معرض «أمومة»... حوارات تجريدية عن الحنين للوطن والعائلة

يقدم 15 عملاً للفنان سام شندي

معرض «أمومة»... حوارات تجريدية عن الحنين للوطن والعائلة
TT

معرض «أمومة»... حوارات تجريدية عن الحنين للوطن والعائلة

معرض «أمومة»... حوارات تجريدية عن الحنين للوطن والعائلة

فاجأ غاليري الزمالك بالقاهرة جمهوره بمعرض استثنائي في بداية الموسم الفني الجديد باستضافته أعمال النحات البريطاني - المصري، سام شندي لأول مرة في مصر، والذي فاجأ المتلقي بدوره بمنحوتات مجبولة بمعانٍ إنسانية فياضة تعبق بمشهدية مشبعة بالحنين للوطن الأم بعد غياب 20 سنة هي سنوات إقامته في الخارج.
جاءت منحوتات سام التي يضمها معرضه «أمومة» عامرة بمشاهد بصرية تكشف عن مشاعره وأحاسيسه المتدفقة تجاه الجذور، وفي الوقت نفسه مشبّعة بالحداثة والجمال والبهجة، فتجعلنا نحلّق في عوالم متعددة وكأننا بصدد فن النظرة المخادعة (trompe l’oeil) رغم أنها منحوتات؛ وذلك من فرط تعدد أبعادها وتميزها بطابع المراوغة لدى المتلقي الذي يقف أمامها يدقّق فيها من جميع النواحي، محاولاً اكتشاف سر تأثيرها عليه، ومكمن هذه الوجدانيات في أعمال تتسم ببساطة طرح متناهية، حيث يستند سام إلى التجريد والتلخيص الشديدين في تجسيد شخوصه، إلى أن يصل المتلقي إلى أن ثمة معاني عميقة وأحاسيس جياشة تقف وراءها.
يقول شندي لـ«الشرق الأوسط»، «تشبعت في مصر بقدر هائل من الحنان والدفء الأسري، كانت أمي مصدراً للحب والعطاء، كما كانت تحيط بي مشاعر جميلة من جانب الكثير من سيدات العائلة، مثل الخالة والعمة والجدة، وجعلني ذلك منذ نعومة أظافري أقدّر مكانة المرأة، وأرصد معاناتها، وتضحياتها في أعمالي بشكل عام؛ ولذلك أيضاً عندما عرض عليّ غاليري الزمالك إقامة معرض في مصر، قررت أن يكون عن الأمومة؛ لأنها تمثل بالنسبة لي الأم والوطن وأروع الذكريات».
إلى هذا، تعكس أعماله التعبيرية التجريدية (نحو 15 عملاً من الفايبر جلاس) بالمعرض المستمر حتى 2 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل رؤيته لمشاعر الأم في علاقتها بطفلها، بداية من مرحلة التكوين، وصولاً إلى النهاية، وخلال ذلك يبرز علاقة المرأة بجسدها ومشاعرها والرحلة التي تخوضها في سبيل منح هذا الكائن الصغير الحياة.
«عشت عن قرب معاناة أمي، ومعاناة الكثير من النساء في الشرق، وعدم قدرتهن على تغيير واقعهن، فاخترت أن أحاول تغيير هذا الواقع عبر منحوتاتي».
تأتي أعماله بلا ملامح بالوجه انطلاقاً من أن جميع النساء تتشابه في الآلام والإحباطات، كما «تذوب» الأيدي داخل الجسد، في رمز إلى أن مرجعية صمودهن وثباتهن ليست هي القوة البدنية بقدر طاقة العطاء والحنان وقوة العقل والحكمة التي يتمتعن بها.
تنتمي أعمال شندي إلى مجال «النحت الضخم» أو «المنحوتات الميدانية» التي ترتبط بالفضاء العام، وتتماهى مع التصميم الداخلي والديكور، وتحتضن شوارع وساحات إنجلترا، وبنما، وأميركا، وألمانيا، وأستراليا، وتايوان، وإسبانيا، وغير ذلك أعماله، كما تم عرض عمل له حول الصحة النفسية في ليفربول «شعرت بالفخر أنها إلى جانب محمد صلاح، تحتضن اسمي ومنحوتي»، إضافة إلى استعانة أفلام شهيرة بهوليود بأعماله مثل «Avengers: Age Of Ultron» و«Burning bridges».
لكن لا يعني ذلك أنها قطع تزدان بها الميادين والبيوت فقط، إنما هي منحوتات تحمل أبعاداً فلسفية وتتناول موضوعات إنسانية، بأسلوب فني خاص، يشعر أمامها المتلقي بأنه أمام أعمال مختلفة شكلاً ومضموناً، ولعل هذا الاختلاف عنده يرتبط بحالة «العزلة الفنية» التي فرضها على نفسه بعد أن سافر إلى إنجلترا منذ عشرين عاماً ليواجه هناك بأن لا أحد يشعر بالشغف بأعماله أو يوافق على عرض منحوتاته إلى أن توصل إلى السبب وراء ذلك «فوجئت أن لا أحد يريد أن يستقبلني كنحات؛ لأن الجميع كان يرى إنتاجي يشبه أعمال هنري مور، وحينئذ أدركت أنه من المستحيل منحي أي فرصة ما لم أتخلص من ذلك».
ولذلك؛ توقف سام عن النحت من 2004 إلى 2008، وعمل بالتصميم الداخلي، ليكوّن ثروة ساعدته على العزلة «انقطعت علاقتي تماماً بأي متاحف ومعارض وكتب فنية لمنع نفسي من التأثر بأي فنانين أو تيارات ومدارس، و(اشتغلت على نفسي) إلى أن توصلت إلى أعمال تبعد الآخرين وعن أي طابع تجاري، هي منحوتات للفن فقط، وكانت بداية نجاحي».
جاء معرضه الأول في إنجلترا عام 2010 وضم أعمالاً من الاستانليس ستيل ليتبعه فيما بعد استخدام خامات أخرى صناعية غير مألوفة في النحت وبتكنيك جديد أثار دهشة النقاد، ويرفض للآن الإفصاح عنه، لكنه قال لـ«الشرق الأوسط»، «أثار أسلوبي انتباه الجمهور والنقاد، وكان السؤل الدائم هو (كيف استطعت تطويع هذه الخامات بهذه التكوينات والمنحوتات الضخمة؟)، وللآن لا أبوح لأحد بالسر، البعض يعتقد أنني (أسيّح) الاستانليس ستيل ثم (ألفه)، لكن ذلك غير صحيح، كل ما يمكنني قوله هو أنني أنحت أعمالي يدوياً من البداية إلى النهاية - من دون استخدام قوالب أو طين، أو الاستعانة بمسابك أو مصانع - ومن ثم أتخلص من اللحام ثم أقوم بدهانها».
يرفض الفنان الذي تخرج في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1997 نسخ أعماله «لا توجد سوى نسخة واحدة فقط من كل عمل لي؛ لأن كل تمثال هو جزء من ذاكرتي الشخصية، ومن يقتني التمثال يأخذ قطعة غالية مني، ومن مشاعري وليست فقط قطعة تجمل المكان».
تُعد الألوان التي يستخدمها سام واحدة من أهم منابع القوة في أعماله؛ ففي اختياره الألوان الزاهية البراقة، مثل الأحمر، والأزرق والأخضر والأصفر مصدر لإثارة المرح والبهجة والسعادة في النفس، يقول «الألوان في أعمالي مثل الروح للجسد؛ تقديراً لدورها في التعبير عن المشاعر الإنسانية، في مختلف ثقافات العالم لا ثقافتنا العربية وحدها، فمثلما نقول (قلبه أبيض) أو (الدنيا سودا أمامي)، وأقوم الآن بتسجيل بعض الألوان باسمي، وتعتمد على دهانات (الدوكو)، وقد توصلت إليها مصادفة أثناء وجودي في ورشة سيارات بإنجلترا، ومنذ ذلك اليوم أصبحت أستخدم نحو 7 ألوان بشكل أساسي».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».