أسماء من حكومة الخصاونة جمعت الخبرة والتاريخ

لم تكن المصادفة وراء اختيار أسماء في حكومة رئيس الوزراء الجديد بشر الخصاونة، التي أقسمت اليمين الدستورية الإثنين الماضي. إذ تحزّم الرئيس بأسماء تستند إلى تاريخ في العمل العام، وخبرات تمتد بصلتها لشخصيات تركت أثراً في وجدان الأردنيين.
وفي حين استعان الخصاونة بوزراء عبروا العهدين؛ عهد الراحل الملك الحسين وعهد الملك عبد الله الثاني، فقد استند هؤلاء على قواعد شعبية وروافع الخبرة في العمل العام، ولديهم ملكة الاشتباك في أي حوار مهما بلغ سقفه واشتدت حدته... وهو العنصر الأهم الذي غاب عن الحكومات. أي عنصر المواجهة مع الرأي العام.
نائب رئيس الوزراء وزير الإدارة المحلية توفيق كريشان، ينتمي لطبقة المحافظين من النخب. ويستند إلى تجارب واسعة، وهو واحد من الشخصيات التي جمعت بين العمل النيابي في مجلس النواب عام 1993، والوزارة، والعينية (عضوية مجلس الأعيان). ولذا، وصف الرجل كوزير عابر للحكومات، وعين في مجلس الملك لعدة دورات، وعُرفت عنه جرأة الاشتباك مع المجتمع بلهجة شعبية قريبة من الإقناع.
ومن عناصر تمكين فريق الرئيس الجديد لحكومته، استدعي الوزير والنائب والسفير الأسبق محمد داودية لدخول الحكومة وزيراً للزراعة. بيد أن العارفين يدركون أن داودية ليس من وزراء التكنوقراط، وهو يستند لإرث الخبرة في العمل العام إبان توليه موقع المستشار الإعلامي للراحل الملك الحسين العام 1992، وترشح بعدها للانتخابات النيابية 1993 ممثلاً محافظة الطفيلة جنوب البلاد. ثم عيّن وزيراً للشباب في حكومة عبد الكريم الكباريتي منتصف تسعينات القرن الماضي، وبعدها عمل سفيراً في عدة عواصم. ثم عاد وزيراً للتنمية السياسية في حكومة فيصل الفايز عام 2003، ليستقر داودية قبل عودته للحكومة رئيساً لمجلس إدارة «الدستور» الصحيفة الأقدم في الأردن، مشتبكاً عبر كتابته لمقالات رأي أثارت جدلاً واسعاً في أكثر من محطة.
ولا يقل عن كريشان وداودية في تراكم التجربة وإرث الخبرة وزير الخارجية أيمن الصفدي. إذ إن تاريخ الصفدي المهني يعود إلى أكثر من 30 سنة، معظمها اقترب فيها الصفدي من مراكز القرار. فخدم في مكتب ولي العهد الأسبق الأمير الحسن بن طلال نهاية تسعينات القرن الماضي مستشاراً إعلامياً، لينتقل بعدها مستشاراً مقرباً من الملك عبد الله الثاني في عدة محطات، قبل أن يجلس نائباً لرئيس الوزراء سمير الرفاعي العام 2009. ثم يعود عام 2016 نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للخارجية. وأيضاً، ترأس الصفدي عدداً من المؤسسات الإعلامية، وسُجل للرجل تكريسه «لنهج في استقلالية خطوط التحرير»، كما ينقل عنه زملاء له.
وإن حسبت الأسماء هذه على طبقة المحافظين في البلاد، فقد مكّن الرئيس الجديد حكومته بأسماء تستند لكفاءة في مواقع شغلتها، كما تستند في إرثها العائلي لشخصيات حفرت في وجدان الأردنيين أثراً عميقاً، دون أن تغادر ذكراهم سيرة تاريخ البلاد.
كمثال هناك «نواف وصفي» سعيد «مصطفى وهبي» التل، وهو نجل الوزير والأكاديمي سعيد التل، وابن شقيق رئيس الوزراء الأسبق الشهيد وصفي التل الذي اغتيل في القاهرة عام 1971. كما أنه حفيد شاعر الأردن «مصطفى وهبي» التل الملقب بـ«عرار»، وهو الشاعر الذي ما زالت الأجيال تردد شعره وتحفظه.
الشاب الأربعيني «نواف»، سمّي بناء على وصية عمه وصفي التل قبل اغتياله، لكن العائلة اختارت أن تجعل اسمه مركّباً، لحفظ اسم «وصفي» بينها، وهي قصة استمعت لها «الشرق الأوسط» من السفير والوزير التل نفسه.
نواف التل دخل فريق الخصاونة وزيراً للدولة لشؤون المتابعة والتنسيق الحكومي، ولقد مثل سفارة المملكة في هولندا. وقبلها تولى ملفات مهمة في الخارجية، وتحمل أعباء تمثيل الوزارة في اجتماعات سرية ومعلنة، معظمها تعلقت بالملف السوري وجهود مكافحة الإرهاب، صانعاً لنفسه سمعة ومكانة أهلته أن يكون القريب دائماً في تشكيل الحكومات. ولعل تقاطع الملفات بين الخصاونة والتل خلال فترة عملهما في وزارة الخارجية صنعت منهما ثنائية التوافق على أكثر من ملف.
أيضاً، الاسم الجديد في حكومة الخصاونة الذي يحمل الأردنيون له ذكرى متميزة في العمل السياسي والحزبي هو «محمد سلامة» فارس سليمان النابلسي حفيد رئيس الوزراء الأسبق سليمان النابلسي، الذي شكل الحكومة البرلمانية الحزبية الوحيدة في البلاد عام 1956. وهي التجربة التي لم تعمر طويلاً.
النابلسي الجد رشحه الحزب الوطني الاشتراكي، صاحب الحصة الكبرى من مقاعد برلمان عام 1956 لتشكيل حكومة ائتلاف حزبي استمرت حتى منتصف العام 1957. قبل أن يُحل المجلس وتُقال الحكومة. النابلسي الحفيد عيّن وزيراً للشباب في حكومة الخصاونة، وكان قد عمل أميناً عاماً في المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وهو معروف بديناميكيته في العمل بعيداً عن أضواء الإعلام وسحره، وله حضور شعبي يستند فيه إلى سمعة جده ووالده.
وفي حين اختار الخصاونة وزراءه أيضاً، ساعياً لتمثيل واسع للأصول والجغرافيا، فقد ظفر إبراهيم مشهور حديثة الجازي، نجل القائد العسكري الفريق مشهور حديثة الجازي، قائد «معركة الكرامة»، التي انتصر فيها الجيش الأردني على إسرائيل عام 1968، بحصة من الوزارة الجديدة. وتسلم الجازي حقيبة وزير الدولة للشؤون القانونية، مع العلم، أنه أكاديمي وقانوني سبقت له المشاركة في حكومة عون الخصاونة عام 2011 – 2012، إذ إنه يتمتع بقدرات قانونية ظلت تؤهله دائماً للعودة إلى المواقع خصوصاً، وكان عضواً في مجلس الأعيان الأخير الذي تشكل نهاية الشهر الماضي، ليستقيل أخيراً احتراماً للعرف السائد بتحاشي الجمع بين موقعي «العينية» والوزارة.
ويضاف إلى ما تقدم أن حكومة الخصاونة ضمت أسماء لها حضور اجتماعي وازن، وتركت في الذاكرة القريبة مواقف قد تدعم شعبية الحكومة، فوزير الإعلام علي العايد، العائد من سفارة المملكة في القاهرة يمتلك قدرات عالية في الدبلوماسية، ويدرك نقاط الضعف في الرواية الإعلامية الرسمية. أما وزير التنمية السياسية والشؤون البرلمانية، الحزبي والنقابي موسى المعايطة، فيظل ممسكاً بملف الحوار مع الأحزاب والقوى السياسية، راعياً معادلة الممكن والصعب في آفاق العمل الحزبي على المستوى الوطني، وهو العمل الذي يواجه تحديات مركبة بفعل تركيبة الأحزاب من جهة، وبفعل تفكير الحكومات من جهات.