دعوة لدخول عالم الفنان الهولندي فان غوخ عبر كلماته وخطوطه وألوانه، هي دعوة للانغماس في مخيلة وأحاسيس عبقري اللون وضربات الفرشاة الذي حفر مكانه في الوجدان العالمي تماماً كما حفر أخاديد من الألوان على لوحاته. الدعوة يقدمها متحف فان غوخ بأمستردام عبر معرض «محبك فنسنت... أعظم خطابات فان غوخ». يختار المعرض لعنوانه العبارة التي ذيّل بها فان غوخ رسائله لشقيقه ثيو، ويعرض 40 من الخطابات الشهيرة التي كتبها من أصل 820 خطاباً تختبئ في مخازن المتحف الشهير ولا تعرض كثيراً نظراً لرهافتها.
خطابات الفنان تحمل في طياتها الكثير؛ ما جعل تفاصيل حياته تمتزج بفنه، خاصة أن الرسائل تحمل رسومات، بعضها تحول للوحات، وبعضها الآخر سجل أماكن حل بها الفنان.
عبر الخطابات يسجل فان غوخ نفسه كاتباً مرهفاً، ويقول في أحد خطاباته «هناك فن في الخطوط والألوان، ولكن هناك فن الكلمات الذي سيستمر مثله تماماً».
في العرض رسائل لها أهمية خاصة، مثل أول خطاب كتبه فان غوخ لأخية ثيو، وخطاب مشترك كتبه مع الفنان بول غوغان لصديقهما الفنان بيير بونار.
المعرض لا يكتفي بعرض الخطابات، على أهميتها، بل أيضاً يحرص على الجمع بين الرسائل التي تحمل رسومات مبدئية واللوحات الكاملة جنباً لجنب. وبهذا يحس الزائر وكأنه كان مصاحباً لرحلة تكوين اللوحة أو «كأنه كان يقف خلف الفنان وقت تكوينه للوحاته»، حسب تعبير منسقي العرض، من فكرة ورسم أولي إلى لوحة مكتملة.
ترى إيميلي غوردنكر، مديرة متحف فان غوخ، أن خطابات الفنان المعذب لها وقع خاص، خصوصاً في أيام فيروس كورونا، ربما عبر معاني الوحدة والحاجة إلى الحب والصداقة، ورؤية لمعاني الحياة والموت التي يتناولها، وترى أنها موائمة لأوقاتنا هذه «فنحن كلنا نحاول التواصل مع بعضنا بعضاً بطريقة أو بأخرى، معظم الخطابات هي من فنسنت إلى ثيو تتحدث عن الفن وعن تطوره الشخصي وحالته العاطفية».
من اللوحات التي تعرض إلى جانب الخطابات لوحة «حجرة النوم» التي قال عنها الفنان في خطاب «خطرت لي فكرة جديدة، وهذه هي الخطوط الأولية لها... هذه المرة ستكون (اللوحة) ببساطة عن حجرة نومي».
من المعرض أيضاً لوحته «آكلو البطاطس» إلى جانب الخطاب الذي حمل بذرة اللوحة، هناك أيضاً بعض من الخطابات التي كتبها خلال الفترة التي قضاها في المصحة في جنوب فرنسا والتي تصور مرحلة صعبة حزينة، كتب في أحدها «لهذ السبب لم أصل لمرحلة أستطيع فيها ترك هذا المكان، سأظل حزيناً على كل شيء».
في خطابه الأخير الذي أرسله لأخيه ثيو يقول «بالنسبة لي فأنا أكرّس نفسي للوحاتي بكل الاهتمام». ويوجد في العرض أيضاً رسالة أخرى غير مكتملة حملها فان غوخ في جيبه يوم أطلق النار على نفسه يوم 27 يوليو (تموز) 1890.
وحسب نينك باكر، منسق المعرض، فالعرض يمنح الزوار إطلالة خاصة على تطور الفنان، ويتمنى أن يكون بمثابة مقدمة لجيل جديد «فنسنت فان غوخ كتب عدداً ضخماً من الخطابات، وصلنا منها 820 خطاباً نجت بفضل شقيقه ثيو. فنسنت وثيو هما بطلا المعرض والذي يدور حول العلاقة بين الخطابات والفن المتمثل في رسومات بالحبر على الأوراق المزدحمة بالأسطر. والعلاقة الوثيقة بينهما التي توثقت مع امتثال فنسنت لنصيحة ثيو بممارسة الرسم. كان يكتب عن كل شيء يريد فعله، وكانت كتابته جميلة». وإلى جانب اللمحات الفنية يرى المنسق أن الرسائل تعكس معاني مختلفة من الحب الأخوي إلى الحب والاحتياج والطموح «كل ذلك هنا، نحس بأنها معاصرة وقريبة منا».
تعكس الرسائل أيضاً اهتمامه برسم الأشخاص العاملين مثل المزارع والصياد، ويصف أيضاً حلمه بتكوين خلية من الفنانين في جنوب فرنسا، كما يطلب من شقيقه إمداده بفرش للرسم ليستطيع العمل خلال وجوده في المصحة.
يقول باكر، إن الخطابات الأخيرة «حزينة جداً»، «يشعر بأنه يشكل حملاً ثقيلاً على شقيقه، وأنه لن يتحسن أبداً. مأساة أن فناناً خلق كل هذا الفن الجميل أنهى كل شيء بنفسه».
«مُحِبُك فنسنت»... معرض يغوص في خطابات فان غوخ لأخيه ثيو
هناك فن في الخطوط والألوان... لكن هناك أيضاً فن الكلمات سيستمر مثله تماماً
«مُحِبُك فنسنت»... معرض يغوص في خطابات فان غوخ لأخيه ثيو
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة