المعارضة الباكستانية تطلق حركة احتجاجية لإطاحة حكومة خان

نواز شريف يتهم قائد الجيش بإزاحته

TT

المعارضة الباكستانية تطلق حركة احتجاجية لإطاحة حكومة خان

تزامناً مع إطلاق حركة احتجاجية ضد رئيس الوزراء الحالي عمران خان، اتهم رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف، قائد الجيش قمر جاويد باجواه بالإطاحة بحكومته، والضغط على السلطة القضائية، وتنصيب الحكومة الحالية بقيادة عمران خان في انتخابات عام 2018. وينفي خان، الذي فاز في الانتخابات ببرنامج لمكافحة الفساد، اتهامه بالوصول إلى السلطة بمساعدة الجيش. وقال رئيس الوزراء الجمعة، إنه لا يخشى حملة المعارضة، ووصفها بأنها تهدف إلى ابتزازه لدفعه لإسقاط تهم الفساد عن زعمائها.
وتحدث شريف عبر دائرة تلفزيونية من لندن، التي انتقل إليها للعلاج من مرض السرطان، إلى تجمع ضم عشرات الآلاف نظمته أحزاب معارضة بمناسبة تدشين حملة احتجاجية بأنحاء البلاد، انطلاقاً من مدينة جوجرانوالا بهدف الإطاحة بحكومة خان. وقال شريف مخاطباً الحشد الذي كان الأكبر من نوعه منذ انتخابات 2018: «أيها الجنرال قمر جاويد باجواه، لقد قضيت على حكومتنا التي كانت تعمل جيداً، ووضعت الأمة والدولة على مذبح رغباتك».
وأطلق تحالف واسع من جماعات المعارضة الباكستانية حركة للإطاحة بحكومة رئيس الوزراء عمران خان التي قالوا إنها فشلت في تنفيذ ما تعهدت به. وحضر عشرات الآلاف من النشطاء السياسيين التجمع الأول للحركة الديمقراطية الباكستانية، وهي تحالف من 11 حزباً معارضاً، في مدينة جوجرانوالا، المعقل السياسي لرئيس الوزراء السابق نواز شريف.
وفي الشهر الماضي، شكلت تسعة أحزاب معارضة رئيسية تحالفاً أطلقت عليه اسم حركة باكستان الديمقراطية، وذلك لتدشين حملة ضد الحكومة في مختلف أنحاء البلاد. واكتظ مكان إطلاق الحركة، وهو ملعب للكريكيت يتسع لأكثر من 35 ألف شخص، بأكثر من طاقته الاستيعابية على الرغم من التحذيرات الصحية وسط موجة ثانية من الإصابات الجديدة بفيروس كورونا في البلاد. وعرضت وسائل إعلام محلية صوراً لعدد كبير من الأشخاص يقفون خارج الاستاد أيضاً. وبحث قادة الحركة الديمقراطية الباكستانية إخفاقات حكومة خان. وخاطب شريف الحشد من لندن عبر رابط فيديو، لكن السلطات حظرت بث الكلمة عبر وسائل الإعلام المحلية. وتجاوز شريف، الذي يواجه بالفعل اتهامات بالتحريض على الفتنة لانتقاده الجيش بسبب تدخله في الشؤون السياسية، خطاً جديداً بذكره قائد الجيش الحالي الجنرال قمر جاويد باجوا بشكل علني. ويتجنب السياسيون في باكستان بشكل عام ذكر قادة الجيش، حيث إنه من غير المقبول المساس بهم في البلاد. وزعم شريف أن الجنرال باجوا ورئيس جهاز الاستخبارات في البلاد (الاستخبارات الداخلية)، كانا وراء الإطاحة به. وأضاف أن «الجنرال باجوا مسؤول عن تزوير انتخابات 2018 وفرض القيود على وسائل الإعلام واختطاف صحفيين وإجبار القضاة على إصدار قرارات من اختياره»، مضيفاً أن قائد الجيش سيضطر إلى دفع ثمن هذه الأعمال. وفي حديثه عن اتهامات الفتنة الموجهة إليه، قال شريف إن ذلك ليس شيئاً جديداً، لأن «الديكتاتوريين» كانوا دائماً يصفون السياسيين بالخونة.
وكانت المحكمة العليا أقالت حكومة شريف عام 2017 في تهم فساد، وسافر الرجل إلى لندن في نوفمبر (تشرين الثاني) للعلاج. وينفي الجيش الباكستاني التدخل في السياسة. ولم ترد وحدة العلاقات العامة بالجيش على طلب لـ«رويترز» للتعقيب. وتجري باكستان الانتخابات المقبلة في عام 2023.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟