طاهٍ أردني يبتكر مرقة «دموع بيروت» ويحفر اسم المدينة على الأطباق

عشاءات ومزادات لجمع التبرعات لإعادة إعمار العاصمة اللبنانية

تسعون طاهياً من حول العالم تكاتفوا لجمع التبرعات لبيروت - «دموع بيروت» في أوانٍ طبية وهي عبارة عن مرقة مبتكرة
تسعون طاهياً من حول العالم تكاتفوا لجمع التبرعات لبيروت - «دموع بيروت» في أوانٍ طبية وهي عبارة عن مرقة مبتكرة
TT

طاهٍ أردني يبتكر مرقة «دموع بيروت» ويحفر اسم المدينة على الأطباق

تسعون طاهياً من حول العالم تكاتفوا لجمع التبرعات لبيروت - «دموع بيروت» في أوانٍ طبية وهي عبارة عن مرقة مبتكرة
تسعون طاهياً من حول العالم تكاتفوا لجمع التبرعات لبيروت - «دموع بيروت» في أوانٍ طبية وهي عبارة عن مرقة مبتكرة

بعد أيام من وقوع الانفجار المروع الذي هز بيروت، تعاون الشيف وفنان الطعام الأردني عمر السرطاوي مع مؤسسة «ذا ارتيناري» لإعداد وليمة عشاء كبيرة وإقامة مزاد فني لجمع التبرعات بغرض المساهمة في إعادة إعمار العاصمة اللبنانية.
تبرع الشيف عمر وفريقه بوقتهم وخبراتهم لطهي وليمة من ستة أطباق لضيوفهم، وقاموا بنقش كلمة «بيروت» باللغة العربية على العظام التي تخللت اللحوم المطهية ليضفوا على الأطباق بهجة جعلت الضيوف يشعرون بمتعة كبيرة من رحلتهم البصرية والحسية بين الأطباق.
أعقب العشاء مزاد فني، حيث بيع 31 عملاً فنياً لأعلى سعر، وجرى التبرع بكامل عائدات وليمة العشاء والمعرض الذي ضم الكثير من الأطباق والأعمال الفنية في إطار مبادرة أطلق عليها «باب وشباك» التي تهدف إلى إعادة بناء أبواب ونوافذ المنازل التي دمرها الانفجار ليتمكن الناس من العودة إلى منازلهم.
كما أقامت مؤسسة «إم إم إي جي» معرضاً لجمع التبرعات ضم أعمال أكثر من 100 فنان من عمان والمنطقة العربية، وجرى التبرع بجميع عائدات مبيعات هذه الأعمال إلى منظمات محلية موثوقة في لبنان للمساعدة في جهود الإغاثة في حالات الكوارث. وابتكر الشيف السرطاوي مرقة أطلق عليها «دموع بيروت»، وهي مرقة مستوحاة من الدموع البشرية في ملوحتها، وعبأها في زجاجات طبية مستعملة.
وفي اتصال هاتفي أجرته «الشرق الأوسط» مع الشيف السرطاوي، قال إن مرقة «دموع بيروت» هي عمل فني يعبّر عن المشاعر التي أثارتها الكارثة في بيروت والتي «كانت سبباً لأن ينزف الكثيرون في بيروت الدماء، وجعلت الكثيرين في باقي أنحاء العالم يذرفون الدموع».
وتابع السرطاوي بأنه أرداد إيصال هذه الرسالة إلى العالم لمساعدة بيروت لكي تعود بيوتها إلى ما كانت عليه، فصدرت أربع طبعات محدودة بأربع لغات هي العربية، والإنجليزية، والفرنسية، والفينيقية لنقل رسالة سياسية قوية إلى العالم. احتوت الزجاجات على الخط العربي والخط الفينيقي الذي رسمه حسين العزت، واختار السرطاوي أن يدوّن عليها عبارة «هذا العمل مستوحى من الكارثة التي ضربت المدينة التي لمست روحي... بيروت».
عكست الوليمة الأسلوب الفريد للسرطاوي وفريقه في إعداد الطعام، بما في ذلك الأطباق الفاخرة الفرنسية الشهيرة التي توزعت بأناقة على ستة أطباق جرى إعدادها لأربعين ضيفاً.
ولكي تتناغم مع المطبخ اللبناني؛ ضمت الأطباق في مكوناتها «الزعتر» الذي يميز أطباق العاصمة اللبنانية مع نقش لكلمة «بيروت» باللغة العربية على كل عظمة من عظام لحم الضأن. ووفقاً للتقاليد الأردنية، انتهى العشاء بالقهوة العربية.
الجزء الثاني كان عبارة عن مزاد فني أجري بعد العشاء بيع خلاله 31 عملاً فنياً، وجرى التبرع بعائدات كل شيء في تلك الليلة، سواء الطعام أو الأعمال الفنية إلى الجهات المعنية في بيروت.
والى جانب تلك الأعمال الخيرية، أقيمت فعالية خاصة تحت عنوان «اسأل الطهاة عن أي شيء»، فكان هذا عنوان الملتقى الذي استمر لثلاثة أيام، حيث شارك وقدم تسعون من أفضل طهاة العالم وقتهم وخبرتهم في المزاد العلني لجمع التبرعات لبيروت.
سعى المزاد الإلكتروني إلى زيادة الوعي وتوفير الأموال لمئات الآلاف من المتضررين من الانفجار، حيث قام كل طاهٍ بالمشاركة في المزاد بتقديم 30 دقيقة من وقته لتقديم وصفته المفضلة ونصائحه في فن الطهي.
نجحت الفعالية في جمع 35 ألف دولار على مدى ثلاثة أيام. وتلقى السرطاوي وحده سبعة تبرعات خلال فترة عرضه التي استمرت 30 دقيقة. وفي هذا الصدد، قال السرطاوي، إن «بيروت مدينة استحوذت على قلبي، سواء فيما تقدمه من فنون الطهي، أو في أماكنها الرائعة وأهلها الطيبين. أعتقد حقاً أنه عندما تكون لديك القدرة على مساعدة البشر الآخرين، فسيتحتم عليك أن تقول نعم، وسيصبح واجباً أن تفعل كل ما في وسعك للمساعدة. إنها لنعمة كبرى أن أكون وسط هؤلاء الطهاة، وسأكون ممتناً لمن قدم لي هذه الفرصة إلى الأبد. وأود أن أشكر كل من ساهم في إقامة هذا الحدث وأتاح إمكانية جمع الكثير من الأموال للمدينة التي أحبها بيروت».

> الطهاة المشاركون: ماسيمو بوتورا، رينيه ريدزيبي، دومينيك كرين، جاججان أناند، ويلي دوفرسن، أنيسة حلو، مايكل مينا، تشاد روبرتسون، دانيال بارترسون، جريج معلوف، جيمس لوي، جو برزا، وغيرهم.

> ومن بين المشاركين في هذه الفعاليات الخيرية، دينا دباس رفاعي، أمجد وميرنا مرار، منى الصالح، رانيا الخالدي، الشيف معتز زياد، الشيف تالا صوفان، «كلياني فود سنتر»، و«تيبل توب»، دانيل أوست، الأكاديمية الملكية لفنون الطهي، «روزينتال»، شكوع ديبو، أيبينا وحنا، الترا واتر، كاستانيا، براويز فادي شرف، هنا جمو، والفنانون الرائعون عمار خماش، أحمد تركي، آيلا حبري، بشار الحروب، ديلير شاكر، غادة دحدلة، حازم زعبي، همت علي، هاني علقم، خزامى أبو جودة، لمى الخطيب، محمد الشمري، محمود عبيدي، محمود الكرد، ميرنا مرار، عمر كنعان، رنا دحدلة، رندا حدادين، شهد داود، سينا عطا، تغلب عويس، وائد قويدر، وليد قيسي، زيد الشوا، وزينة السيد.


مقالات ذات صلة

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)

الشاي... من الفنجان إلى الطبق

يمكن للشاي أن يضيف نكهةً مثيرةً للاهتمام، ويعزز مضادات الأكسدة في أطباق الطعام، وقد لا يعرف كثيرٌ أننا نستطيع استخدام هذه النبتة في الطهي والخبز

نادية عبد الحليم (القاهرة)

الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
TT

الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك، وفي كل الأحوال البصل الأخضر أو الناشف المشطور حلقات ضيف مائدتك، إن راق لك ذلك.

فطبق الفول «حدوتة» مصرية، تُروى كل صباح بملايين التفاصيل المختلفة، لكي يلبي شهية محبيه لبدء يومهم. فقد يختلف طعمه وفق طريقة الإعداد من «قِدرة» إلى أخرى، وطريقة تقديمه حسب نوعيات الزيت والتوابل، إلا أن كلمة النهاية واحدة: «فول مدمس... تعالى وغمس».

"عربة الفول" تقدم الطبق الشعبي بأصنافه التقليدية (تصوير: الشرق الأوسط)

سواء قصدت «عربة فول» في أحد الأحياء أو اتجهت إلى مطاعم المأكولات الشعبية، ستجد طبق الفول في انتظارك، يستقبلك بنكهاته المتعددة، التي تجذبك لـ«تغميسه»، فالخيارات التي يتيحها ذلك الطبق الشعبي لعشاقه عديدة.

من ناحية الشكل، هناك من يفضلون حبة الفول «صحيحة»، وآخرون يرغبونها مهروسة.

أما عن ناحية المذاق، فيمكن تصنيف أطباق الفول وفق الإضافات والنكهات إلى العديد من الأنواع، ولعل الفول بالطحينة أو بالليمون، هما أكثر الإضافات المحببة لكثيرين، سواء عند إعداده منزلياً أو خارجياً. أما عن التوابل، فهناك من يفضل الفول بالكمون أو الشطة، التي تضاف إلى الملح والفلفل بوصفها مكونات رئيسية في تحضيره. بينما تأتي إضافات الخضراوات لكي تعطي تفضيلات أخرى، مثل البصل والفلفل الأخضر والطماطم.

طبق الفول يختلف مذاقه وفق طريقة الإعداد وطريقة التقديم (مطعم سعد الحرامي)

«حلو أم حار»؟، هو السؤال الأول الذي يوجهه جمعة محمد، صاحب إحدى عربات الفول الشهيرة بشارع قصر العيني بالقاهرة، للمترددين عليه، في إشارة إلى نوعَيْه الأشهر وفق طريقتي تقديمه التقليديتين، فطبق فول بالزيت الحلو يعني إضافة زيت الذرة التقليدي عند تقديمه، أما «الحار» فهو زيت بذور الكتان.

يقول جمعة لـ«الشرق الأوسط»: «الحار والحلو هما أصل الفول في مصر، ثم يأتي في المرتبة الثانية الفول بزيت الزيتون، وبالزبدة، وهي الأنواع الأربعة التي أقدمها وتقدمها أيضاً أي عربة أخرى»، مبيناً أن ما يجعل طبق الفول يجتذب الزبائن ليس فقط نوعه، بل أيضاً «يد البائع» الذي يمتلك سر المهنة، في ضبط ما يعرف بـ«التحويجة» أو «التحبيشة» التي تضاف إلى طبق الفول.

طاجن فول بالسجق (مطعم سعد الحرامي)

وبينما يُلبي البائع الخمسيني طلبات زبائنه المتزاحمين أمام عربته الخشبية، التي كتب عليها عبارة ساخرة تقول: «إن خلص الفول أنا مش مسؤول»، يشير إلى أنه مؤخراً انتشرت أنواع أخرى تقدمها مطاعم الفول استجابة للأذواق المختلفة، وأبرزها الفول بالسجق، وبالبسطرمة، وأخيراً بالزبادي.

كما يشير إلى الفول الإسكندراني الذي تشتهر به الإسكندرية والمحافظات الساحلية المصرية، حيث يعدّ بخلطة خاصة تتكون من مجموعة من البهارات والخضراوات، مثل البصل والطماطم والثوم والفلفل الألوان، التي تقطع إلى قطع صغيرة وتشوح وتضاف إلى الفول.

الفول يحتفظ بمذاقه الأصلي بلمسات مبتكرة (المصدر: هيئة تنمية الصادرات)

ويلفت جمعة إلى أن طبق الفول التقليدي شهد ابتكارات عديدة مؤخراً، في محاولة لجذب الزبائن، ومعه تعددت أنواعه بتنويع الإضافات والمكونات غير التقليدية.

بترك عربة الفول وما تقدمه من أنواع تقليدية، وبالانتقال إلى وسط القاهرة، فنحن أمام أشهر بائع فول في مصر، أو مطعم «سعد الحرامي»، الذي يقصده المشاهير والمثقفون والزوار الأجانب والسائحون من كل الأنحاء، لتذوق الفول والمأكولات الشعبية المصرية لديه، التي تحتفظ بمذاقها التقليدي الأصلي بلمسة مبتكرة، يشتهر بها المطعم.

طاجن فول بالقشدة (مطعم سعد الحرامي)

يبّين سعد (الذي يلقب بـ«الحرامي» تندراً، وهو اللقب الذي أطلقه عليه الفنان فريد شوقي)، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن الأنواع المعتادة للفول في مصر لا تتعدى 12 نوعاً، مؤكداً أنه بعد التطورات التي قام بإدخالها على الطبق الشعبي خلال السنوات الأخيرة، فإن «لديه حالياً 70 نوعاً من الفول».

ويشير إلى أنه قبل 10 سنوات، عمد إلى الابتكار في الطبق الشعبي مع اشتداد المنافسة مع غيره من المطاعم، وتمثل هذا الابتكار في تحويل الفول من طبق في صورته التقليدية إلى وضعه في طاجن فخاري يتم إدخاله إلى الأفران للنضج بداخلها، ما طوّع الفول إلى استقبال أصناف أخرى داخل الطاجن، لم يمكن له أن يتقبلها بخلاف ذلك بحالته العادية، حيث تم إضافة العديد من المكونات للفول.

من أبرز الطواجن التي تضمها قائمة المطعم طاجن الفول بالسجق، وبالجمبري، وبالدجاج، والبيض، و«لية الخروف»، وبالموتزاريلا، وباللحم المفروم، وبالعكاوي. كما تحول الفول داخل المطعم إلى صنف من الحلويات، بعد إدخال مكونات حلوة المذاق، حيث نجد ضمن قائمة المطعم: الفول بالقشدة، وبالقشدة والعجوة، وبالمكسرات، أما الجديد الذي يجرى التحضير له فهو الفول بالمكسرات وشمع العسل.

رغم كافة هذه الأصناف فإن صاحب المطعم يشير إلى أن الفول الحار والحلو هما الأكثر إقبالاً لديه، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية التي تدفع المصريين في الأغلب إلى هذين النوعين التقليديين لسعرهما المناسب، مبيناً أن بعض أطباقه يتجاوز سعرها مائة جنيه (الدولار يساوي 48.6 جنيه مصري)، وبالتالي لا تكون ملائمة لجميع الفئات.

ويبّين أن نجاح أطباقه يعود لسببين؛ الأول «نفَس» الصانع لديه، والثاني «تركيبة العطارة» أو خلطة التوابل والبهارات، التي تتم إضافتها بنسب معينة قام بتحديدها بنفسه، لافتاً إلى أن كل طاجن له تركيبته الخاصة أو التوابل التي تناسبه، فهناك طاجن يقبل الكمون، وآخر لا يناسبه إلا الفلفل الأسود أو الحبهان أو القرفة وهكذا، لافتاً إلى أنها عملية أُتقنت بالخبرة المتراكمة التي تزيد على 40 عاماً، والتجريب المتواصل.

يفخر العم سعد بأن مطعمه صاحب الريادة في الابتكار، مشيراً إلى أنه رغم كل المحاولات التي يقوم بها منافسوه لتقليده فإنهم لم يستطيعوا ذلك، مختتماً حديثه قائلاً بثقة: «يقلدونني نعم. ينافسونني لا».