بعد أكثر من ستة عقود قبع خلالها تمثال المهندس الفرنسي المسؤول عن دراسة مشروع حفر قناة السويس وتنفيذه، فيرديناند ديليسبس، في مخازن هيئة قناة السويس المصرية، استجابة لإرادة أهالي محافظة بورسعيد، (شمال شرقي مصر) الذين أزالوه عن قاعدته باعتباره رمزاً للسخرة والاستعمار، يعود التمثال «المثير للجدل» مرة أخرى للأضواء، ليكون في استقبال الجمهور، داخل متحف قناة السويس العالمي، المقرر افتتاحه العام المقبل، كجزء من تاريخ وقصة إنشاء القناة.
ووصل التمثال، السبت، إلى مقره الأخير بمتحف قناة السويس الموجود بمحافظة الإسماعيلية، قادماً من بورسعيد، في رحلة لم يعلن عنها رسمياً، ليحسم جدلاً طويلاً يتجدد كل فترة عن مصير التمثال، مع كل دعوة لإعادته إلى موقعه الأصلي بمدخل القناة، كان آخرها في يوليو (تموز) الماضي، عندما تم تداول أنباء عن احتمال عودة التمثال لموقعه في مدخل قناة السويس، كانت نتيجتها حملة هجوم شرسة على القرار الذي كان محتملاً، وصلت إلى حد صدور بيان من «اتحاد كتاب مصر» يرفض فيه الفكرة، «باعتبارها إهانة لأرواح 120 ألف فلاح مصري استشهدوا في حفر القناة، وتمجيداً لمستعمر قهر المصريين واستغلهم».
ورغم اعتراض الأهالي في السابق على عودة التمثال، فإن عملية النقل أثارت الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يرى البعض ضرورة بقائه في مكانه باعتباره جزءاً من تاريخ بورسعيد، لكن الشاعر والكاتب الصحافي محمد بغدادي، ورئيس مجلس إدارة جمعية جذور السويس، يرفض ذلك، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن هذا الشخص لا يستحق أن يكون له تمثال، لأنه كان وراء الشروط المجحفة التي واكبت حفر قناة السويس، حيث سخر المصريين لهذا العمل، واستشهد فيه 120 ألف مصري»، مشيراً إلى أنه «تم تحطيم تمثال آخر لديليسبس عند بورتوفيق في السويس عام 1956».
ويعود تاريخ التمثال المصنوع من البرونز والحديد، والبالغ وزنه 17 طناً، إلى عام 1899. حيث صممه الفنان الفرنسي إيمانويل فرميم بتكليف من شركة قناة السويس، في ذكرى الاحتفال بمرور 30 عاماً على إنشائها، ليشغل قاعدة التمثال الخالية عند مدخل القناة، والتي كان من المقرر أن يوضع فيها تمثال آخر يرمز للحرية، لكن ظروف مصر الاقتصادية في تلك الفترة لم تمكنها من جلب التمثال الموجود حالياً في مدينة نيويورك.
وظل تمثال ديليسبس في موقعه حتى صدر قرار تأميم قناة السويس عام 1956. وأعقبه العدوان الثلاثي على مصر، حيث فجر أهالي بورسعيد التمثال في ديسمبر (كانون الأول) عام 1956، ليدخل التمثال بعدها مخازن هيئة قناة السويس، قبل أن يتم تسجيله كأثر في عام 2019.
ورغم رفض بغدادي لعودة التمثال إلى موقعه في مدخل قناة السويس، لكنه يرى أنه جزء من تاريخ إنشاء القناة، ومكانه المتحف الذي يحكي تاريخها، مقترحاً أن يتم «إنشاء تمثال يرمز للإنسان المصري ليوضع في مدخل القناة، خصوصاً أن هذا المشروع الضخم شارك فيه نحو مليون ونصف مصري، في الوقت الذي كان فيه تعداد المصريين لا يتجاوز أربعة ملايين ونصف إنسان».
وتواصل الهيئة العامة لقناة السويس حالياً العمل على ترميم أول مبنى إداري لقناة السويس موجود بمحافظة الإسماعيلية، ليكون متحفاً يحكي تاريخ القناة، من المنتظر افتتاحه بداية العام المقبل، بحسب تصريحات صحافية للفريق أسامة ربيع، رئيس الهيئة، أوضح فيها أن «المتحف سيضم مجموعة من المقتنيات التي كانت موجودة في حفل افتتاح قناة السويس قبل 150 عاماً، وبعض كتب وتماثيل ديليسبس، ومقتنياته، ومكتبه، والأدوات التي كان يستخدمها، إضافة إلى ماكيت لمشروع قناة السويس، ليحكي تاريخ القناة منذ افتتاحها عام 1869. وحتى الآن».
«ديليسبس» لمواجهة الجمهور المصري بعد 6 عقود من التواري
«ديليسبس» لمواجهة الجمهور المصري بعد 6 عقود من التواري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة