عندما انتظر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية حتى اللحظات الأخيرة للاجتماع الاستثنائي الذي عقده المجلس التنفيذي للمنظمة حول «كوفيد - 19» ليقول إن ثمّة أملاً في أن يكون هناك لقاح بنهاية هذه السنة، نثر بعض التفاؤل والأمل على المشهد الوبائي العالمي المكفهر تحت وطأة التمدد الواسع والسريع للفيروس وتداعياته في غياب العلاجات الناجعة وحصر الرهان على الخلاص منه باللقاحات، وبعد التقديرات التي أعلنتها المنظمة مطلع هذا الأسبوع بأن 10 في المائة من سكّان العالم ربما أصيبوا بالوباء.
لكن هذه الجرعة من الأمل التي كان العالم بأمسّ الحاجة إليها في أجواء القلق التي يعيشها منذ أشهر ولا يستشرف مخرجاً قريباً منها، لم تبدّد الشكوك والتساؤلات الكثيرة حول اللقاحات التي لا يُعرف عن مسارات تطويرها سوى التكهنات والتوقعات والمعلومات القليلة التي تقرر الشركات المنتجة الإفراج عنها.
وبعد أن تحوّلت اللقاحات إلى حلبة للمنافسة الاقتصادية والاستراتيجية بين الدول المقتدرة التي تسعى إلى تأمين احتياجاتها من الجرعات اللقاحية بأسرع وقت ممكن غير مكترثة بمن حولها، ومع اقتراب المواعيد المنتظرة للبدء بالإعلان عن النتائج الإيجابية لعدد محدود من مشاريع تطوير اللقاح التي بلغت شوطاً متقدماً في المرحلة الأخيرة من التجارب السريرية، دعت أوساط مستقلّة من الباحثين والعلماء إلى الانتباه والحذر عند تحليل مواصفات هذه اللقاحات التي تخضع لعوامل اقتصادية وسياسية تهدف إلى تعزيز صورة البيانات عن فاعليتها وسلامتها أمام الرأي العام.
وتذكّر هذه الأوساط بأن اللقاحات ليست المصدر الرئيسي للأرباح الطائلة التي تجنيها شركات الأدوية العالمية الكبرى التي تعدّ على أصابع اليد، وذلك لسببين رئيسيين: أولاً، لأن الدواء الذي يتناوله المريض لمرة واحدة ليس مجزياً على الصعيد التجاري مقارنة بالأدوية التي يتناولها المصابون بأمراض مزمنة لفترات طويلة. وثانياً، لأن اللقاحات كانت دائماً باباً واسعاً للمتاعب القانونية والقضائية التي تواجه شركات الأدوية، خاصة في الولايات المتحدة، التي تُرفع ضدها شكاوى في المحاكم بسبب الآثار الجانبية التي تنشأ عن اللقاحات إذ لا تصل فاعلية أي منها إلى 100 في المائة. لكن بما أن الوضع في حالة «كوفيد - 19» يختلف كلّياً حيث الرقم المستهدف لإنتاج اللقاح يتجاوز 7 مليارات جرعة لتلبية الاحتياجات العالمية، فإن المعادلة تتغيّر ومعها الحسابات التي تفتح باب تجاوز الشروط والمقتضيات العلمية والصحية على مصراعيها.
وتجدر الإشارة إلى أن الانتقاد الذي يوجَّه غالباً إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب بسبب إصراره المكشوف على استعادة تحريك العجلة الاقتصادية، أياً كان الثمن، والإعلان عن اختراق في عملية تطوير اللقاحات قبل الانتخابات الرئاسية، يتناسى أن ما يقوله ترمب ويردده في كل مناسبة يتكتّم عنه الآخرون ويموّهونه بأشكال عدة. يمول الاتحاد الأوروبي مثلاً، وبعض الدول الأعضاء، بمبالغ ضخمة عدداً من المشاريع لتطوير اللقاحات مقابل معاملة تفضيلية للحصول عليها بكميات كبيرة وقبل الغير.
وقد نشرت مجلة Nature الطبية دراسة في عددها الشهري الأخير تناولت فيه تداخل الاعتبارات الاقتصادية والسياسية بالعلمية والصحية، والشكوك التي تساور أوساط الباحثين حول مسارات تطوير اللقاحات ضد «كوفيد - 19».
وتشير الدراسة إلى أنه عندما أعلنت شركة «أسترازينيكا» تعليق التجارب السريرية لستة أيام إثر إصابة إحدى المتطوعات بالتهابات في الجهاز العصبي، تهافتت أوساط علمية وإعلامية كثيرة على التخفيف من شأن تلك الحادثة والتشديد على أنها لا تخرج عن إطار المألوف في مسار تطوير اللقاحات. لكن أحداً لم يتساءل عن الأسباب التي ما زالت الوكالة الأميركية للأدوية FDA ترفض حتى الآن السماح باستئناف التجارب السريرية لهذا اللقاح في الولايات المتحدة. كما أنه ليس من الواضح لماذا توقفت التجارب، ولماذا استؤنفت في أوروبا وبلدان أخرى.
ومن التساؤلات الأخرى التي تطرحها الدراسة فاعلية هذه اللقاحات التي لا يتعدّى أي منها حتى الآن نسبة 50 في المائة، أي أن نصف الملقّحين يحصلون على المناعة ضد الفيروس، وهذه نسبة لا تكفي، إذ تقتضي المعايير العلمية والصحية ألا تقلّ عن 60 في المائة. والمعروف أن الوصول إلى هذه النسبة يحتاج إلى فترة أطول من التجارب السريرية.
ومن بين اللقاحات التي يجري تطويرها وبلغت مرحلة متقدمة من التجارب السريرية تبرز ثلاثة تعقد الأوساط العلمية الأمل في أن تكون هي السبّاقة في الحصول على الموافقة لاستخدامها بين أفراد الطواقم الصحية والتمريضية والفئات الضعيفة اعتباراً من مطلع العام المقبل. وتطوّر هذه اللقاحات الشركات الكبرى التالية:
-Pfizer، وهي شركة أميركية مقرّها في نيويورك تعتبر اليوم الأولى على الصعيد العالمي في صناعة الأدوية بعد سلسلة من عمليات الدمج مع شركات أخرى خلال السنوات الخمس المنصرمة. وكانت قد تأسست في عام 1849 على يد اثنين من المهاجرين الألمان في منطقة بروكلين.
-Moderna، وهي أميركية أيضا متخصصة في التكنولوجيا الحيوية، تأسست في عام 2010 وحصرت نشاطها في تطوير اللقاحات بواسطة تقنية دمج حامض الريبية النووي RNA في خلايا الجسم الحيّة بهدف إعادة برمجتها لتوليد المناعة.
- AstraZeneca، وهي بريطانية مقرّها الرئيسي في كامبريدج ولها أنشطة في أكثر من 100 دولة. تأسست عام 1994 بعد اندماج «زينيكا» البريطانية مع «أسترا» التي تأسست في السويد عام 1913، وهي تطوّر وتنتج وتسوّق مجموعة كبيرة من الأدوية تشمل معظم أمراض المعدة والجهاز التنفسي والقلب والأعصاب والسرطان والأمراض النفسية. قدّرت أرباحها في عام 2018 بما يزيد على 14 مليار دولار.
شكوك وتساؤلات حول مسار تطوير لقاحات «كوفيد ـ 19»
في ضوء «جرعة الأمل» التي قدمتها منظمة الصحة العالمية
شكوك وتساؤلات حول مسار تطوير لقاحات «كوفيد ـ 19»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة