«سوق الأم» في الهند... الباعة الرجال ممنوعون

تعود إلى القرن الـ16 وتعد من أكبر الأسواق التي تسيطر عليها المرأة على مستوى آسيا بأكملها

تنتشر البائعات في السوق عبر ثلاثة بنايات وسوقاً مفتوحة هائلة الاتساع.  وتفصل بين المتاجر مجموعة متنوعة من السلع (غيتي)
تنتشر البائعات في السوق عبر ثلاثة بنايات وسوقاً مفتوحة هائلة الاتساع. وتفصل بين المتاجر مجموعة متنوعة من السلع (غيتي)
TT

«سوق الأم» في الهند... الباعة الرجال ممنوعون

تنتشر البائعات في السوق عبر ثلاثة بنايات وسوقاً مفتوحة هائلة الاتساع.  وتفصل بين المتاجر مجموعة متنوعة من السلع (غيتي)
تنتشر البائعات في السوق عبر ثلاثة بنايات وسوقاً مفتوحة هائلة الاتساع. وتفصل بين المتاجر مجموعة متنوعة من السلع (غيتي)

وقفت أنجانا ديفي، السيدة التي تجاوز عمرها 80 عاماً ولا يكاد طولها يتجاوز خمسة أقدام ويتسم ظهرها بالانحناء، توجه الإرشادات إلى رجلين أثناء تفريغهما صناديق محملة بالفاكهة كانت على متن سيارة نقل صغيرة. ومن حولها، كانت هناك مئات النساء - تتجاوز أعمار غالبيتهن الـ60 - يفعلن مثلما تفعل. وفي الأجواء، انتشرت روائح البخور، والأسماك، وبراعم الياسمين، والبهارات النفاذة.
كان أصحاب المتاجر في مختلف الأرجاء من النساء. وبصورة إجمالية، يبلغ عدد النساء قرابة 5000 سيدة يعملن داخل هذه السوق في ولاية مانيبور الهندية ويشكلن معاً واحدة من أكبر الأسواق التي تسيطر عليها النساء على نحو كامل على مستوى آسيا بأكملها.
تقع مانيبور في الطرف الشمالي الشرقي من الهند، وكانت في وقت مضى دولة ذات سيادة تحمل اسم مملكة مانيبور. وكان يسكن في الوادي الممتد عبر الولاية مجموعة متنوعة من الجماعات العرقية. وفي الوقت الذي شكل النظام الأبوي أساس التقاليد والأعراف والهياكل الاجتماعية، لم تظل المرأة حبيسة الأدوار التقليدية.
وغالباً ما تورطت المملكة في حروب مع جيرانها العدائيين، وفي خضم ذلك جرت الاستعانة بأعداد كبيرة من الرجال الأصحاء الأقوياء للذود عن المملكة. وفي غيابهم، تولت النساء رعاية الأسر والشؤون التجارية. وقرابة عام 1580، أسس الملك مركزاً تجارياً للنساء حصراً حمل اسم «نوبي كيتهل»، وتعني «سوق النساء»، وذلك في مدينة إمفال، عاصمة مانيبور في الوقت الحاضر.
في ظل الرعاية الملكية، تزايدت أعداد التجار وازدهرت السوق. وتحولت السوق بمرور الوقت إلى قناة للخطاب الاجتماعي والسياسي. وشرعت النساء، اللاتي تنامى شعورهن بالجرأة بفضل دورهن الجديد كقوة محركة للاقتصاد، في التأكيد على أنفسهن عبر صور جديدة.
من بين الأمثلة على ذلك، عندما اعترضت التاجرات العاملات في «نوبي كيتهل» عام 1904 على استخدام الإدارة الاستعمارية العمل القسري. وانضمت نساء أخريات من مانيبور إلى الحركة وأعربن عن ثورة غضب سياسي عارمة عبر الكثير من المظاهرات. وفي نهاية الأمر، اضطرت الإدارة إلى إلغاء الكثير من سياسات العمل القسري.
كانت هذه أول «نوبي لان»، «حرب النساء»، وشكلت حدثاً تاريخياً محورياً في مسيرة الصحوة السياسية لشعب مانيبور بقيادة التاجرات العاملات في «نوبي كيتهل». عام 1939، تولت السوق قيادة «نوبي لان» جديدة في مواجهة ملك مانيبور. وفي أعقاب الحركتين، خرجت السوق باعتبارها الصوت الأول للمقاومة في مواجهة القمع والظلم - وأصبحت السيدات حارسات على مجتمع مانيبوري أكثر مساواة وعدالة.
ونظراً لأنني ولدت ونشأت في الهند، فقد تعلمت منذ سن مبكرة أن القيم الذكورية والكارهة للنساء المتجذرة بعمق يمكن أن تعمل على إسكات أصوات النساء.
وحاولت استيعاب كيف تسعى النساء اللائي يعشن في أقاصي هذه البلاد، دون أدوات قوة تذكر، للتأكيد على أنفسهن في ظل ثقافة تعمل على قمعهن وإخضاعهن.
داخل «نوبي كيتهل»، تحاول الكثير من التاجرات جذب الأنظار إليهن من خلال رفع أصواتهن ودعوة المتسوقين للنظر إلى بضاعتهن. وفي يوم صيف حار في مارس (آذار)، كنت أنا عميلتهن الوحيدة. ونادين عليّ بكلمة «بيتي»، وتعني ابنة.
تنتشر البائعات هنا عبر ثلاث بنايات وسوق مفتوحة هائلة الاتساع. وتفصل بين المتاجر مجموعة متنوعة من السلع. ولا يجري عرض سوى قدر ضئيل من البضاعة، بينما يبقى الجزء الأكبر داخل شراشف بينما تجلس البائعة القرفصاء داخل متجرها. وعبر أكوام السلع، وقعت عيني على لافتات تحمل شعارات من عينة «لن نبقى صامتين» و«نطالب بالعدالة».
عن ذلك، قالت لايشرام ميما ديفي، التي تبيع قطع حلي مصنوعة يدوياً داخل السوق منذ ما يزيد على ثلاثة عقود «لا نستخدم لغة الصمت هنا».
من ناحيتها، تجني إيما ميما نحو 12000 روبية هندية كل شهر، أو ما يعادل 160 دولاراً («إيما» تعني أُماً، وهو لقب يستخدمه أبناء مانيبور في مخاطبة النساء الأكبر سناً. في الواقع، تضم السوق أعداداً كبيرة من النساء كبيرات السن لدرجة أن السكان المحليين يطلقون على السوق «إيما كيتهل» أو «سوق الأم».)
وأخبرتني إيما ميما أن ذلك المبلغ «ربما يبدو ضئيلاً، لكنه ساعدني في تربية ثلاث بنات».
وأثناء تجولي عبر أرجاء السوق، التقيت مريضات بمرض نقص المناعة وعدداً آخر من المنبوذين اجتماعياً الذين وجدوا في هذه السوق ملاذاً لهم. وبمعاونة المجتمع المحيط، تمكنوا من بناء نشاط تجاري مستقل خاص بهم.
عبر أرجاء أزقة السوق الملتوية، تزدهر روح الأخوة والقوة الجمعية، لكن إرث «نوبي كيتهل» امتدت منذ أمد بعيد لما وراء أعتابها. ويحمل تاريخ مانيبور البصمة المميزة لـ«نوبي كيتهل» - وكذلك مستقبلها.

* خدمة «نيويورك تايمز»



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.