«حزب الله» يخشى تبعات سياسية لمفاوضات الحدود البحرية من إسرائيل

دورية لقوات «يونيفيل» الأممية في منطقة الناقورة الساحلية على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية أمس (أ.ف.ب)
دورية لقوات «يونيفيل» الأممية في منطقة الناقورة الساحلية على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية أمس (أ.ف.ب)
TT

«حزب الله» يخشى تبعات سياسية لمفاوضات الحدود البحرية من إسرائيل

دورية لقوات «يونيفيل» الأممية في منطقة الناقورة الساحلية على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية أمس (أ.ف.ب)
دورية لقوات «يونيفيل» الأممية في منطقة الناقورة الساحلية على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية أمس (أ.ف.ب)

يتوجّس «حزب الله» من أن تؤدي المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية لترسيم الحدود البحرية التي تنطلق جولتها الأولى بعد غدٍ (الأربعاء)، برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أميركية، إلى دخول لبنان في «ترسيم سياسي» يدفع باتجاه تطبيع العلاقات بين البلدين، وهذا ما أملى على قيادته الإصرار على استبعاد أي شخص عن الوفد المفاوض يمكن أن يتمتع بنكهة سياسية.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر لبنانية رسمية واسعة الاطلاع أنه يُفترض أن يُستكمل تشكيل الوفد اللبناني المفاوض في الساعات المقبلة، بعد أن تقرّر، بناءً على إصرار «حزب الله»، استبعاد الدبلوماسي في وزارة الخارجية هادي هاشم الذي كان مدير مكتب وزير الخارجية السابق رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، من الوفد المفاوض الذي سيرأسه نائب رئيس الأركان للعمليات العميد الطيار بسام ياسين.
وأكدت المصادر الرسمية أن الوفد سيضم، إضافة إلى العميد ياسين، العقيد البحري مازن بصبوص الخبير في المفاوضات البحرية وعلوم البحار، والقانوني نجيب مسيحي الذي لديه خبرة في حل النزاعات البحرية، ورئيس هيئة قطاع النفط في وزارة الطاقة وسام شباط، رغم أن «حزب الله» كان لمح في تواصله مع رئيس الجمهورية ميشال عون إلى أن لا ضرورة لوجود شباط في عداد الوفد.
ورأت المصادر أن لا مبرر للهواجس التي تشغل بال «حزب الله»، مشيرة إلى أن «الوفد المفاوض يترأسه ضابط برتبة عميد وجميع الأطراف من موقع اختلافها في وجهات النظر لديها ملء الثقة بخيار المؤسسة العسكرية، إضافة إلى أن الوفد لن يتصرّف من تلقاء نفسه حيال الأمور التي ستُطرح على طاولة المفاوضات غير المباشرة، بل سيعود حتماً إلى قيادة الجيش التي ستتواصل بدورها مع رئيس الجمهورية».
ولفتت إلى أن قائد الجيش العماد جوزيف عون كان حدّد لدى استقباله وفد المفاوضات الإطار العام لانطلاق هذه المفاوضات من نقطة رأس الناقورة براً والممتد بحراً تبعاً لتقنية خط الوسط، «من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة، استناداً إلى دراسة أعدّتها قيادة الجيش وفقاً للقوانين الدولية». واعتبرت أن «حزب الله» أراد تسجيل موقف لتمرير رسالة إلى جمهوره ومحازبيه بأنه وراء إدخال تعديلات على تشكيل الوفد لتبديد ما لديه من هواجس، «مع أن المخاوف من نقل المفاوضات من استرداد الحقوق إلى التطبيع ليست في محلها، لأن الجميع يعتبرها تجاوزاً للخطوط الحمراء بمن فيهم الوفد المفاوض».
وكشفت مصادر سياسية غير رسمية لـ«الشرق الأوسط» أن قيادة «حزب الله» حضرت للمفاوضات بالتواصل مع قواعد الحزب، وتحديداً ذات الصلة المباشرة بالعمل المسلح، انطلاقاً من مبادرة القيادة إلى النأي بنفسها عن تحديد موقف في العلن حيال المفاوضات والطلب من جميع من هم في مواقع المسؤولية عدم التداول بهذه المسألة في العلن.
وقالت إن «الحزب لم يكن مرتاحاً للفقرة الواردة في اتفاق الإطار والمتعلقة ببدء المفاوضات غير المباشرة بين الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية، إضافة إلى أنه يعترض على ترسيم الحدود البرية، وهذا ما أدى إلى حصر جدول أعمال المفاوضات بالترسيم البحري. وأكدت أن إيران لم تعترض على مبدأ التفاوض، ورأت أن مجرد صمتها ما هو إلا تعبير عن موقف سياسي، لا ينطوي على معارضة بذريعة أن المفاوضات شأن داخلي ولا تتدخّل فيها».
وبالنسبة إلى اعتراض «حزب الله» على ضم مندوب لوزارة الخارجية إلى الوفد المفاوض، أكدت المصادر غير الرسمية أن عون تجاوب مع رغبة الحزب باستبعاد هاشم بعد أن أيقن إصرار حليفه على استبعاده بخلاف رغبة باسيل الذي لم يفلح في تسويق إلحاقه بالوفد. وأضافت أن لرفض «حزب الله» ضم هاشم إلى الوفد وتحفّظه على إلحاق مندوب وزارة الطاقة بالفريق المفاوض «أكثر من سبب؛ أول الأسباب إصراره على عدم تسييس المفاوضات وحصرها بالجوانب التقنية والفنية لاسترداد الحقوق اللبنانية لقطع الطريق على اتهامه بغض النظر عن الدخول في ترسيم سياسي للعلاقة مع إسرائيل، بغية التوجُّه برسالة في هذا الخصوص إلى محازبيه، ومن خلالهم لحاضنة الحزب لتبديد الهواجس والتساؤلات لدى كل هؤلاء».
كما أن «حزب الله» أراد، بحسب المصادر، وربما عن سابق تصور وتصميم، قطع الطريق على أن يكون لحليفه باسيل «حضور غير مباشر» في المفاوضات من خلال هاشم وشباط يمكّنه من استثماره محلياً تحت عنوان أن من انتدبهما كانا وراء إنجاح المفاوضات، وأيضاً خارجياً لعله ينجح في تقديم مزيد من أوراق اعتماده إلى واشنطن وصولاً إلى تلميع صورته ومواجهة ما يُشاع عن وجود نية لدى الإدارة الأميركية لاستهداف شخصيات غير شيعية حليفة لـ«حزب الله» برزمة جديدة من العقوبات.
لذلك يدخل لبنان في الجولة الأولى من المفاوضات من دون أن يرتد حضور الوفد سلباً على وضعه الداخلي المأزوم، ما دام أن ورقة التفاوض بيد المؤسسة العسكرية التي تتولى إلى جانب القوى الأمنية ملء الفراغ المترتب على غياب حكومة تصريف الأعمال وانهيار معظم الإدارات والمؤسسات الرسمية.
وعليه، فإن «حزب الله» من موقعه الحليف لعون فضّل أن يبقى حتى إشعار آخر في موقع المراقب لسير المفاوضات، فيما سيحضر نائب وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر جولتها الأولى، باعتباره كان من أبرز الذين شاركوا في التحضيرات التي أدت إلى انطلاقتها.



نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
TT

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نبّه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ، في وقت يعاني فيه من نزاع طويل الأمد نتيجة انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية. وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات نتيجة تغير المناخ، مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات.

وذكر ستيفان غيمبيرت، المدير القطري للبنك الدولي في مصر واليمن وجيبوتي، أن «اليمن يواجه تقاطعاً غير مسبوق للأزمات: النزاع، وتغير المناخ، والفقر». وطالب باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة «لتعزيز المرونة المناخية لأن ذلك مرتبط بحياة الملايين من اليمنيين». وقال إنه من خلال الاستثمار في الأمن المائي، والزراعة الذكية مناخياً، والطاقة المتجددة، يمكن لليمن أن يحمي رأس المال البشري، ويعزز المرونة، ويضع الأسس «لمسار نحو التعافي المستدام».

الجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة تهدد ملايين اليمنيين (الأمم المتحدة)

وفي تقرير لمجموعة البنك الدولي الذي حمل عنوان «المناخ والتنمية لليمن»، أكد أن البلاد تواجه تهديدات بيئية حادة، مثل ارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات المفاجئة في أنماط الأمطار، والزيادة في الأحداث الجوية المتطرفة، والتي تؤثر بشكل كبير على أمن المياه والغذاء، بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي.

ووفق ما جاء في التقرير الحديث، فإن نصف اليمنيين يواجهون بالفعل تهديدات من تغير المناخ مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات. ‏وتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي السنوي لليمن بنسبة 3.9 في المائة بحلول عام 2040 إذا استمرت السيناريوهات المناخية السلبية، مما يفاقم أزمة الفقر وانعدام الأمن الغذائي.

تحديات متنوعة

في حال تم تطبيق سيناريوهات مناخية متفائلة في اليمن، تحدث تقرير البنك الدولي عن «فرص استراتيجية» يمكن أن تسهم في تعزيز المرونة، وتحسين الأمن الغذائي والمائي. وقال إن التوقعات أظهرت أن الاستثمارات في تخزين المياه وإدارة المياه الجوفية، مع استخدام تقنيات الزراعة التكيفية، قد تزيد الإنتاجية الزراعية بنسبة تصل إلى 13.5 في المائة بين عامي 2041 و2050.

وامتدت تحذيرات البنك الدولي إلى قطاع الصيد، الذي يُعد أحد المصادر الأساسية للعيش في اليمن، وتوقع أن تتسبب زيادة درجات حرارة البحر في خسائر تصل إلى 23 في المائة في قطاع الصيد بحلول منتصف القرن، مما يعمق الأزمة الاقتصادية، ويسهم في زيادة معاناة المجتمعات الساحلية.

التغيرات المناخية ستسهم في زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

واستعرض البنك في تقريره التحديات الصحية الناجمة عن تغير المناخ، وقال إنه من المتوقع أن يكلف ذلك اليمن أكثر من 5 مليارات دولار بحلول عام 2050، وتتضمن هذه التكاليف الرعاية الصحية الزائدة نتيجة للأمراض المرتبطة بالطقس مثل الملاريا والكوليرا، وهو ما يضع ضغطاً إضافياً على النظام الصحي الذي يعاني بالفعل من ضعف شديد.

ولهذا، نبّه التقرير إلى أهمية دمج المرونة المناخية في تخطيط الصحة العامة، مع التركيز على الفئات الضعيفة، مثل النساء والأطفال. وفيما يتعلق بالبنية التحتية، أشار التقرير إلى أن المناطق الحضرية ستكون الأكثر تأثراً بازدياد الفيضانات المفاجئة، مع تحذير من أن التدابير غير الكافية لمواجهة هذه المخاطر ستؤدي إلى صدمات اقتصادية كبيرة تؤثر على المجتمعات الهشة.

وفيما يخص القطاع الخاص، أكد التقرير على أن دوره في معالجة التحديات التنموية العاجلة لا غنى عنه. وقال خواجة أفتاب أحمد، المدير الإقليمي للبنك الدولي لـ«الشرق الأوسط»، إن «القطاع الخاص له دور حيوي في مواجهة التحديات التنموية العاجلة في اليمن. من خلال آليات التمويل المبتكرة، يمكن تحفيز الاستثمارات اللازمة لبناء مستقبل أكثر خضرة ومرونة».

وتناول التقرير إمكانات اليمن «الكبيرة» في مجال الطاقة المتجددة، وقال إنها يمكن أن تكون ركيزة أساسية لاستجابته لتغير المناخ، لأن الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سيسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتوفير بنية تحتية مرنة لدعم الخدمات الحيوية، مثل الصحة والمياه.

تنسيق دولي

أكد البنك الدولي على «أهمية التنسيق الدولي» لدعم اليمن في بناء مرونة مناخية مستدامة، مع ضرورة ضمان السلام المستدام كون ذلك شرطاً أساسياً لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ هذه الاستراتيجيات.

ورأى أن اتخاذ قرارات مرنة، وتكييف الإجراءات المناخية مع الواقع السياسي في اليمن، من العوامل الحاسمة في مواجهة التحديات، وقال إن التركيز على «السلام والازدهار» يمكن أن يحقق فوائد اقتصادية واجتماعية أكبر في المستقبل.

وزير المياه والبيئة اليمني مشاركاً في فعاليات تغير المناخ (إعلام حكومي)

من جهته، أكد وزير المياه والبيئة توفيق الشرجبي في الجلسة الخاصة بمناقشة هذا التقرير، التي نظمها البنك الدولي على هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أهمية دمج العمل المناخي في استراتيجية التنمية، والتكيف مع تقلبات المناخ، ومناقشة العلاقة بين المناخ والنزاع والتنمية.

وأشار وزير المياه والبيئة اليمني إلى أن تقرير المناخ والتنمية يشكل مساهمة جيدة لليمن في مواجهة تغير المناخ، وسيعمل على تسهيل الوصول لعدد من التمويلات المناخية في ظل الهشاشة الهيكلية والتقنية التي تعيشها المؤسسات جراء الحرب.

وقال الشرجبي إن التقرير يتماشى بشكل كبير مع الأولويات العاجلة لليمن، خصوصاً في مجال الأمن المائي والغذائي، وتعزيز سبل العيش، وتشجيع نهج التكيف المناخي القائم على المناطق، لافتاً إلى أهمية دور الشركاء التنمويين لليمن في تقديم المساعدة التكنولوجية والتقنية، وبناء القدرات.