معارك انتخابية مبكرة في نينوى تدار من خارجها

كتل وأحزاب نافذة تستأثر بالأموال العامة

TT

معارك انتخابية مبكرة في نينوى تدار من خارجها

تشهد محافظة نينوى انقساماً حاداً في الأوساط السياسية، بشأن شكل وطبيعة الدوائر الانتخابية المتفق عليها في مجلس النواب، بين من يؤيد التقسيم الحالي للدوائر ويعده أفضل ما يراعي توزيع المكونات، ومن يرفض ذلك التقسيم ويعده تفتيتاً لأصوات المدينة، بما يخدم مصالح قوى سياسية من خارج المحافظة، تسيطر عليها منذ تحريرها من «داعش».
الفريق الأول الذي يقوده نواب ومسؤولون حاليون في المحافظة يرى أن ربط بعض أحياء الموصل (مركز المحافظة) بدوائر مع مناطق خارجها جاء لضرورات تتعلق بطبيعة توزع السكان والمكونات، فيما يؤكد الفريق الثاني الذي يقوده نواب سابقون أن التقسيم الحالي جرى وفق مصالح قوى تسيطر على نينوى من خلال المكاتب الاقتصادية والفصائل المسلحة. ويذهب الفريق الأخير إلى أبعد من ذلك، باتهام تلك القوى باستغلال ميزانية إعادة الإعمار، وتخصيصها لمشاريع بمناطق محددة، وفق مصالح انتخابية.
عضو مجلس النواب السابق عن محافظة نينوى، محمد نوري العبد ربه، قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «التقسيم الحالي المعلن للدوائر الانتخابية فيه كثير من الإرباك، ما قد يحدث خللاً في التركيبة السياسية، وتفتيتاً للأصوات، خاصة في قضاء الموصل، مركز المحافظة».
وأوضح أن «الموصل تشكل نسبة 52 في المائة من سكان محافظة نينوى، وقد تم تفتيت أصواتها من خلال ضم بعض أحياء المدينة السكنية إلى دوائر تضم سكان نواحي من توجهات دينية مخالفة للموصل، مثل بعشقية وتلكيف، وبالتالي فإن هذه الأصوات ستشكل هدراً لمجموع أصوات سكان الموصل».
وأشار العبد ربه إلى أن «أطرافاً سياسية تستخدم المال العام والسلطة التنفيذية في نينوى لمصالحها الانتخابية، من خلال الإدارة التنفيذية المعينة من قبلهم، فتم منحهم مشاريع إعمار في مناطق جغرافية، ضمن الدوائر الانتخابية التي يختارونها، بهدف إنجاح بعض الشخصيات السياسية المرتبطة بهم في هذه الدوائر».
ويؤكد أن «الأحزاب السياسية الكبيرة في بغداد، وغيرها من المحافظات، هي التي تدير المحافظة، من خلال مديري الدوائر والأقسام المسنودين منهم»، موضحاً أن «المكاتب الاقتصادية الموجودة في الموصل هدفها سياسي، وفي الوقت ذاته تمويلي، ولها تأثير كبير مباشر على المحافظة، من حيث التغيير الجيوسياسي. وكذلك اقتصادياً، من خلال التأثير على عملية الإعمار وتوفير الخدمات».
ومن جهته، حذر رئيس جبهة العدل والإصلاح، عبد الله الياور، من أن إجراء الانتخابات المبكرة في المدن المحررة «الخاضعة لسطوة السلاح المنفلت ومافيات الفساد، سيعيد الوجوه ذاتها إلى الواجهة، ويضاعف أزمات المدينة التي تنتظر الإعمار وإعادة النازحين».
وأوضح أن «السرقات في نينوى زادت أكثر من قبل، والفساد أصبح له أوجه أخرى، من خلال فتح مكاتب اقتصادية متهمة بسرقة المال العام والخاص بطرق مختلفة، واستخدامه لأهداف سياسية انتخابية».
ويرى الياور أن نينوى «لا تدار من قبل أهلها، إنما يديرها منذ سنوات شخصيات وأحزاب من خارجها، ومعظم المناصب الإدارية في نينوى منذ 2014 حتى الآن يتم الاتفاق والتوافق عليها من قبل هذه الشخصيات، ووفق مصالحها الخاصة».
كان معاون محافظ نينوى لشؤون الإعمار، عبد الوهاب سلطان، قد قال في تصريح صحافي إن المحافظة تسلمت 40 مليار دينار عراقي، في دفعة أولى من وزارة المالية مخصصة لإعادة الإعمار فيها، مبيناً أن المبلغ الذي تم تخصيصه ضمن خطة استقرار نينوى هو 100 مليار للعام الحالي، مشيراً إلى أن الدفعة الثانية منه ستسلم إلى المحافظة خلال أقل من شهر.
وبدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل، د. محمود عزو، أن المعركة الانتخابية في محافظة نينوى حامية دائمة، وليست مؤقتة كباقي المحافظات، قائلاً إن «عملية توزيع أموال إعادة الإعمار بين مناطق محافظة نينوى هو الذي جعل المعركة الانتخابية مستمرة الحدوث، وتتجلى في عمليات استبدال مديري الدوائر، وسيطرة النواب على مشاريع إعادة الإعمار، وتوجيهها بحسب مصالحهم الخاصة». وأوضح أن «ذلك انعكس بشكل واضح على عملية اختيار إدارة المدينة التي تدار بشكل واضح من خلال أحزاب سياسية كبيرة في بغداد، وكذلك القوى الكردية، ومن قبل فصائل (الحشد الشعبي)».
ومن جهته، قال عضو مجلس محافظة نينوى السابق، علي خضير، إن «مجلس النواب صوت فقط على آلية تقسيم المحافظة إلى دوائر انتخابية، معتمداً على عدد مقاعد كوتا النساء فيها. ووفق ذلك، ستقسم محافظة نينوى إلى 8 دوائر. أما طريقة التقسيم وكيفيتها، فهي ما تزال محل جدل داخل أروقة البرلمان».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم