«ديليسبس» لمواجهة الجمهور المصري بعد 6 عقود من التواري

صور تداولها بعض مواطني الإسماعيلية أمس على «فيسبوك» لعملية نقل تمثال ديليسبس
صور تداولها بعض مواطني الإسماعيلية أمس على «فيسبوك» لعملية نقل تمثال ديليسبس
TT

«ديليسبس» لمواجهة الجمهور المصري بعد 6 عقود من التواري

صور تداولها بعض مواطني الإسماعيلية أمس على «فيسبوك» لعملية نقل تمثال ديليسبس
صور تداولها بعض مواطني الإسماعيلية أمس على «فيسبوك» لعملية نقل تمثال ديليسبس

بعد أكثر من ستة عقود قبع خلالها تمثال المهندس الفرنسي المسؤول عن دراسة مشروع حفر قناة السويس وتنفيذه، فيرديناند ديليسبس، في مخازن هيئة قناة السويس المصرية، استجابة لإرادة أهالي محافظة بورسعيد، (شمال شرقي مصر) الذين أزالوه عن قاعدته باعتباره رمزاً للسخرة والاستعمار، يعود التمثال «المثير للجدل» مرة أخرى للأضواء، ليكون في استقبال الجمهور، داخل متحف قناة السويس العالمي، المقرر افتتاحه العام المقبل، كجزء من تاريخ وقصة إنشاء القناة.
ووصل التمثال، السبت، إلى مقره الأخير بمتحف قناة السويس الموجود بمحافظة الإسماعيلية، قادماً من بورسعيد، في رحلة لم يعلن عنها رسمياً، ليحسم جدلاً طويلاً يتجدد كل فترة عن مصير التمثال، مع كل دعوة لإعادته إلى موقعه الأصلي بمدخل القناة، كان آخرها في يوليو (تموز) الماضي، عندما تم تداول أنباء عن احتمال عودة التمثال لموقعه في مدخل قناة السويس، كانت نتيجتها حملة هجوم شرسة على القرار الذي كان محتملاً، وصلت إلى حد صدور بيان من «اتحاد كتاب مصر» يرفض فيه الفكرة، «باعتبارها إهانة لأرواح 120 ألف فلاح مصري استشهدوا في حفر القناة، وتمجيداً لمستعمر قهر المصريين واستغلهم».
ورغم اعتراض الأهالي في السابق على عودة التمثال، فإن عملية النقل أثارت الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يرى البعض ضرورة بقائه في مكانه باعتباره جزءاً من تاريخ بورسعيد، لكن الشاعر والكاتب الصحافي محمد بغدادي، ورئيس مجلس إدارة جمعية جذور السويس، يرفض ذلك، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن هذا الشخص لا يستحق أن يكون له تمثال، لأنه كان وراء الشروط المجحفة التي واكبت حفر قناة السويس، حيث سخر المصريين لهذا العمل، واستشهد فيه 120 ألف مصري»، مشيراً إلى أنه «تم تحطيم تمثال آخر لديليسبس عند بورتوفيق في السويس عام 1956».
ويعود تاريخ التمثال المصنوع من البرونز والحديد، والبالغ وزنه 17 طناً، إلى عام 1899. حيث صممه الفنان الفرنسي إيمانويل فرميم بتكليف من شركة قناة السويس، في ذكرى الاحتفال بمرور 30 عاماً على إنشائها، ليشغل قاعدة التمثال الخالية عند مدخل القناة، والتي كان من المقرر أن يوضع فيها تمثال آخر يرمز للحرية، لكن ظروف مصر الاقتصادية في تلك الفترة لم تمكنها من جلب التمثال الموجود حالياً في مدينة نيويورك.
وظل تمثال ديليسبس في موقعه حتى صدر قرار تأميم قناة السويس عام 1956. وأعقبه العدوان الثلاثي على مصر، حيث فجر أهالي بورسعيد التمثال في ديسمبر (كانون الأول) عام 1956، ليدخل التمثال بعدها مخازن هيئة قناة السويس، قبل أن يتم تسجيله كأثر في عام 2019.
ورغم رفض بغدادي لعودة التمثال إلى موقعه في مدخل قناة السويس، لكنه يرى أنه جزء من تاريخ إنشاء القناة، ومكانه المتحف الذي يحكي تاريخها، مقترحاً أن يتم «إنشاء تمثال يرمز للإنسان المصري ليوضع في مدخل القناة، خصوصاً أن هذا المشروع الضخم شارك فيه نحو مليون ونصف مصري، في الوقت الذي كان فيه تعداد المصريين لا يتجاوز أربعة ملايين ونصف إنسان».
وتواصل الهيئة العامة لقناة السويس حالياً العمل على ترميم أول مبنى إداري لقناة السويس موجود بمحافظة الإسماعيلية، ليكون متحفاً يحكي تاريخ القناة، من المنتظر افتتاحه بداية العام المقبل، بحسب تصريحات صحافية للفريق أسامة ربيع، رئيس الهيئة، أوضح فيها أن «المتحف سيضم مجموعة من المقتنيات التي كانت موجودة في حفل افتتاح قناة السويس قبل 150 عاماً، وبعض كتب وتماثيل ديليسبس، ومقتنياته، ومكتبه، والأدوات التي كان يستخدمها، إضافة إلى ماكيت لمشروع قناة السويس، ليحكي تاريخ القناة منذ افتتاحها عام 1869. وحتى الآن».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».