لبنان يختنق بمؤشراته وفقره... ولا يستطيع استعمال احتياط الذهب

الخبز والدواء والنقل تنضم قريباً إلى سلّة سلع الرفاهية في البلد المنكوب

لبنان يختنق بمؤشراته وفقره... ولا يستطيع استعمال احتياط الذهب
TT

لبنان يختنق بمؤشراته وفقره... ولا يستطيع استعمال احتياط الذهب

لبنان يختنق بمؤشراته وفقره... ولا يستطيع استعمال احتياط الذهب

يمتلك لبنان احتياطات وازنة من الذهب تناهز قيمتها السوقية 18 مليار دولار أميركي، يُفترض جدلاً أن تقيه شر العِوَز وتفشي الفقر في الزمن الصعب، إلا أن تبديد «القرش الأبيض» من العملات الصعبة الذي راكمه «البنك المركزي» (مصرف لبنان) بتكلفة مرتفعة واستثنائية غالب الأحيان، يشرّع التمسك بقانون «منع التصرف» بهذا المخزون الاستراتيجي الصادر عام 1986، إلى حين يأمن أهل البلد لإدارته وللشروع بالإصلاح وحوكمة مؤسسات الدولة.
هذا الإيجاز الذي استخلصته «الشرق الأوسط» عبر استطلاع ميداني للمسارات الاقتصادية والمالية والنقدية والحلول الممكنة، أثرته بطرح الخيارات الممكنة للجوء إلى الذهب، كملاذ إنقاذي بعدما بلغ الانهيار مستويات حرجة للغاية تهدد الرغيف والدواء والاستشفاء والتدفئة والنقل. ولقد حاورت لهذه الغاية خبيرين كبيرين في شؤون القطاع المالي الذي يشكل النواة الصلبة لكرة ثلج الانهيارات التي دارت على القطاعات كافة، هما: سمير حمود الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف، والدكتور جو سرّوع المصرفي الجامع لخبرات طويلة في مؤسسات أجنبية ومحلية.

واقع الحال في لبنان، عشية ختام السنة الأولى لرحلة الآلام التي تدحرجت ككرة الثلج وتسببت باندلاع أوسع موجات الاحتجاجات الشعبية في 17 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2019 أن البلد والمقيمين فيه من مواطنين ونازحين يناهزون الستة ملايين نسمة، عالقون في عنق الزجاجة «السياسي» الداخلي، مع انسداد منافذ الإنقاذ عقب ترنُّح المبادرة الفرنسية رغم تمديد مهلتها. ولا غرابة في تفشي الإحباط واليأس في أوساط العامة، بعدما فقد الجميع الثقة برجال الدولة ومؤسساتها وإمكانية حصول تحوّل حقيقي يفضي إلى إعلاء المصالح الوطنية والإصلاح على مناهج الفساد والمحاصصة والامتيازات الفئوية والطائفية.
عامل الوقت سيكون ضاغطاً بشدة، وربما يغدو قاتلاً في الأسابيع القليلة المقبلة، كما يجمع المراقبون؛ إذ إن هناك التزامن الحكمي مع ترقب موجة تضخم عاتية ستنتج تلقائياً مع قرب الاستحقاق الزمني لاستنفاذ احتياطات البنك المركزي القابلة للاستخدام من العملات الصعبة. هذا بينما يستعيد الضغط النقدي ثقله النوعي النافذ إلى الاستهلاك اليومي، ويتكفل باقتطاع أجزاء جديدة من المداخيل المترهلة، وتبقى المدخرات في البنوك حبيسة القيود المشددة.
- عوز شديد مرتقب
ولم يعد سراً في إشهار الوقائع المتفشية، التحذير من حدة المخاطر المقبلة وتفاقمها على البلاد واقتصادها وناسها. فالنذر الأولى لمرحلة ما بعد تعذر دعم تمويل السلع الاستراتيجية والغذائية الأساسية بدأت تسود الأسواق من خلال ندرة السلع المدعومة وتهريبها خارج الحدود عن أعين الدولة وأجهزتها. وهي تشي، بحسب إجماع المراقبين والمحللين، بتحوّلات أشد مرارة تصيب القطاعات الاقتصادية بالشلل التام، وتصدم الصامدين من العاملين فيها بانضمامهم الوشيك إلى رفاقهم السابقين المكتوين، الذين تربو أعدادهم على 300 ألف، بنار البطالة التامة والجزئية. أما الأكثر إيلاماً، فستعكسه التداعيات الاجتماعية والمعيشية التي يرجح أن تطلق موجات جديدة وعالية تجرف السواد الأعظم من الناس إلى العوز الشديد.
ومن المرتقب أن تشكل الذكرى السنوية الأولى لاندلاع موجات الاحتجاجات الشعبية، وقوداً إضافياً للتحولات الصعبة المنتظرة ضمن محطات التوقيت الشائك الذي يظلل الأوضاع اللبنانية كافة. فإذا كان فتيل فرض رسم مقطوع على «واتساب» أشعل «ثورة» شعبية غير مسبوقة بشموليتها خارج القيود الطائفية ومداها الزمني المتواصل؛ فكيف يُمكِن تصوُّر مكوّنات المشهد المرتقب عند بلوغ محطة انقطاع الرمق الأخير لاحتياطات العملات الصعبة قريباً، وفقاً لتحذيرات حاكم البنك المركزي، رياض سلامة، وارتقاء الخبز والغذاء والأدوية والمحروقات إلى مصاف سلع الرفاهية الصعبة المنال والمتاحة بيُسر لنسبة ضئيلة فقط قد لا تتخطى 20 في المائة من المقيمين؟!
- حمود: القيمة النفسية للذهب توجب ربط استعماله بالإصلاح الهيكلي
دونما أي تردد أو تهيب، يقول سمير حمود: «لعله من المبكر طرح موضوع الذهب في المرحلة الحاضرة. فلهذا الاحتياط قيمة نفسية عالية ربما تفوق ما يوازيه من قيمة نقدية، والبلد حالياً في وضعية انعدام الوزن، لجهة فقدان الثقة وغياب الرؤى والبرامج والخطط الكفيلة بتفكيك المشكلات وإعادة ترتيب البيت اللبناني الداخلي».
ثم يضيف: «سيأتي حكماً الوقت الذي يمكننا فيه مقاربة موضوع مخزون الذهب وخيارات استخداماته. ومنها على سبيل التعداد لا الحصر: الاستناد إلى قيمته كضمانة مهمة لإعادة جدولة الديون الحكومية الخارجية، وتعظيم الاستفادة المقابلة في استعادة سمعة البلد ومؤسساته في الأسواق الدولية، التي بناها على مدى العقود الأخيرة، حيث لم يخلّ يوماً، ما عدا العام الحالي، بتسديد موجباته واستحقاقات ديونه». كذلك فإنه يمكن استعمال قوة هذا الاحتياط في ضمان استمرارية استيراد المواد الأولية للصناعة الوطنية ضمن خطة سليمة تضمن نهوض الاقتصاد من كبوته الحالية.
«أما أن تقرر الدولة استعمال الذهب كمخزون نقدي متوفر، فهذا ينذر - كما يرى حمود - بأن يتم استهلاك هذه الأصول المتينة على منوال استهلاك الاحتياطات النقدية من العملات الصعبة. وهكذا خيار سيبدد معه بقايا مخزون الثقة بالبلاد وقطاعاتها، ويضيف أوزاناً ثقيلة إلى المشكلات البنيوية التي تكشفت عقب انفجار الأزمات. بل إن مجرد التوجه بذاته، سيضعنا لاحقاً في موقع الفاقد لأي احتمال إنقاذي ممكن وأي إمكانية لإعادة ترتيب أوضاعنا كافة».
ويستطرد الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف، فيقول: «أكرر التأكيد بأنه سيأتي اليوم المناسب للتداول الوطني بموضوع احتياط الذهب وتحديد أوجه استعماله، إنما يجب أن يسبق كل ذلك تأسيس توافق داخلي عريض قوامه استقرار داخلي ورؤى سياسية واقتصادية واضحة وشفافة واتفاقات على معالجات مالية ونقدية ومصرفية صريحة ولا لبس فيها. وبالأخص، راهناً لجهة علاقتنا مع (صندوق النقد الدولي) ومحفّزات المبادرة الفرنسية في إنعاش التزامات مؤتمر (سيدر). كذلك ما يعود إلى علاقاتنا بمحيطنا العربي، وتحديداً دول الخليج، كجزء حيوي ومتقدم من مجمل منظومة علاقاتنا الخارجية».
وبتابع حمود شارحاً: «أما في غياب كل هذه المقتضيات أو الشروط الموضوعية، فإن المس بالذهب سيكون حقيقة رمياً لأصول ثمينة في البحر، وستأكله أسماك نعرفها، وقد لا نستطيع إعادة اصطيادها في أي زمن لاحق. ولذا فلنتمسك بهذا الملاذ ضناً بما تبقى من آمال الناس في استعادة مقوّمات العيش الكريم في وطن مستقر. وليكن سلاحاً حاسماً في معركة الإصلاح حين ينضج وقتها».
- الأزمة ما عادت سعر الصرف أو إعادة هيكلة الدَّين
في الخلفيات التي عايشها سمير حمود عن كثب من خلال مسؤولياته ومواقعه المصرفية والإدارية السابقة، فإنه يعتقد أن الأزمات المستفحلة السائدة لم تعد مسائل سعر صرف أو إعادة هيكلة دين. بل هي حقيقة أزمة وجود دولة تحترم تعهداتها في الداخل والخارج، ولا تقبل أن تمارس مؤسساتها أعمالاً تخالف القانون والدستور. وهذا ما يقتضي أن ترتكز منطلقات الحلول على مبادئ احترام الحقوق والوفاء بالالتزامات، ولا يعتقدن أحد أن البلاد يمكن أن تقف مجدداً إذا سرقت أو بددت أموال الناس.
ثم يوضح: «لبنان هو بلد تحويل أكثر مما هو بلد تصدير. ولو أننا نعشق الاقتصاد المنتج فإن البناء وإعادة البناء لا يتحققان بالتمني بل بالاستناد إلى أعمدة ثابتة صلبة قوامها العدل والنظام. إن الأحاديث عن المال المنهوب لا علاقة له بالأزمات لأن التصدي للفساد والنهب والسرقات واجبات الدولة الصحيحة سواءً كانت في بحبوحة أم في ضيق. وصحيح أن الأزمة انفجرت نقداً، لكن مسبباتها مالية وسياسية. وهذا يعني أن الحل وجب أن يأتي سياسياً. بينما، في غياب التصحيح السياسي ستبقى المعالجات ناقصة، ولن تضمن العودة إلى الوضع الذي اعتاد لبنان واللبنانيون العيش في ظلاله».
لقد أظهر لبنان على مدى عقود مستوى عالياً في العيش وحرية الانتقال في الداخل والخارج. إنما اعتبر كثيرون - وفق سرد حمود - أن «اللبنانيين ينفقون أكثر مما ينتجون، وأن نمط العيش محكوم بالتغيير لتقلص الموارد في الفترة المقبلة. وهذا الكلام يتصف ببعض الصحة. لكن يجب ألا يغرب عن البال أن مظاهر الغنى والرقي مطلوبة لاستمرار اقتصاد لبنان، إذ إن قطاع الخدمات في لبنان لا يقل، ولا يجوز أن يقل، عن أي من القطاعات الاقتصادية الأخرى، وإن كنا نؤيد الدعوة المحقة لإعطاء القطاعات الإنتاجية الأهمية والدعم لأجل التحول إلى بلد إنتاج».
وعن تصوراته لاقتراحات الحلول المطلوبة يرى حمود أنه «من الناحية التقنية تأخذ المعالجات عادة أحد مسارين: إما مسار التصفية أو مسار الاستمرارية. الأزمة الحالية تتناول مالية الدولة ورساميل مصرف لبنان والمصارف وأموال المودعين. والمعالجات توجب الحفاظ على هذه الأموال وعلى المؤسسات وسمعة البلاد، ولا تفيد (الهندسات) الرقمية أو الورقية ما لم تضمن ضخ أموال جديدة تضمن إعادة النهوض» ولذا، فهو يعتبر أن «مسار الاستمرارية حتمي. ويتطلب ذلك معالجة الأسباب وإعطاء الأهمية لمصادر تغطية أي خسائر أو فجوات، بدلاً من الضياع بتقديرات مبالغ الخسائر المحققة، لأنه لا فائدة تُرجى من أن نضع أنفسنا في دائرة العجز والتنصل من الالتزامات بدلاً من البحث عن إمكانات التغطية أو الاستمرارية، وألا نحوّل المعالجة إلى مسار التصفية».
- الكهرباء... الكهرباء... الكهرباء
وفقاً لهذا الخيار، يجد حمود أن الحلول الناجعة لا بد أن تبدأ «بتوازن المالية العامة، ذلك أن العجز ناتج أساساً عن الفوائد وتراكمها وعجز الكهرباء. وبما أن الفوائد بمعظمها تعود للمصارف ومصرف لبنان، فإن المطلوب معالجة مشكلة الكهرباء التي غدت عنواناً عريضاً لتخلف لبنان واللبنانيين، ثم اللجوء إلى إيقاف الفوائد، والعمل على تعزيز الحساب الأولي، وربط الإنفاق الاستثماري بالفائض الحاصل، والإبقاء على رصيد يشكل نواة المعالجة لإعادة هيكلة الدَّين. إن مقاربة الدَّين في تخفيضه أو تسديده قبل توازن المالية العامة لن تؤدي إلى نتيجة، لأن مصادر التسديد الجزئي أو الكلي غير متوافرة، كما أن توازن المالية العامة لا يتحقق من دون إصلاحات حقيقية تعالج بنود الإنفاق وتوزّعها على ثلاث فئات أساسية تشمل الرواتب والتعويضات والكهرباء والفوائد».
في المحطة الموازية، يشير حمود إلى وجوب مصارحة المودعين في البنوك قانونياً بأن الوديعة بالدولار هي «دولار لبناني» غير قابل للتحويل نقداً أو خارج البلاد. وحتى إشعار آخر، سيُصرف في السوق المحلية وفق السعر المعتمد على منصة البنك المركزي. وهو يقدّر، في المقابل أن «الكلام عن تحرير سعر الصرف في غير محله أيضاً. فالسعر الحر هو الذي يساوي العرض مع الطلب، ولا يمكن في الحال هذه التوازن في ظل احتباس ودائع بنحو 125 مليار دولار، واكتناز الدولار عند توفره. فعندها وفي حال التحرير، يمكن أن يصل الدولار إلى ستة أرقام. ولذا لا بد من التعايش مع سعرين والقبول ضمناً بالسوق السوداء ومحاربتها علناً وبجدية للحؤول دون الفوضى».
أما بشأن الدين العام البالغ نحو 94 مليار دولار، فيعتبر حمود أن معالجته كي يتناسب مع الناتج المحلي «أمر أساسي، غير أن تخفيضه عن طريق الاقتطاع من الأموال الخاصة للمصارف وأموال المودعين يشكل خطيئة كبرى، لأن ذلك ينهي النظام المصرفي، ولا يضخ أي رساميل في السوق المحلية». ويوضح: «هدف التخفيض هو الأساس. إنما الأسلوب والمدة يختلفان عن الطرح الحكومي الذي تم التداول به مع خبراء (صندوق النقد). والخلل بالسداد لم يكن صائباً، ويجب تصحيحه بتكليف مصرف لبنان والمصارف شراء السندات بحسومات كبيرة لحصر المديونية داخلياً. هذا الأمر يسهل معالجة الدَّين أولاً بتخفيض التكلفة، وثانياً بإعادة الجدولة لمدة كافية لتمكين الدولة من احترام التزاماتها. وهذا الاقتراح يتناسب طرداً مع معالجة الودائع لأن تمديد فترة السداد يقابله حبس الودائع قصراً، وأيضاً تخفيض كلفتها على المصارف».
- سرّوع: الثقة أولاً... ولدى الدولة عوائد قابلة للتسنيد وجذب التمويل الإسلامي
يعتبر الدكتور جو سرّوع، من جهته، أن «الذهب كان ولا يزال الملاذ الآمن للعملات الوطنية، ودعم قيمتها واستقرارها إزاء الدولار كعملة تداول عالمية. وبالتالي، التفكير المنطقي أن تعمد الدول والبنوك المركزية إلى استثمار مخزوناتها من «العملة الصفراء المتينة». فهو قابل للاستخدام كضمانة للاستدانة في الأسواق الدولية بفوائد متدنية للغاية. وهو أيضاً قابل لدر مردود عبر التأجير أو الإعارة لدول تحتاج إليه، إنما مع تحسّب سليم للمخاطر. وربما الأهم حالياً جاذبيته النوعية للتمويل الإسلامي الفائض في الأسواق، مع تعظيم المردود المتوخّى كون التمويل الإسلامي في هذه الحالة يفوق التمويل التقليدي في التكلفة والجدوى وسرعة التعاقد».
ويستدرك سروع ليقول: «لكن هذه القواعد المجزية لا تتفق مطلقاً مع حالة لبنان المُزرية. فالوضع السياسي الشائك، والتدهور الاقتصادي، وانعدام التنافسية، وانهيار الليرة، وأزمة المالية العامة المستعصية، وتدني التصنيف الائتماني السيادي، وشلل قطاعات الإنتاج، كلها عوامل تتضافر للاستنتاج البديهي بأن الظروف غير مهيأة لمقاربة موضوع احتياطات الذهب. ثم إن حقيقة توزّع الكميات المخزّنة بين لبنان وسويسرا والولايات المتحدة، يضيف عقدة مهمة تجبه (حرية) أي قرار بالاستعمال. إذ أنها تتطلب مسبقاً مفاوضات شاقة لإقناع (المؤتمَنين) على الذهب بسلامة وشفافية استثماره في خدمة نهوض الاقتصاد والتنمية، وليس لغايات نقدية تؤدي إلى تبديده».
«هل توجد خيارات ذات أسبقية وأفضلية؟» يسأل الخبير في الصيرفة الاستثمارية ويجيب: «نعم... لبنان يملك أصولاً تتناسب مع مواصفات التمويل في الأسواق الدولية، وبالأخص التمويل الإسلامي، ما يؤمّن له تدفقات يحتاج إليها بالعملات الأجنبية؛ فإذا انتظمت الدول ومؤسساتها في مسار سياسي سليم، والتزمت خطة إصلاح هيكلية شاملة، يمكن اللجوء إلى تسنيد و/ أو توريق العوائد التي تجبيها مؤسسات مربحة تملكها الدولة، على غرار قطاعات الاتصالات والمنافذ البحرية والجوية والأملاك البحرية وشركتي (إنترا) و(طيران الشرق الأوسط). ويمكنها أن تؤسس بذلك لاحقاً لتسنيد العوائد المرتقبة من ثروة الغاز والنفط الموعودة في المياه الإقليمية».
- أولوية الحلول السياسية والاستقرار الداخلي
ويتابع سروع: «استباقاً، هناك أولوية الحلول السياسية وإرساء دعائم الاستقرار الداخلي. هذا هو المدخل الإلزامي للشروع بتنفيذ خطة متكاملة لإعادة هيكلة اقتصادية ومالية، وإعادة بناء شبكة أمان اجتماعي شاملة ومستدامة. هذه محطات حيوية دونها صعوبات كثيرة ينبغي مقاربتها بعقلانية، وفي مقدمها فتح خطوط الإمداد المالي الخارجي عبر صندوق النقد الدولي والتجاوب مع المبادرة الفرنسية التي تتضمّن وعوداً على أعلى مستوى بإنعاش التزامات مؤتمر (سيدر). فضلاً عن أهمية تطوير الموارد البشرية واعتماد الفكر المصرفي الحديث المرتكز على إدارة المخاطر وبناء التنافسية المتقدمة، وإعادة هيكلة جذرية على كل الصعد البشرية والإدارية والتنظيمية».
ويجزم سروع بأن «المطلوب في المقام الأول هو إعادة الثقة في الدولة، وباستعادتها سيادتها واعترافها وليس تنصلها من مسؤولياتها، بما يشمل الإيفاء بديونها وتعهدها المطلق بإيفاء دينها السيادي. وهي محطة الانطلاق لتفعيل الدولة وإنتاجيتها وتعزيز شفافيتها، وتحقيق الإصلاحات المطلوبة من الخارج كما من الداخل. إن إعادة التموضع السياسي السليم مهمة واجبة لمصلحة البلد. وتستجيب طرداً لمطلب الإصلاح الذي ينشده المواطنون وغالبية الدول المانحة للبنان. ويعبّد الطريق لانطلاقة جدية لأية خطة تعافٍ للبلد بشقيها الآني والاستراتيجي، فتصبح حقاً دولة في خدمة الوطن واقتصاده ومواطنيه».


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

كاتس
كاتس
TT

يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

كاتس
كاتس

راهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قدرة وزير دفاعه الجديد يسرائيل كاتس، الذي يصفه بـ«البلدوزر»، في تحقيق ما يراه «انتصاراً حاسماً» في غزة، واستعادة المحتجزين في قطاع غزة، منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وذلك بعد أشهر من صراع نتنياهو الشخصي مع الوزير السابق يوآف غالانت، انتهى إلى إقالة الأخير. ما يلفت اهتمام المراقبين أن كاتس، الذي هو الحليف الأقرب لنتنياهو في معسكر «الصقور» الليكودي، لا يتمتع برصيد خبرة عسكرية سابقة، ولكن عليه أن يكمل حرباً مستمرة ضد حركة «حماس»، للرد على هجومها في 7 أكتوبر، الذي تسبب في مقتل 1206 أشخاص وأسر 251 شخصاً، لا يزال 97 منهم محتجزين في غزة، ويقول الجيش إن 34 منهم ماتوا.

لم يشغل يسرائيل كاتس أي منصب قيادي كبير في الجيش الإسرائيلي، بعكس سلفه يوآف غالانت، الذي كان جنرالاً قبل أن يصبح وزيراً للدفاع في 2022. إلا أن بنيامين نتنياهو أظهر ثقة في خبرته الواسعة وقيادته، قائلاً إنه «مجهز جيداً لقيادة الجهود الدفاعية خلال هذه الفترة الحرجة»، وفق ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت».

في المقابل، حرص وزير الدفاع الإسرائيلي المعيّن في تصريحات أولية على إظهار الولاء لأهداف نتنياهو التي لم يعد يثق في إدارة غالانت للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان.

وفق هذا التقدير، جاءت أول تصريحات كاتس لتعطي الأولوية لإعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة و«تدمير» حركة «حماس» الفلسطينية، و«حزب الله» اللبناني.

خلفية شخصية

لا تتوفر تفاصيل كثيرة عن نشأة وزير الدفاع الجديد، بيد أن المتداول إعلامياً هو أنه وُلد عام 1955 في مدينة عسقلان الساحلية، بإسرائيل لوالدين من منطقة ماراموريش في رومانيا، هما مئير كاتس ومالكا نيدويتش. وهو حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من الجامعة العبرية في القدس المحتلة، ثم نال دبلوم الدراسات العليا من الجامعة نفسها.

اجتماعياً، فإن كاتس الذي يقيم في مستوطنة «موشاف كفار أحيم» متزوج ولديه ولدان، ويجيد العمل في الزراعة، وفق موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية.

التحق كاتس بالجيش عام 1973، لكن الملاحظ أن علاقته مع المؤسسة العسكرية توقفت عند عام 1977؛ إذ خدم في صفوف قوات المظلات قبل هذا التاريخ بـ4 سنوات، ثم تطوّع في لواء المظليين وتدرّج في المناصب العسكرية ليصبح ضابط مشاه في عام 1976، قبل أن يترك الخدمة عام 1977.

مع مسيرته السياسية

على الصعيد السياسي، كان تيار الصقور المتشددين هو الاختيار المبكر لكاتس؛ إذ التحق بحزب الليكود اليميني الذي يرأسه نتنياهو، كما أن الصدفة قادته إلى عضوية الكنيست منذ عام 1998 بديلاً لإيهود أولمرت، وبالفعل عمل كاتس في عدد من لجانه، قبل أن يشغل مناصب وزارية عدة خلال العقدين الماضيين، منها وزير الزراعة، والنقل، والمخابرات، والمالية والطاقة.

بدأ مسار كاتس الوزاري مع الوزارات السيادية في عام 2019؛ إذ دشن ولايته الأولى وزيراً للخارجية، وشغل في الوقت نفسه منصب وزير الاستخبارات، كما شغل منصب وزير المالية وأدار السياسة الاقتصادية إبّان جائحة «كوفيد - 19» التي ضربت العالم.

متطرف استيطاني...في وزارة الخارجية

ووفق تسوية سياسية لتداول المناصب، جرى تعيين كاتس وزيراً للطاقة والبنية التحتية في يناير (كانون الثاني) 2023، ليتبادل المنصب مع وزير الخارجية إيلي كوهين، ومن ثم يبدأ كاتس بعد سنة واحدة فترة ولايته الثانية وزيراً للخارجية.

ما يُذكر هنا أن رؤية كاتس المتطرفة حيال «حرب غزة،» - التي لا يستبعد محللون أن تنعكس على أدائه العسكري - تنطلق من القول إن إسرائيل «كانت في ذروة الحرب العالمية الثالثة ضد إيران». وهو يتمسك في الوقت ذاته «بالتأكيد على أولوية إعادة المحتجزين لدى (حماس) في غزة»، وفق تصريحات أطلقها عبر منصة «إكس» في يناير الماضي.

وفي الحقيقة، عُرف كاتس بشخصيته الصدامية منذ وقت مبكّر، حين أُوقف عن رئاسة الاتحاد في الجامعة لمدة سنة في مارس (آذار) 1981، إثر مشاركته في أنشطة عنيفة احتجاجاً على وجود طلاب أراضي 48 بالحرم الجامعي. وفي مارس 2007 لاحقته تهم الاحتيال وخيانة الأمانة، بعدما أقدم على تعيينات في وزارة الزراعة بُنيت على محاباة سياسية وعائلية.

انعكس السلوك العدواني هذا - حسب مراقبين - على نهج كاتس الدبلوماسي مع الفاعلين الدوليين؛ إذ أثار أزمة دبلوماسية بعد وقت قصير من تعيينه لأول مرة وزيراً للخارجية، عندما قال إن البولنديين «يرضعون معاداة السامية».

غوتيريش وبلينكن

وكان مفاجئاً، إعلانه وبصفته وزيراً للخارجية، أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «شخص غير مرغوب» فيه بسبب امتناع غوتيريش عن التنديد بالهجوم الصاروخي الإيراني في أكتوبر (تشرين الأول).

وأيضاً، في الشهر عينه، صدرت أوامر كاتس القاطعة لمسؤولين في وزارة الخارجية «ببدء إجراءات قانونية ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعدما حظرت باريس مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض تجاري بحري عسكري».

لكن البارز في «مشوار» وزير الدفاع الجديد مع حقيبة الخارجية، هو أنه لم يكن ضمن الشخصيات البارزة في المباحثات الإسرائيلية - الأميركية خلال 11 زيارة أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023؛ إذ لم يعقد بلينكن سوى اجتماعات قليلة مع كاتس.

ومن ناحية ثانية، يلاحظ محللون مشاريع سياسية مثيرة للجدل والغضب العربي تبناها كاتس؛ إذ إنه صاحِب «خطة» زيادة عدد المستوطنين في مرتفعات الجولان بشكل كبير، التي قدّمها للكنيست في يناير 2004. وكذلك كان كاتس قد لوّح بالاستقالة من الحكومة احتجاجاً على خطة رئيس الوزراء السابق آرييل شارون للانسحاب من قطاع غزة من طرف واحد في مارس 2004.

لا لافتات عربية

من بين المواقف الأخرى لوزير الدفاع الجديد التي رصدتها تقارير إعلامية عربية، هي قرار تغيير لافتات الطرق الموجودة بحيث تكون جميع الأسماء التي تظهر عليها بالعبرية، خلال فترة عمله وزيراً للمواصلات في حكومة نتنياهو عام 2009، وبعدها بـ7 سنوات حثّ على «استخدام عمليات التصفية المدنية المستهدفة أو الاغتيالات» ضد قادة الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل «حركة بي دي إس».

وبالتوازي، لا يخفي مراقبون فلسطينيون وعرب مخاوفهم من إحياء مشروع قديم جديد سبق أن طرحه كاتس لبناء «جزيرة صناعية»، وأعاد الحديث عنه بعد توليه حقيبة الخارجية في يناير الماضي. وتعود التفاصيل الأولى لهذا المشروع إلى عام 2011. ووفق مقطع فيديو نشره كاتس عندما طرح الفكرة آنذاك، فإن الجزيرة يفترض أن تقام على بعد 4.5 كيلومتر قبالة سواحل قطاع غزة، وستكون بطول 4 كيلومترات وعرض كيلومترين، وبمساحة تصل إلى 5400 دونم (الدونم 1000 متر مربع). وهي ستضم، حسب المخطط الإسرائيلي، ميناءً للسفر ونقل البضائع، ومخازن، ومحطة تحلية مياه، ومحطات للكهرباء والغاز، ومراكز لوجيستية.

فيما يخص الإجراءات الأمنية، يوضح الفيديو أن إسرائيل ستبقى مسيطرة على محيط الجزيرة، وعلى إجراءات الأمن والتفتيش في موانئها، بينما ستتولى قوة شرطة دولية مسؤولية الأمن على الجزيرة وعلى نقطة تفتيش ستقام على الجسر الذي سيربط قطاع غزة بالجزيرة، بالإضافة إلى إنشاء جسر متحرك يمكن تفكيكه بحيث يقطع التواصل بين الجزيرة وقطاع غزة.

 

 

لا يخفي مراقبون فلسطينيون مخاوفهم من إحياء مشروع قديم سبق أن طرحه كاتس لبناء «جزيرة صناعية» قبالة ساحل غزة

تهجير غزة... وغيرها

الخطير أن هذا المقترح حظي آنذاك بتأييد نتنياهو ودعم قادة في أجهزة الأمن الإسرائيلية؛ ما يطرح تساؤلات متابعين حول سيناريوهات التمهيد لهذا المشروع مع وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد بالمضي قدماً فيما يوصف بـ«مخطط تهجير الفلسطينيين»، لكن إلى البحر هذه المرة.

وإلى جانب رفضه وقف الحرب على غزة، يُعرف يسرائيل كاتس بتأييده لتوسيع السيطرة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، ودعمه القوي للاستيطان، ورفضه حل الدولتين. فهو يفضّل إنشاء كيان فلسطيني مستقل يرتبط مدنياً وسياسياً بالأردن، ويدعو إلى ربط قطاع غزة بمصر، ويبدو كاتس أكثر تشدداً من نتنياهو في بعض المواقف، مثل رفض إخلاء المستوطنات، الذي «سيؤدي إلى تحوّل المستوطنين لاجئين»، وفق صحيفة «إسرائيل هيوم».