أحمد فهمي: لا أبحث عن البطولة الأولى رغم نجاحي فيها

قال إنه يركز راهناً على التمثيل أكثر من الغناء

أحمد فهمي: لا أبحث عن البطولة الأولى رغم نجاحي فيها
TT

أحمد فهمي: لا أبحث عن البطولة الأولى رغم نجاحي فيها

أحمد فهمي: لا أبحث عن البطولة الأولى رغم نجاحي فيها

قال الفنان المصري أحمد فهمي، إنه لا يبحث عن البطولة الأولى رغم نجاحه في تقديمها بعدة مسلسلات، وأوضح أن عرض مسلسل «أسود فاتح» عبر منصة «شاهد» الإلكترونية أمر إيجابي جداً، وأكد في حواره مع «الشرق الأوسط» أنه يركز راهناً على التمثيل أكثر من الغناء، مشيراً إلى أنه يحب تصنيفه كممثل أكثر من تصنيفه كمطرب، ولفت إلى عدم سعيه خلال الفترة المقبلة للغناء منفرداً بعيداً عن فريق «واما».
في البداية تحدث فهمي عن الأسباب التي شجعته للمشاركة في مسلسل «أسود فاتح» قائلاً: «تحمست له لرغبتي في العمل مع المخرج كريم العدل والذي أعتز بصداقته جداً، وسبق أن تعاملت معه في أكثر من عمل على غرار فيلم «مصور قتيل»، ومسلسل «أنا الخائن»، بالإضافة إلى أن سيناريو المسلسل جيد جداً، والشخصية التي أجسدها جديدة لم يسبق لي تقديمها من قبل لأنها مركبة وصعبة، واعتبرت أن تجسيدها يعد تحدياً لي، بجانب رغبتي في العمل مع الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي التي اعتبرها ممثلة ممتازة ومتطورة بشكل مستمر، وتحمست للمسلسل كذلك بسبب احترافية الشركة المنتجة له وهي (الصباح برودكشن)».
وأشاد فهمي بعرض المسلسل على منصة «شاهد» الإلكترونية، قائلاً: «بالنسبة لي أصبح عرض أي عمل على منصة إلكترونية أهم بكثير من عرضه على التلفزيون، لأن أغلب الجمهور في الوقت الحالي يشاهد أعماله المفضلة عبر الهاتف المحمول أو الجهاز اللوحي لأن هذا يمكنه من المشاهدة بحرية بعيداً عن الفواصل الإعلانية، حتى في رمضان نفسه أصبح الجمهور ينتظر عرض الحلقات على الإنترنت، فضلاً عن أن المنصات الإلكترونية تمكن المشاهدين من مشاهدة العمل المفضل لديهم في أي وقت يفضلونه وعلى أي جهاز يرتاحون له بحرية تامة، وهذا العنصر هو سر قوة المنصات العالمية، وهذا ما جعل كثيراً من شركات الإنتاج سواء في مصر أو الخارج يفكرون في إنتاج أعمال لصالح المنصات.
ويؤكد فهمي أن مشاركته بأعمال درامية خارج مصر مجرد صدفة، وليس توجهاً فعلياً: «العمل في النهاية يفرض نفسه عليّ، فقد شاركت في عملين جيدين وقدمت شخصيتين مختلفتين وكان من الصعب رفضهما».
ورغم تقديم فهمي للبطولة الأولى في أكثر من عمل، فإنه يؤكد عدم سعيه للبطولة المطلقة أو البطولة الأولى، مشيراً إلى أنه يهتم أكثر بطبيعة الدور وقوته، ويقول: «البطولة المطلقة أو الأولى في طريقها للاختفاء، ولم يعد بمقدور أي فنان خوض بطولة عمل فني بمفرده من دون آخرين موهوبين، فالمستقبل أصبح للبطولة الجماعية، وقد انتهى عصر النجم الأوحد، فمثلاً في موسم رمضان الماضي نجح مسلسل «البرنس» لأن أداء جميع الأبطال كان مميزاً، وليس محمد رمضان فقط، ولا يوجد أي عمل درامي ناجح يقوم على شخص بمفرده، ومن خالف هذا النهج خلال الفترة الماضية فشل فشلاً ذريعاً لأن الجمهور يحب أن يشاهد مباراة تمثيلية بين عدة أشخاص.
وعن تركيزه على مجال التمثيل أكثر من الغناء، يقول: «منذ دخولي مجال التمثيل في عام 2007. وأنا أحب التركيز على التمثيل وتنمية قدراتي كممثل وأجد نفسي أكثر في هذا المجال، وخلال 13 عاماً لم أقدم سوى ألبومين غنائيين فقط لأني أحب التمثيل جداً واكتشاف مناطق جديدة فيه، وأنا بصراحة أحب تصنيفي كممثل أكثر من كوني مغنياً».
ويؤكد فهمي أنه لا يحب الغناء بمفرده: «أجد نفسي أكثر في الغناء برفقة (واما)، بعد تقديمنا عدة أغنيات ناجحة سوياً، كما أشعر أن وجودنا كفريق يخلق موسيقى جيدة، يسعد بها الجمهور».
ويتمنى فهمي تقديم أدوار تمثيلية تلائم إمكانياته وتطور مهاراته الفنية عبر العمل مع مخرجين مميزين على غرار نادين لبكي وشريف عرفة، ومروان حامد، لرؤيتهم الفنية القوية وقدرتهم الفائقة على توظيف مهارات الفنانين.
ويختتم فهمي حديثه بالتأكيد على اعتزازه بمعظم أدواره الفنية التي قدمها خلال السنوات الماضية، مشيراً إلى أن أقرب المسلسلات إلى قلبه «الداعية» و«سمرا» و«لأعلى سعر» و«أنا الخائن».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)