لبنان: عام الفراغ

عام 2014 في لبنان بدأ بعجز عن تأليف حكومة.. وانتهى بعجز عن انتخاب رئيس للجمهورية

صندوق اقتراع في مبنى البرلمان ببيروت انتظارا لجلسة تصويت لاختيار رئيس جديد في 22 ابريل (أ.ف.ب)
صندوق اقتراع في مبنى البرلمان ببيروت انتظارا لجلسة تصويت لاختيار رئيس جديد في 22 ابريل (أ.ف.ب)
TT

لبنان: عام الفراغ

صندوق اقتراع في مبنى البرلمان ببيروت انتظارا لجلسة تصويت لاختيار رئيس جديد في 22 ابريل (أ.ف.ب)
صندوق اقتراع في مبنى البرلمان ببيروت انتظارا لجلسة تصويت لاختيار رئيس جديد في 22 ابريل (أ.ف.ب)

بدأ لبنان عام 2014 وهو من دون حكومة، ثم أنهاه وهو من دون رئيس... أما البرلمان، فقد خضع لعملية «تمديد ذاتي» لولايته تثير الكثير من التساؤلات حول شرعيتها، فكان هذا العام بحق... عام الفراغ.
دخل لبنان العام 2014 مثقلا بهموم العام 2013. الرئيس المكلف تأليف الحكومة تمام سلام عاجز منذ أشهر عن الوصول إلى تشكيلة ترضي الجميع، وسط المطالب والمطالب المضادة. وبدا أن الإجماع الذي ناله في استشارات التكليف قد تبخر عند بدء التأليف، ففريق 14 آذار يرفض إعطاء «الثلث المعطل» لقوى «8 آذار» التي تضم «حزب الله» وحلفاءه، رفضا لتجربة إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، فيما كان الفريق الثاني متمسكا بتشكيلة تمنحه ثلث المقاعد الوزارية ومعها حق الفيتو على القرارات الأساسية في البلاد.
أما الهم الثاني، فكان هم الأزمة السورية الذي كان يرخي بظلاله على لبنان، أمنيا واقتصاديا واجتماعيا، مع وصول عدد اللاجئين السوريين إلى نحو مليون ونصف مليون لاجئ مسجل، بالإضافة إلى غير المسجلين، من عمال ومقيمين من غير المحتاجين، ما يرفع العدد إلى أكثر من مليونين، أي ما يقرب من نصف سكان لبنان.
لكن بداية العام، سجلت وجها مشرقا تمثل بانطلاقة أعمال المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي بدأت أعمالها في 16 يناير (كانون الثاني)، للنظر في جريمة اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري ورفاقه (في فبراير (شباط) 2005) ما أعطى اللبنانيين الأمل بوقف مسلسل جرائم الاغتيال السياسي التي كانت تطوى من دون محاسبة.
وقد اجتازت المحكمة الدولية خلال العام 2014 منتصف الطريق في مسيرة المحاكمات الغيابية لـ5 من كوادر أمن «حزب الله» متهمين بتنفيذ جريمة الاغتيال. وتمكّنت هذه الهيئة القضائية من استجواب عشرات الشهود الذين قدمهم الادعاء، ومناقشة مئات الوثائق، وحسمت أن التفجير الذي استهدف الحريري حصل فوق الأرض، وبواسطة شاحنة «ميتسوبيشي كانتر» محملة بأكثر من 2800 كيلوغرام من المواد شديدة الانفجار، ونفذها انتحاري لا يزال مجهول الهوية.
وتطرقت إفادات الشهود إلى كلّ هذه الأمور، وفي مقدمهم خبراء في المتفجرات والأدلة الجينية، وأطباء في علوم الموروثات الجينية، وخبراء في علم الزلازل ومحققون ممن شاركوا في التحقيقات الأولية عملوا من ضمن فرق تحقيق من جنسيات سويسرية وهولندية وألمانية وبلجيكية، وناجون من الانفجار. وقد عرفت هذه المرحلة بمرحلة الأدلة العلمية للجريمة. وفي 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بدأت مرحلة «الأدلة السياسية» التي انطلقت بمثول عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب مروان حمادة أمام المحكمة لتقديم شهادته التي استغرقت 9 أيام، قدّم فيها حمادة صورة كاملة عن «مرحلة الوصاية السورية على لبنان، وكيف أن القوات السورية ومخابراتها تحولت من قوة وصاية إلى قوة احتلال للبنان، ومرحلة ما سمّي تكوين القرار السياسي لاغتيال رفيق الحريري».
واعتبر رئيس المحكمة القاضي ديفيد راي أن «المحكمة تخوض في محاكمة طويلة ومعقدة تستدعي مئات الشهود وآلاف الوثائق، ومحاكمة يكون فيها الكثير من الأدلة الظرفية، وأهمية هذه الأدلة وإفادات الشهود لا تظهر إلا في مرحلة لاحقة عندما يتم تقييمها بعد عرضها بمجملها».
ويتوقع أن تشهد الجلسات المقبلة من المحاكمة في العام 2015 الكثير من المفاجآت، خصوصا أن المحكمة ستستمع إلى إفادة 14 شخصية سياسية وإعلامية من المقربين جدا من الرئيس رفيق الحريري، أبرزهم رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط.
في 15 فبراير ولدت حكومة تمام سلام، بعد معاناة طويلة، وبعد أن قدم فريق «8 آذار» تنازلات جوهرية بتخليه عن الثلث المعطل، لكن فرحة التأليف كانت ممزوجة بغصة الاستحقاق الرئاسي الذي كان يتبين يوما بعد يوم صعوبة إنجازه وانتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل 25 مايو (أيار) وهو موعد نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان.
وتضمّن البيان الوزاري الاعتراف بالمقاومة لكلّ اللبنانيين، وهي صيغة توافقية توصل إليها الجميع لتخطي مشكلة سلاح «حزب الله» الذي يحرص على تغطية لهذا السلاح في كل البيانات الوزارية للحكومات اللبنانية منذ اتفاق الطائف. ويعطي هذا السلاح مشروعية تفصله عن أسلحة الميليشيات الممنوعة قانونا.
أدرك الجميع حينها أن التوافق المريب بين الطرفين، كان معناه تسليما من قبلهما بأنه لا انتخابات رئاسية سوف تجري وأن هذه الحكومة مخصصة لشغل موقع رئاسة الجمهورية وإدارتها بالتوافق بين الطرفين.
كانت المعادلة القائمة، تعتمد على مرشح من كل من طرفي الأزمة. قوى 8 آذار وقفت وراء العماد ميشال عون، وقوى 14 آذار وقفت وراء رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع. ولما كان الطرفان يمتلكان عددا متقاربا من النواب (53 لـ14 آذار) و57 للفريق الآخر، فيما يقف 18 نائبا في الوسط أبرزهم النائب وليد جنبلاط وكتلته التي رشحت النائب هنري حلو كمخرج لها لعدم اتخاذ موقف مع أي من الطرفين لم يتم الانتخاب.
واستسلم الفريقان إلى قاعدة تقول بأن نصاب الانتخاب يحتاج إلى ثلث أعضاء المجلس، ما أعطى الفريقين القدرة على التعطيل، من دون أن يعطي أيا منهم القدرة على التفوق وتغليب رأيه. ولما كان الطرفان بعيدين كل البعد عن التوصل إلى تسوية، فقد كان من الطبيعي أن يشغر موقع الرئاسة.
لعب رئيس البرلمان نبيه بري دوره المفترض في عملية الانتخاب، فدعا إلى جلسة انتخاب تلتها أخرى ثم أخرى حتى بلغ عددها 16 جلسة غاب عن 15 منها نواب التيار الوطني الحر و«حزب الله» ما أفقدها نصابها وجعل لبنان يقضي العام 2014 من دون رئيس.
وقد اتفق الفرقاء السياسيون منذ انتهاء ولاية سليمان على قواعد لتسيير أمور مجلس الوزراء، تقوم على استبدال توقيع رئيس الجمهورية بتواقيع الوزراء الـ24، وبالتالي فإن قرار أحدهم عدم التوقيع يسقط أي مشروع قرار وزاري. وبما أن صلاحيات الرئيس اللبناني محدودة بإطار ما نص عليه اتفاق الطائف، يجري حاليا تسيير أعمال الدولة من دون عراقيل جوهرية، وهو ما يخشى مسؤولون في الكنيسة المارونية من استمراره، وبالتالي اعتياد الواقع القائم حاليا حيث يغيب التمثيل المسيحي عن المواقع الرئاسية الـ3. حيث إن منصب رئيس البرلمان يشغله السنة ومنصب رئيس الحكومة يشغله الشيعة، فيما يشغر موقع الرئاسة المعطى للمسيحيين، والموارنة منهم تحديدا.
وشهد العام 2014 مبادرات إيجابية تمثلت في الحوارات التي أطلقت في أكثر من مكان بين المتخاصمين، أولها الحوار الذي خاضه تيار «المستقبل» برئاسة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري مع تكتل «التغيير والإصلاح» الذي يرأسه العماد ميشال عون. والذي أعطى نتائج لافتة رغم اختلاف دوافعه. فعون كان ينفتح على الحريري من أجل إقناعه بتبني انتخابه رئيسا للجمهورية، والحريري يريد من هذا الحوار تسيير أمور الدولة، وقد أنجز بالفعل تأليف الحكومة وتمرير الكثير من التعيينات والمشاريع الأساسية.
أما الحوار الذي اختتم العام، فكان حوار «حزب الله» والحريري، والذي انطلق بتوقعات متواضعة، فتم تحييد موضوع السلاح وتدخل حزب الله في سوريا، كما تم تحييد موضوع رئاسة الجمهورية وانتخاب رئيس جديد، ليقتصر الأمر على تبريد الاحتقان السني – الشيعي، أي كان قد بلغ ذروة مطلع العام على خلفية تدخل «حزب الله» في الحرب السورية. وحرص تيار «المستقبل» على تطمين حلفائه، فأكد أحد نوابه أن «الجلسة الأولى من الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله اتسمت بالصراحة وشملت كل مواضيع الخلاف، والتوجهات كانت طيبة من الجميع». وقال النائب سمير الجسر: إن الحوار «جاء نتيجة للتوجهات الطيبة لدى راعييه الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، وللقرار الوطني لدى كل من الرئيس سعد الحريري والسيد حسن نصر الله. وقد ذهبنا للحوار بقناعة أن الحوار مطلب وطني، ونتحاور مع حزب الله الذي نختلف معه في قضايا كثيرة لمنع تداعياتها الخطيرة على البلد. ولعل الحوار يفتح ثغرة لوقف الشغور في رئاسة الجمهورية، ولن نتجاوز حلفاءنا في حال حصول تقدم، والحوار ليس لإنشاء حلف رباعي ولا يستهدف المسيحيين».
وينتظر أن يفتتح العام 2015 بحوار من نوع آخر، يوازي الحوار الإسلامي، ويضم القطبين المسيحيين المتصارعين، عون وجعجع، حيث يتوقع أن يحصل اللقاء بين الطرفين في أي لحظة، فاتحا الباب لحوار مسيحي موازٍ يعمل على خفض التوترات القائمة، ويبقي لبنان في دائرة الاستقرار أو «الخطر المستقر» بسبب عدم وجود آفاق للحل، وعدم وجود رغبة مقابلة بتدهور الأمور وانفلات الأوضاع من قبل الدول الراعية للوضع اللبناني.



رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.