دمشق ترفض ترسيم الحدود للاحتفاظ بأوراق الضغط على بيروت

تسعى لاستخدام «مزارع شبعا» في المفاوضات مع إسرائيل

قوات الجيش اللبناني قرب الحدود مع سوريا تطارد «داعش» في 2017 (غيتي)
قوات الجيش اللبناني قرب الحدود مع سوريا تطارد «داعش» في 2017 (غيتي)
TT

دمشق ترفض ترسيم الحدود للاحتفاظ بأوراق الضغط على بيروت

قوات الجيش اللبناني قرب الحدود مع سوريا تطارد «داعش» في 2017 (غيتي)
قوات الجيش اللبناني قرب الحدود مع سوريا تطارد «داعش» في 2017 (غيتي)

يفتح إصرار مصرف لبنان على رفع الدعم عن المحروقات بدءاً من مطلع العام المقبل، الباب أمام السؤال عن مصير المحاولات اللبنانية لدى النظام في سوريا لترسيم الحدود المشتركة بين البلدين على امتداد 357 كيلومتراً، والتي طُرحت للمرة الأولى في العلن على طاولة مؤتمر الحوار الوطني الأول الذي استضافه رئيس المجلس النيابي نبيه بري في نيسان أبريل (نيسان) 2006 من دون أن تلقى تجاوباً من دمشق، برغم أن أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله الذي شارك في المؤتمر كان تعهد بالتواصل مع القيادة السورية، مشترطاً أن يصار إلى استبدال عبارة ترسيم الحدود بتحديدها باعتبار أن هذه المسألة تتعلق بدولتين شقيقتين وليستا على خصام.
إلا أن ترسيم الحدود بقي عالقاً، مع أنه كانت تشكّلت لجنة مشتركة أُوكلت إليها مهمة ترسيم الحدود وظلّت حبراً على ورق وبات مطلوباً إعادة تفعيلها بتشكيل لجنة جديدة. وعلمت «الشرق الأوسط» أن مسألة ترسيم الحدود اللبنانية - السورية أو تحديدها بقيت عالقة إلى أن تقرر تحريكها في أعقاب قيام رئيس الحكومة آنذاك الرئيس سعد الحريري بزيارة دمشق في عام 2010 استجابة لوساطة قامت بها المملكة العربية السعودية.
وبناء عليه كُلّف في حينها وزير التنمية الإدارية جان أوغاسبيان بمهمة التحضير للزيارة الثانية التي قام بها الحريري على رأس وفد وزاري وإداري ضم 12 وزيراً والتقى خلالها نظيره السوري محمد ناجي العطري والوزراء السوريين المعنيين، وانتهى الاجتماع إلى التوقيع على 28 اتفاقية، من بينها اتفاقيات أُدخلت عليها تعديلات بناء على طلب الجانب اللبناني.

مزارع شبعا
إلا أن التحضير لهذه الزيارة لم يلحظ، بناء لإلحاح من الجانب السوري، إحياء اللجنة المشتركة لترسيم الحدود بين البلدين، ومن بينها مزارع شبعا المحتلة الواقعة ضمن القرارين 242 و338 اللذين صدرا عن مجلس الأمن الدولي في أعقاب حرب يونيو (حزيران) 1967 مع أن أوغاسبيان أنجز كل التحضيرات بدءاً بتشكيل الوفد اللبناني ومروراً بإعداد كل الوثائق والأدلة والمستندات التي هي في حوزة الحكومة اللبنانية منذ حكم السلطنة العثمانية إلى الانتداب الفرنسي مدعومة بخرائط جوية للمناطق الحدودية أعدتها قيادة الجيش اللبناني.
وتذرّع الجانب السوري، ممثلاً بوزير الخارجية وليد المعلم، في مطالبته بترحيل البحث في ملف ترسيم الحدود، بأن دمشق منشغلة حالياً بترسيم الحدود السورية - الأردنية وأن عامل الوقت لا يسمح للجنة اللبنانية - السورية بأن تجتمع، إضافة إلى أن المعلم اقترح عدم شمول مزارع شبعا بعملية الترسيم.
وتم الاتفاق بأن تباشر اللجنة المشتركة أعمالها فور الانتهاء من ترسيم الحدود الأردنية - السورية، على أن تبدأ عملية الترسيم من الحدود الشمالية باتجاه المناطق المتداخلة بقاعاً.
لكن دمشق ما زالت حتى الساعة تمتنع من ترسيم الحدود المشتركة بين البلدين، وأن الاجتماعات الوحيدة التي عُقدت إبان تولي الحريري رئاسة الحكومة وقبل أن تقرر «قوى 8 آذار» المتحالفة مع «التيار الوطني الحر» الإطاحة بحكومته بالتزامن مع اجتماعه بالرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض اقتصرت على اجتماعين، الأول بين محافظ الشمال ونظيره السوري محافظ طرطوس، والثاني بين محافظ البقاع ونظيره السوري محافظ حمص.
وخُصص هذان الاجتماعان للنظر في النزاع العقاري المترتّب على التداخل القائم بين الأراضي السورية واللبنانية، فيما ترفض دمشق البحث في ترسيم الحدود، وهذا ما أكده الوزير المعلّم أخيراً في رده على مطالبة المجتمع الدولي، ومن خلاله الصندوق الدولي، بوجوب ضبط التهريب من لبنان إلى سوريا وإقفال المعابر غير الشرعية وصولاً إلى ترسيم الحدود بين البلدين.
لذلك فإن دمشق تصر على الاحتفاظ بورقة مزارع شبعا وترفض التنازل عنها في الأساس لإلحاقها بالقرارات الدولية الخاصة بلبنان، وهذا يتطلب منها التوصل إلى اتفاق مع الحكومة اللبنانية يصار إلى تسجيله لدى الأمم المتحدة لإخراج المزارع من القرارين 242 و338 وضمها قانونياً إلى لبنان، خصوصا أن ملكية أراضيها لبنانية وإنما خاضعة للسيادة السورية. وهكذا تتوخى دمشق من خلال عدم إقرارها في الأساس، وليس في الشكل، بلبنانية المزارع بأن تحجز لنفسها مقعداً لتوظيفه في مفاوضاتها مع إسرائيل في حال تقرر معاودتها بغطاء دولي.

تهريب المحروقات
وعليه فإن مسألة ترسيم الحدود اللبنانية - السورية لم تُطرح بالتزامن مع الاستعداد لبدء المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية لترسيم الحدود البحرية والبرية بين البلدين برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أميركية، وإنما أعيد طرحها في ضوء تزايد تهريب المحروقات من لبنان إلى سوريا وكادت الكمية المهربة تتسبب في استنزاف الخزينة اللبنانية من خلال مصرف لبنان الذي يدرس رفع الدعم عن المشتقات النفطية لأن استمراره بات يخدم عمليات التهريب المنظمة بغياب القدرة على وقفها، وبعدم وجود غطاء من القوى السياسية الموجودة في البقاع الشمالي يُستخدم لردع المهربين الذين يجنون أرباحاً طائلة، لأن صفيحة البنزين المهربة إلى سوريا تباع بخمسة أضعاف سعرها المدعوم في لبنان.
وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن هناك جهات محلية بقاعية ترعى التهريب للالتفاف على «قانون قيصر»، وبالتالي لا مصلحة لدمشق في ترسيم الحدود أو في التعاون مع السلطات اللبنانية لوقف عمليات التهريب المنظمة باعتبار أن خطوط التهريب تشكل الرئة التي يتنفس منها النظام في سوريا.
ويبقى السؤال كيف ستتصرف القوى السياسية، وعلى رأسها «حزب الله»، في حال تقرر رفع الدعم وأن يكون البديل في الوقت الحاضر إخضاع تزويد المناطق التي تستخدم لتهريب المحروقات إلى سوريا إلى تقنين مدروس يؤمن حاجتها للمشتقات النفطية؟ وما هي الدوافع التي تمنع الحزب من التدخل للإبقاء على هذا الدعم مراعاة منه لأوضاع الملايين من اللبنانيين الذين يعيش أكثر من نصفهم تحت خط الفقر وباتوا يعانون من ضائقة مالية ولا قدرة لهم على تحمّل المزيد من الأعباء لاسترضاء «محمية» دويلة المهربين الممتدة من جرود الهرمل إلى القصير السورية؟



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».