اهتم الآثاريون بدراسة الفنون الصخرية التي تحتضن السعودية الكثير منها وتنتشر في مناطق متعددة من البلاد، ومن هؤلاء الباحث السعودي فيصل بن حمد آل جبرين، الذي قام بمحاولة لفك رموز الفنون الصخرية ومعانيها في منطقة نجران من خلال دراسة تحليلية مقارنة عن هذه الفنون لمعرفة دلالاتها، وتم تضمين هذه الدراسة في كتاب أنجزته دارة الملك عبد العزيز.
ودرس الباحث آل جبرين 55 واجهة صخرية عُثر عليها في جبل الكوكب في منطقة نجران جنوب السعودية؛ بهدف معرفة الحقبة التاريخية المعاصرة لهذه الفنون، ومحاولة فك رموزها ومعانيها للحصول على معلومات تساعد على تكوين الصورة الشاملة عن تاريخ جنوب الجزيرة العربية وثقافته ومراحلها الحضارية.
وأظهرت الدراسة ثراء تلك المنطقة للفنون الصخرية التي تقدر الحقبة الزمنية التي نفذت فيها من 4 آلاف سنة إلى 2500 سنة من وقتنا الحاضر، وتميزت تلك الفنون بالدقة والإتقان، وأظهرت نتائج دراستها توسع الإنسان في استئناس الحيوانات المختلفة ووفرة الجمال والخيول في تلك المنطقة، كما اتضح أن تلك الفنون ركزت على تسجيل الأحداث اليومية في تلك الحقبة التاريخية.
وتعد الفنون الصخرية أحد أنواع النتاج المادي الذي خلفته الجماعات البشرية، شأنها في ذلك شأن الكثير من البقايا المادية، بل إن الفنون الصخرية أصبحت سجلاً يكشف عن أنشطة المجتمعات القديمة وأساليبها الفنية، ومعتقداتها الدينية، وأحوالها الاجتماعية والاقتصادية، والعادات والتقاليد التي سادت في تلك العصور، وهو ما لمسه الباحث آل جبريل في منطقة نجران التي تعد من أقدم الأماكن التي استقر فيها الإنسان وقامت على أرضها حضارات خلال العصرين الحجري القديم والأوسط، كما عدت نجران خلال الفترة من 500 عام قبل الميلاد إلى عام 266 ميلادي، من أبرز مدن التجارة العربية؛ مما يعطي مؤشراً بأن الاستقرار البشري في المنطقة كان واضحاً منذ القدم.
قدم الباحث دراسة تطلبت جهداً عالياً من خلال مسح المنطقة والوقوف على مواقع الفنون الصخرية التي تتباين في كثافتها وموضوعاتها وأساليبها الفنية والتقنية، وقدم قراءة ووصفاً لكل لوحة بمنهجية موحدة في كل واجهة صخرية تقوم على معايير مختارة تتمثل في: مكان اللوحة، موضوعها، والقيم الجمالية لها، والفترة الزمنية التي رُسمت فيها كل لوحة صخرية، مبرزاً أن بعض هذه الفنون الصخرية تأثرت بعوامل التعرية من رياح وأمطار وحرارة؛ وهو ما أدى إلى اختلاف معالمها، أو صعوبة تمييز بعض أشكالها، ولم ينس الباحث التأكيد على أن يد الإنسان قد امتدت إلى بعضها بالعبث والتخريب، سواء بالطمس أو الكتابة والرسم عليها.
وجاءت أبرز النتائج التي توصل إليها الباحث آل جبرين في دراسته، أن وجود هذه الفنون يمثل مكاناً ملائماً وموقعاً استراتيجياً يتركز حول الغطاء النباتي والذي ساعد على وجود الإنسان في هذه المنطقة واستمرار حياته فيها، كما أن المنطقة المحيطة في جبل الكوكب تمثل التنوع البيئي الذي أسهم في تنوع الموضوعات المنفذة على الصخور. كما أظهرت الدراسة، أن المنطقة تمثل موقعاً بين حضارات جنوب الجزيرة العربية ووسطها من ناحية جغرافية، كما تشير النتائج إلى أن منطقة الدراسة كانت من محطات القوافل، وهذا ما يفسره كثرة أعداد الجمال في الفنون الصخرية في جبل الكوكب. كما أظهرت الدراسة أن وجود الجمال والخيول بشكل كثيف وملحوظ ومتكرر في معظم رسوم الجبل يعكس حرص سكان المنطقة على اقتنائها ورعايتها، والتفاخر بإظهارها ضمن رسوماتهم وموضوعاتهم الفنية، وأنها كانت تحتل مكانة مهمة في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، وكشفت الفنون عن تعدد مهارة الفنان وثقافته واتساع مداركه من خلال تنوع الأساليب الفنية والمواضيع الاجتماعية في المنطقة، كما كشفت الرسوم عن ظهور حيوانات مفترسة كالأسود في مواضع مختلفة من الواجهات الصخرية، وجاءت بعض الأشكال المنفذة بحس فني واقعي يقارب الحقيقة بالشكل الأساس، إضافة إلى ظهور الأسلوب التجريدي والرمزي في بعض الأعمال الفنية، كما اعتمد الفنان في جبل الكوكب في بعض أعماله على تقنية ملء المساحة بالشكل الفني، وظهور أعمال فنية تحقق أشكالا ثلاثية الأبعاد.
كما أظهرت نتائج الدراسة بروز أساليب فنية تتمثل في تقسيم الجسم الحيواني إلى مساحات هندسية، وظهور عناصر تشريحية في العمل الفني تبرز تفاصيل أعضاء الجسم الأدمي والحيواني.
وشكلت الجمال نسبة 25 في المائة من الأشكال المنفذة تليها الأشكال الآدمية بنسبة 28 في المائة، وجاءت الأشكال الأخرى بنسبة متدنية في العمل الفني، وهي: السهام، والسيوف، والرماح، بنسبة 13 في المائة، كما جاءت أشكال الخيول المرسومة بنسبة 11 في المائة، والنعام بنسبة 6 في المائة، كما ظهرت في الرسوم عناصر تعبيرية كالأمومة، وأوضاع حركية لبعض الأشخاص في شكل طقوس عقائدية، كما تمثلت في الدراسة معظم طرق التنفيذ لهذه الرسوم باستخدام النقر والحك، لأحداث حفر غائر، ولتحديد ملامح الأشكال.
باحث يفك رموز «الفنون الصخرية» ودلالاتها الحضرية في نجران السعودية
«جبل الكوكب» يحتضن أقدم صور الإبداع الفني لسكان جنوب الجزيرة العربية
باحث يفك رموز «الفنون الصخرية» ودلالاتها الحضرية في نجران السعودية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة