تزخر حكاية المدونات في السعودية بالتفاصيل والحنين، إذ يتذكر الكثيرون الحقبة الذهبية للتدوين والمدونات التي انطلقت قبل نحو 15 عاماً، وغزارة التدوين المكتوب عبر مواقع «البلوغ» آنذاك، وهي تجربة ثرية خرج على أثرها الكثير من الشباب والفتيات إلى الواجهة الثقافية والإعلامية، ومعظمهم توقف الآن عن التدوين، بعد أن سحبت شبكات التواصل الاجتماعي البساط من تحت المدونات، وجذبت الكُتاب والكاتبات إليها.
وعلى الرغم من تراجع عدد المدونين السعوديين، مقارنة بالفترة الذهبية، إلا أن هناك جيلاً آخر يحاول إعادة وهج التدوين. وتبدو المدونات بالشكل الحديث أقل حجماً وأكثر زخماً وحيوية من التدوين القديم، مع جهود جادة لإعادة التدوين إلى واجهة المشهد الثقافي بصورة عصرية، من ذلك قيام شابين سعوديين بتأسيس منصة «كرميلا» للتدوين، وهي منصة تنافس «وورد بريس» العالمية، كما يوضح بندر رفة، رئيس «كرميلا»، لافتاً إلى أن المنصة التي أسسها مع شريكه سامي الزهراني جاءت لإنعاش حراك التدوين في السعودية، وأشار إلى أنه وصديقه الزهراني كانا يمارسان التدوين منذ عام 2005، على منصة «وورد بريس»، «كنا حينها نتمنى وجود أشياء كثيرة أسهل ومزايا مختلفة»، مبيناً أن هذا دفعهم للعمل على إنشاء منصة متطورة تحاول أن تسبق «وورد بريس» ببَون شاسع، حسب وصفه.
وبسؤاله عن سر هذه الثقة في القدرة على تجاوز منصة عالمية، يفيد بأن المنصة السعودية أفضل في التنسيق، وتعدد الخيارات الإخراجية في إضافة مختلف العناصر البصرية للتدوينة.
وتابع: «هذه ميزة أن تكون اللاعب الأصغر سناً في الحقل نفسه». وذكر في حديثة لـ«الشرق الأوسط»، أن عدد المدونين في «كرميلا» تجاوز 35 ألف مستخدم، معظمهم من السعودية، ثم دول عربية، وإسبانيا، وأميركا، واليابان، ودول أخرى. لكن يبقى السؤال عن سبب بقاء التدوين في عصر الشبكات الاجتماعية، وهنا يؤكد رفة أن التدوين يحمل عنصر الاستدامة بصورة أكبر.
وحول أبرز ملامح الجيل الجديد من المدونين السعوديين، يقول رفة «التدوين فيما مضى كان يليق بالفضفضة، لكن الآن اختلف الأمر، فهو يناسب فقط الأشياء التي لها قيمة». ويصف رفة المدونين الجدد بأن حياتهم مشغولة أكثر بكثير من الجيل الماضي للمدونين، إلى جانب وجودهم في معظم الوقت خارج المنزل، واستخدام الهواتف المحمولة أكثر من أجهزة الكومبيوتر «من حيث التدوين والمحتوى، أرى أن الشباب من المدونين الجدد هم أفضل بكثير ممن سبقوهم».
في السياق نفسه، تبرز هيفاء القحطاني، مدونة سعودية بدأت التدوين في 2007، وما زالت تكتب بانتظام عبر مدونتها «قصاصات»، وهي من القلائل الباقين في التدوين بعد رحيل جيل المدونين السابق، عن بدايتها تقول «الحقيقة أنّ ما جذبني إليه في البداية هو شعبيته التي انطلقت في تلك الفترة بين مستخدمي الإنترنت محلياً. كانت المرحلة السابقة للتدوين الكتابة في المنتديات، وكان هو الجديد حينها. لكنني اكتشفت لاحقاً أنه مكاني الجديد المفضل لأنه مساحة خاصة لا تخضع لقوانين المنتديات حينها، أو ازدحام المشاركات، والتعليقات. أصبحت مدونتي مثل مذكرة يوميات إلكترونية».
وحول دافعها للاستمرارية، قالت هيفاء «أعتقد أنه السبب نفسه الذي دفعني للتدوين أول مرة. ولأن مدونتي تحولت لذاكرة رقمية لأهم أحداث حياتي. أيضاً أصبحت مثل سيرة ذاتية سريعة أرشد إليها من يسأل عن مهاراتي الكتابية، أو المشاريع التي عملت عليها وتنقلاتي المهنيّة».
وعن التجارب الحديثة للمدونين السعوديين، تقول: «مثيرة للاهتمام وأرى فيها تنوّعاً في أساليب الكتابة والمحتوى، فهناك من يدوّن بالكتابة، أو بالصور، أو الصوت، أو بالفيديو، ومساحة الإبداع اتسعت خلال السنوات الماضية».
القحطاني أكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن وهج التدوين والمدونات لم يخفت تماماً، قائلة: «إذا أمكننا اعتبار منصات التواصل الاجتماعي منصات للتدوين، فهي تمثل الصيغة (المصغرة) منه. وتوقف المدونين عن الكتابة في منصات التدوين التقليدية لا يعني أنهم توقفوا تماماً، هم وجدوا مكاناً آخر يدعم تجربتهم الإبداعية».
وعن الفرق بين التدوين بشكله التقليدي وهذه المنصات، تقول «الفرق أن التدوين في منصات التواصل الاجتماعي يعني الكثير من الاختصار، وغياب المواضيع الطويلة الممتعة. وقد يخيفني شيء آخر، هو أن منصات التواصل الاجتماعي عرضة للتوقف فجأة، وبالتالي ضياع كل هذه الكنوز الموزعة بينها».
عودة المدونات في السعودية
بإيقاع ثقافي جديد يتصدره جيل من الشباب
عودة المدونات في السعودية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة