«الجونة» السينمائي يتجاهل حملة رفض تكريم ديبارديو بسبب «التطبيع»

مدير المهرجان لـ«الشرق الأوسط»: برنامج الدورة الرابعة لن يتغير

الممثل الفرنسي جيرار ديبارديو (أرشيفية)
الممثل الفرنسي جيرار ديبارديو (أرشيفية)
TT

«الجونة» السينمائي يتجاهل حملة رفض تكريم ديبارديو بسبب «التطبيع»

الممثل الفرنسي جيرار ديبارديو (أرشيفية)
الممثل الفرنسي جيرار ديبارديو (أرشيفية)

بينما يستعد مهرجان «الجونة السينمائي» لإطلاق دورته الرابعة في يوم 23 من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، يواجه المهرجان حملة رفض تكريم الممثل الفرنسي الشهير جيرار ديبارديو خلال هذه الدورة ومنحه جائزة الإنجاز الإبداعي، حيث تم إطلاق حملة توقيعات تستنكر هذا التكريم بسبب مواقف النجم الفرنسي الداعمة للصهيونية ولإسرائيل، ولاتهامه باغتصاب ممثلة فرنسية ناشئة لا تزال قضيتها منظورة أمام المحاكم، لكن إدارة «الجونة السينمائي» تجاهلت الحملة، وأعلنت التزامها بتنفيذ برنامج الدورة الرابعة.
يعد ديبارديو ثالث سينمائي فرنسي يواجه تلك الأزمة بعد واقعتين مماثلتين شهدهما مهرجان القاهرة السينمائي، الأولى حدثت عام 2014 خلال رئاسة الناقد الراحل سمير فريد، الذي اختار تكريم وزير ثقافة فرنسا الأشهر جاك لانغ (رئيس معهد العالم العربي بباريس حالياً) ومنحه جائزة نجيب محفوظ «الهرم الذهبي» باعتباره أحد المدافعين عن العالم العربي، ولجهوده الكبيرة لدعم الثقافة، وواجه هذا القرار اعتراضات كبيرة أشارت إلى توجهاته الصهيونية واتهامه بواقعة اغتصاب أطفال، مما دفع لانغ إلى إرسال خطاب للمهرجان يعتذر فيه عن عدم قبول التكريم، أما الواقعة الثانية فكانت خلال الدورة الأربعين للمهرجان عام 2018 حينما أعلن محمد حفظي رئيس المهرجان تكريم المخرج الفرنسي كيلود ليلوش الحاصل على جائزتي أوسكار لأفضل مخرج، وقوبل هذا الأمر برفض كبير من بعض المثقفين لميوله الصهيونية وتأييده لدولة إسرائيل و«اعتبارها بلده الثاني»، بحسب وصفه، مما دفع إدارة المهرجان للتراجع عن تكريمه.
وإذا كان هذا قد حدث في مهرجان تقيمه الدولة وتموله وزارة الثقافة، فإن ذلك قد لا يتكرر في مهرجان الجونة الذي يقيمه رجلا الأعمال نجيب وسميح ساويرس في منتجع الجونة الذي يمتلكه الأخير، ويقول انتشال التميمي، مدير مهرجان «الجونة السينمائي»، لـ«الشرق الأوسط»: «إن تكريم ديبارديو ما زال قائماً»، رافضاً التعليق على كل ما أثير حول ذلك، مؤكداً أن «المهرجان أعلن عن حيثيات منح جائزة الإنجاز الإبداعي للفنان الفرنسي، استناداً إلى تاريخه الفني وأدواره المؤثرة وموهبته الفذة».
ويعد ديبارديو (72 عاماً) الذي يحمل الجنسيتين الفرنسية والروسية أحد أهم نجوم السينما العالمية والممثل الذي تحقق أفلامه أعلى الإيرادات في شباك التذاكر، ويعتبر كثير من النقاد أفلامه تحفاً سينمائية، بعدما قدمها مع كبار مخرجي العالم أمثال برتوللوتشي، تروفو، غودار، وقد بدأ ديبارديو مسيرته الفنية في سبعينات القرن الماضي، وذاعت شهرته بعدما قدم شخصية المزارع الأحدب في فيلم «جين دو فلورين»، وفاز بجائزتي «سيزار» لأفضل ممثل مرتين، الأولى عام 1981 عن دوره في فيلم «المترو» والثانية عام 1991 عن دوره في فيلم «سيرانو دو بيرجيراك»، كما حصل على جائزة «غولدن غلوب» عام 1991 عن دوره في الفيلم الأميركي «البطاقة الخضراء»، وحصل على جائزة أفضل ممثل من مهرجان فينيسيا عام 1985 عن فيلم «اللص».
الناقد والمخرج أحمد عاطف أحد الموقعين على بيان الرفض، قال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «الموقف من الممثل الفرنسي هو نفس الموقف من أي فنان اقترن اسمه بالقتل والاغتصاب؛ فقد قال هذا الممثل في تصريحات له عن الحرب العالمية الثانية: إن (كل الحروب لها وجه بشع، لكن لها أيضاً بعض الفوائد، إذ إنها تقلل من أعداد البشر)، وهذا تصريح عنصري، فضلاً عن موقفه الصهيوني، فقد ذهب لتمثيل مسرحيتين بها عامي 2017 و2018. وقال إنه يحب إسرائيل وتل أبيب دون أي ذكر للفلسطينيين وما يعانونه، وقدم فيلم «هالو جودباي» عن زوجين إسرائيليين استعادا حبهما بعدما عادا إلى جذورهما في إسرائيل.
وحمل البيان الصادر عن «اللجنة الوطنية لمقاومة التطبيع» توقيع عدد من السينمائيين وشخصيات عربية ومصرية، من بينهم المخرجان علي بدرخان ومحمد فاضل، والفنانان عبد العزيز مخيون وفردوس عبد الحميد، والناقدان خيرية البشلاوى ومالك خوري، أكدوا فيه رفضهم تكريم الممثل الفرنسي، معتبرين أن تكريم مهرجان (الجونة) له يعد خرقاً لقرار الجمعية العمومية لاتحاد النقابات الفنية والخاص برفض كافة أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني ومؤيديه.
بينما ترى الناقدة ماجدة خير الله، أن مطالبة البعض بإلغاء تكريم بارديو خلط متعمد للأوراق، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نقف ضد مشاركة فنان أو مخرج إسرائيلي مهما كان عظيماً في أي مهرجان، لكن هل نعادي كل من يتعامل معهم؟ وهل نحمل الآخرين مواقفنا التاريخية ونقول له لن نستضيفك برغم مكانتك؟ إننا سنكون بذلك في عزلة لأن البعض لا يعرف تاريخنا، كما أن إسرائيل مفتوحة للزيارة أمام كل دول العالم، فإذا زارها فنان وقال كلاماً مما يقال كمجاملة للاستضافة فهل نرفض حضوره ونقول له نأسف لأنك زرت إسرائيل، وقد لا يعرف وجهة نظرنا فلماذا لا نعطيه الفرصة ليعرفنا ويدرك أننا لسنا عدوانيين مثل الصورة التي صُدرت عنا».


مقالات ذات صلة

السينما المصرية تقتنص 3 جوائز في «أيام قرطاج»

يوميات الشرق المخرج شريف البنداري يتسلم جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير (إدارة المهرجان)

السينما المصرية تقتنص 3 جوائز في «أيام قرطاج»

فازت السينما المصرية بـ3 جوائز في ختام الدورة الـ35 لـ«أيام قرطاج السينمائية» التي أقيمت مساء السبت على مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة بتونس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق محمد سعد في لقطة من الإعلان الدعائي لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة)

محمد سعد يعود إلى الأضواء بـ«الدشاش»

يجسّد محمد سعد في «الدشاش» شخصية طبيب خلال الأحداث التي تدور في إطار اجتماعي كوميدي تشويقي، ويشاركه البطولة عدد من النجوم.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق معالجة «سيد الخواتم» على طريقة الأنيمي اليابانية

«سيد الخواتم» يدخل عالم الرسوم المتحركة اليابانية

إذا كنت تودُّ معرفة من هو ملك وادي «هيلمز ديب»، فأنت في المكان المناسب.

سارة بار (نيويورك)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

مصر: أفلام «الأوف سيزون» تغادر دور العرض لـ«ضعف الإيرادات»

شهدت عدة أفلام مصرية، تصنف ضمن العرض خلال «الأوف سيزون»، تراجع إيراداتها مما أدى إلى رفعها من دور العرض السينمائي في مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق بشير الديك مع أحمد زكي وحسين فهمي (حسابه على فيسبوك)

تفاقم الحالة الصحية للسيناريست المصري بشير الديك

أثارت دينا ابنة السينارسيت المصري المعروف بشير الديك حالة واسعة من القلق والجدل في الساعات الأخيرة بشأن صحة والدها.

رشا أحمد (القاهرة )

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)