يختف أبداً ولن يختفي أبداً، ولن يختفي أيضاً فيروس كورونا أبداً»، موضحاً أن الفيروس، مثل الطاعون، لديه «خزانات طبيعية» بين السكان. وقال: «لحسن الحظ، لدينا مجتمع علمي هائل، كما تعلمون في جميع أنحاء العالم، نعمل معاً في الوقت الحالي لاكتشاف طريقة للتوصل إلى علاج بالأجسام المضادة، وللتوصل إلى لقاح فعال لفترة أطول». لكنه حذر أيضاً من أن الأوبئة ستستمر في تهديد البشر طالما أن الناس يتعدون على العالم الطبيعي، وهو أمر حذره العلماء والمنظمات البيئية مراراً وتكراراً. وأضاف: «الحقيقة هي أنك إذا كنت تعتقد أن هذه هي المرة الوحيدة التي سيحدث فيها ذلك، فأنت تخدع نفسك، لأنه حدث مرات متكررة في تاريخ البشرية ومن المحتم أن يحدث مرة أخرى مع استمرارنا في التعدي على الأراضي - نفس الشيء مع تغير المناخ والتفكك البيئي - نحن لا بد أن نصطدم بمزيد من الأمراض التي ستنتقل إلى البشر».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
TT

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى، فإن المصرية مريم شريف تفوقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بالدورة الرابعة لـ«مهرجان البحر الأحمر السينمائي» التي تَنافس على جوائزها 16 فيلماً، وترأس لجنة تحكيمها المخرج العالمي سبايك لي، لتحوز جائزة «اليسر» لأفضل ممثلة عن أدائها لشخصية «إيمان»، الشابة التي تواجه التّنمر بسبب قِصرِ قامتها في فيلم «سنو وايت»، وذلك خلال حفل ختام المهرجان الذي أقيم الخميس في مدينة جدة السعودية.

وعبّرت مريم عن سعادتها بهذا الفوز قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «الحمد لله، هذه فرحة كبيرة تكلّل جهودنا طوال فترتي التحضير والتصوير، لكنني أحتاج وقتاً لأستوعب ذلك، وأشكر أستاذة تغريد التي أخضعتني لورشِ تمثيلٍ عدة؛ فكُنا نجلس معاً لساعات طوال لتُذاكر معي الدّور وتوضح لي أبعاد الشخصية، لذا أشكرها كثيراً، وأشكر المنتج محمد عجمي، فكلاهما دعماني ومنحاني القوة والثقة لأكون بطلة الفيلم، كما أشكر مهرجان (البحر الأحمر السينمائي) على هذا التقدير».

المخرجة تغريد أبو الحسن بين منتج الفيلم محمد عجمي والمنتج محمد حفظي (إدارة المهرجان)

سعادة مريم تضاعفت بما قاله لها المخرج سبايك لي: «لقد أذهلني وأبهجني برأيه حين قال لي، إن الفيلم أَثّر فيه كثيراً بجانب أعضاء لجنة التحكيم، وإنني جعلته يضحك في مشاهد ويبكي في أُخرى، وقلت له إنه شرفٌ عظيم لي أن الفيلم حاز إعجابك وجعلني أعيش هذه اللحظة الاستثنائية مع أهم حدث في حياتي».

وأضافت مريم شريف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنها لم تُفكّر في التمثيل قبل ذلك لأن السينما اعتادت السخرية من قِصار القامة، وهو ما ترفضه، معبّرة عن سعادتها لتحقيق العمل ردود أفعال إيجابية للغاية، وهو ما كانت تتطلّع إليه، ومخرجته، لتغيير أسلوب تعامل الناس مع قِصار القامة لرؤية الجمال في الاختلاف، وفق قولها: «نحن جميعاً نستحق المساواة والاحترام، بعيداً عن التّهكم والسخرية».

وكان قد شهد عرض الفيلم في المهرجان حضوراً لافتاً من نجوم مصريين وعرب جاءوا لدعم بطلته من بينهم، كريم فهمي الذي يشارك بصفة ضيف شرف في الفيلم، وبشرى التي أشادت بالعمل، وكذلك أمير المصري ونور النبوي والمنتج محمد حفظي.

قُبلة على يد بطلة الفيلم مريم شريف من الفنان كريم فهمي (إدارة المهرجان)

واختارت المخرجة أن تطرح عبر فيلمها الطويل الأول، أزمة ذوي القامة القصيرة الذين يواجهون مشاكل كبيرة، أقلّها تعرضهم للتنمر والسخرية، وهو ما تصدّت له وبطلتها عبر أحداث الفيلم الذي يروي قصة «إيمان» قصيرة القامة التي تعمل موظفة في أرشيف إحدى المصالح الحكومية، وتحلم مثل كل البنات بلقاءِ فارس أحلامها وتتعلق بأغنية المطربة وردة الجزائرية «في يوم وليلة» وترقص عليها.

وجمع الفيلم بين بطلته مريم شريف وبعض الفنانين، ومن بينهم، كريم فهمي، ومحمد ممدوح، ومحمد جمعة، وخالد سرحان، وصفوة، وكان الفيلم قد فاز بوصفه مشروعاً سينمائياً بجائزة الأمم المتحدة للسكان، وجائزة الجمعية الدولية للمواهب الصاعدة في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وعلى الرغم من أن مريم لم تواجه الكاميرا من قبل، بيد أنها بدت طبيعية للغاية في أدائها وكشفت عن موهبتها وتقول المخرجة: «كنت مهتمة أن تكون البطلة غير ممثلة ومن ذوات القامة القصيرة لأحقق المصداقية التي أردتها، وحين التقيت مريم كانت هي من أبحث عنها، وكان ينقصنا أن نقوم بعمل ورش تمثيل لها، خصوصاً أن شخصية مريم مختلفة تماماً عن البطلة، فأجرينا تدريبات مطوّلة قبل التصوير على الأداء ولغة الجسد والحوار، ووجدت أن مريم تتمتع بذكاء لافت وفاجأتني بموهبتها».

لم يكن التمثيل يراود مريم التي درست الصيدلة في الجامعة الألمانية، وتعمل في مجال تسويق الأدوية وفق تأكيدها: «لم يكن التمثيل من بين أحلامي لأن قِصار القامة يتعرضون للسخرية في الأفلام، لكن حين قابلت المخرجة ووجدت أن الفيلم لا يتضمّن أي سخرية وأنه سيُسهم في تغيير نظرة كثيرين لنا تحمست، فهذه تجربة مختلفة ومبهرة». وفق تعبيرها.

ترفض مريم لقب «أقزام»، وترى أن كونهم من قصار القامة لا يحدّ من قدرتهم ومواهبهم، قائلة إن «أي إنسان لديه مشاعر لا بد أن يتقبلنا بدلاً من أن ننزوي على أنفسنا ونبقى محبوسين بين جدران بيوتنا خوفاً من التنمر والسخرية».

تغريد أبو الحسن، مخرجة ومؤلفة الفيلم، درست السينما في الجامعة الأميركية بمصر، وسافرت إلى الولايات المتحدة للدراسة في «نيويورك أكاديمي» قبل أن تُخرج فيلمين قصيرين، وتعمل بصفتها مساعدة للمخرج مروان حامد لسنوات عدّة.

المخرجة تغريد أبو الحسن وبطلة الفيلم مريم شريف (إدارة المهرجان)

وكشفت تغريد عن أن فكرة الفيلم تراودها منذ 10 سنوات: «كانت مربية صديقتي من قِصار القامة، اقتربتُ منها كثيراً وهي من ألهمتني الفكرة، ولم أتخيّل أن يظهر هذا الفيلم للنور لأن القصة لم يتحمس لها كثير من المنتجين، حتى شاركنا الحلم المنتج محمد عجمي وتحمس له».

العلاقة التي جمعت بين المخرجة وبطلتها كانت أحد أسباب تميّز الفيلم، فقد تحولتا إلى صديقتين، وتكشف تغريد: «اقتربنا من بعضنا بشكل كبير، وحرِصتُ على أن تحضر مريم معي ومع مدير التصوير أحمد زيتون خلال معاينات مواقع التصوير حتى تتعايش مع الحالة، وأخبرتها قبل التصوير بأن أي مشهد لا ترغب به سأحذفه من الفيلم حتى لو صوّرناه».

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

وتلفت تغريد إلى مشروعٍ سينمائيّ يجمعهما مرة أخرى، في حين تُبدي مريم سعادتها بهذا الالتفاف والترحيب من نجوم الفن الذين شاركوها الفيلم، ومن بينهم: كريم فهمي الذي عاملها برفق ومحبة، ومحمد ممدوح الذي حمل باقة ورد لها عند التصوير، كما كان كل فريق العمل يعاملها بمودة ولطف.