المصممان قزي وأسطا يهربان من فوضى بيروت إلى هولندا

تشكيلتهما لخريف وشتاء 2021 ولدت من حلم وتجلت في تصاميم مغزولة بالأحلام والحب

جاءت الألوان غنية نابضة بالحياة والأمل  -  رغم أزمة قطاع الأزياء شهدت مبيعات فساتين الزفاف انتعاشاً ملموساً
جاءت الألوان غنية نابضة بالحياة والأمل - رغم أزمة قطاع الأزياء شهدت مبيعات فساتين الزفاف انتعاشاً ملموساً
TT

المصممان قزي وأسطا يهربان من فوضى بيروت إلى هولندا

جاءت الألوان غنية نابضة بالحياة والأمل  -  رغم أزمة قطاع الأزياء شهدت مبيعات فساتين الزفاف انتعاشاً ملموساً
جاءت الألوان غنية نابضة بالحياة والأمل - رغم أزمة قطاع الأزياء شهدت مبيعات فساتين الزفاف انتعاشاً ملموساً

لم تكن العملية سهلة... كانت تحتاج إلى الكثير من الإرادة والقوة... كان سلاحنا الوحيد لتجاوز المآسي التي توالت علينا في الآونة الأخيرة هو التجرد من الواقع بإنكار حصولها». بهذا استهل الثنائي جورج قزي وأسعد أسطا حديثهما مع «الشرق الأوسط» عن تشكيلتهما الأخيرة من الـ«هوت كوتير» لخريف وشتاء 2021. تشكيلة ولدت فكرتها في باريس من وحي الفن والطبيعة الهولندية ورأت النور في بيروت في عز أزمتها. يقول جورج: «غداة انفجار مرفأ بيروت، كان هناك غضب لا يوصف يعتمل بداخلنا ترجم نفسه فيما بعد في رغبة محمومة في الإبداع. لم يكن الأمر مجرد تحدٍّ بقدر ما كان عناداً أيضاً... لم يكن أمامنا حل آخر سوى الانغماس في العمل والتحلي بالإيجابية والأمل حتى نستمر ونشعر بوجودنا». يلتقط أسعد أسطا خيط الحديث معلقاً: «تذكرنا بأن مهمتنا كمصممين قائمة أساساً على تجميل الحياة وإدخال السعادة على الغير... تذكرنا أيضاً أنه من دون فن ومن دون جمال تفقد الحياة معناها وتُصبح مملة». ولأن هذه الحياة لم تكن ملهمة في بيروت حينها، ارتأيا أن يحلقا بخيالهما بعيداً عنها إلى حقول التوليب المتفتحة بكل درجاتها اللونية المترامية على مدى البصر، وإلى متاحف ومعارض أمستردام حيث توجد لوحات خالدة لفيرمير ورامبرانت وفان كوخ. وبالنتيجة جاءت هذه التشكيلة تحاكي لوحات فنية مفعمة بالرومانسية والأنوثة وفي الوقت ذاته تعصف بالحياة والأمل بغد أفضل. كل غرزة وكل طية كانت تتراقص بين الواقع والحلم. الواقع الذي فرضته كورونا والأزمة الاقتصادية ثم انفجار مرفأ بيروت والحلم ببداية عهد جميل، وكأنها توثيق لرحلة بدأت كهروب من الشتات والفوضى والألم لتنتهي بحلم هولندي جميل. يتذكر المصممان أنهما في شهر مارس (آذار) الماضي، وفي عز أزمة كوفيد 19. كانا يتواجدان في باريس كعادتهما في كل موسم موضة. كان يسكنهما التفاؤل والأمل بمستقبل باهر لا سيما أنهما احتفلا قبل ذلك بأشهر قليلة بمرور 10 سنوات على تأسيس دارهما «قزي وأسطا». لكن فجأة تغير كل شيء. أغلقت الموانئ والمطارات وفاحت رائحة الخوف من فيروس غير مرئي في كل العالم. لم يكن أمامهما سوى العودة إلى بيروت بعد أن أُجهض برنامجهما في زيارة أمستردام لتصوير تشكيلتهما فيها على خلفية حقول التوليب المتفتحة في فصل الربيع. لم يخطر ببالهما أن الأمر سيزيد بلة بحيث يُدمر مشغلهما ويودي الانفجار ليس برسوماتهما ومجموعة من تصاميمهما بل أيضاً بأحلامهما القديمة.
يؤكد المصممان أنهما رغم ذلك لم يستسلما. فربما تكون التشكيلة وُلدت من رحم الفوضى والمعاناة، لكن المفارقة أنهما حرصا فيها على أن تصرخ بالجمال والفرح، من خلال مجموعة من فساتين الزفاف تحديداً. كانت هذه الفساتين بمثابة طوق النجاة بالنسبة لهما على المستوى المادي أيضاً، لأن موسم الأعراس لم يمُت كما صور البعض. بالعكس زاد إقبال العرائس على الـ«هوت كوتير»، لأن القيود المفروضة على التجمعات الكبيرة في الأعراس جعلت العروس في زمن كورونا تقتصد ميزانية لا يستهان بها كانت تُصرف سابقاً على فرق موسيقية وقاعات فخمة مزينة بالورود، إضافة إلى عدد هائل من الضيوف. ما اقتصدته ذهبت النسبة الأكبر منه لفستان العمر. هذا الفستان المصمم على مقاسها وحسب مزاجها أصبح استثمارها الأهم في رصيد الذكريات. بيد أن كمية الجمال في هذه الفساتين لم تأخذ من التصاميم المخصصة للمساء والسهرة حقها. بالعكس كانت كل طية أوريغامي تظهر في تنورة، أو كسرة تتدلى من الظهر إلى الأرض أو كشاكش أو بليسهات متماوجة تحاكي عملاً فنياً أو شكل زهرة التوليب أو لونا من ألوانها المتدرجة من الأبيض إلى البرتقالي والبنفسجي إلى الأزرق والأسود. والنتيجة أن تشكيلة «قزي وأسطا» للخريف والشتاء 2021 جاءت نابضة بالألوان والحياة ولسان حالها يقول إن «الشمس تُشرق دائماً بعد العاصفة، والأزهار تتفتح بعد كل شتاء والحياة بدون فن لا طعم لها».
أغلب القطع، إن لم نقل كلها، تحمل اسماً فنياً يُوحي بشكلها أو بلوحة رسمها فنان ما. هناك مثلاً تصميم يقطر أنوثة مستوحى من لوحة المزهرية لفان كوخ جسد حب الرسام الشهير للزهور، وأخذت فيه تضاريس المرأة شكل مزهرية. يتكون التصميم الذي تُميزه درجات مختلفة من الأخضر، من ثلاث قطع: كورسيه بدرجة هادئة تُزينه تطريزات على شكل بتلات ناعمة من حرير الأورغنزا، ينفش حجمه عند الخصر ليُؤطر تنورة مستقيمة تكاد تلامس الكاحل بدرجة مختلفة من الأخضر. وتكتمل هذه اللوحة المفعمة بالأنوثة بـ«كاب» طويل ببلسيهات باللون الأخضر الربيعي يتدلى من جانب الكتف ويعانق الخصر بحزام مبتكر من اللون نفسه. تشمل المجموعة أيضاً جاكيت واسعة مستوحاة من لوحة لرامبرانت مصنوعة من المخمل الداكن وتتميز بأكتاف غير محددة وأكمام منفوخة تحمل استدارة زهرة التوليب. أكثر ما يلفت فيها تطريزاتها الغنية التي تداخلت فيها خيوط الذهب مع بريق اللؤلؤ لتخلق تناقضاً لذيذاً بين الظل والضوء. أما تأثير فيرمير فتجلى في فستان سماوي منسدل تركزت تفاصيله على الأكمام المطرزة فتبدو وكأنها أجنحة بنسب متدرجة.
رغم ميل المصممين الدائم إلى التصاميم الهندسية والفنية، فإن إحساسهما بالألوان إضافة إلى التقنيات والتطريزات الدقيقة التي لجأ إليها نجحت في تحقيق المعادلة الصعبة بين الانسيابية والخطوط الهندسية. وحتى تكتمل هذه اللوحة الفنية، صُورت التشكيلة في بيروت في قاعة «دي غورناي» المتخصصة في رسم مناظر طبيعية على ورق الجدران باليد، لتكون خلفية مثالية تُعزز روحها المطبوعة بالفن الباروكي وتُعوض عن حقول التوليب. وبالفعل كان مفعولها قوياً. فقد أيقظت أيضاً رغبة محمومة للانعتاق من قيود الحجر الصحي والأماكن المُغلقة، والانطلاق إلى البرية للإحساس بالحياة وتلمُس الفرح.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.