يطل مزاد فنون العالم الإسلامي والهندي بدار كريستيز يوم 28 من الشهر الحالي، محملاً بنفائس متنوعة تعكس حضارة الأندلس والعصور الإسلامية المتعاقبة في مصر وسوريا وإيران وأفغانستان وبالطبع الهند. عند التمعن في القطع المختلفة التي يضمها كاتالوغ المزاد وأيضاً في الطبيعة أثناء زيارة لقسم الفن الإسلامي بالدار، لا يتوقف الشعور بالانبهار من جماليات الصناعة وثراء الخامة للحظة، فنحن أمام قطع تختصر فيما بينها مشاهد من الحياة في عصور مختلفة، نرى ما أنتجته أنامل الخطاط، وما شكلته يد الحرفي من أوانٍ نحاسية وفضية، وأيضاً نتخيل لمحات من حياة الملوك والأمراء ولقطات من مأدبة طعام تلمع فيها الجواهر على العمائم وتطل الأسلحة المزركشة والمرصعة، ناهيك عن السجاد الوثير والمقاعد الوثيرة.
اللقاء مع رئيسة قسم الفن الإسلامي سارة بلمبلي دائماً يأخذنا لرحلة فنية وتاريخية مع القطع التي تشارك في اختيارها. أسألها عن أهم القطع في المزاد بينما يسرح بصري عبر قطع أخرى متناثرة حولنا.
صفحة من مصحف بالخط الحجازي
تبدأ بلمبلي بقطعة لها أهمية تاريخية ودينية كبيرة فتعرض أمامي مخطوطة من مصحف كتب في سنوات الإسلام الأولى، في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي. تشير إلى المساحة بين الكلمات والأحرف الطويلة، وتقول إن الخطاط لم يحاول الاقتصاد في المساحة وبما أنه يكتب على صحائف من الجلد فيمكننا تخيل شكل المصحف كاملاً بكل أجزائه، فلا بد أنه كان مجلداً «ضخماً» كما تقول لنا. بالنسبة لحالة المخطوطة تقول إنها «جيدة جداً»، مضيفة: «تمر علينا قصاصات مماثلة تاريخياً أصغر في حجمها، ولا نرى في العادة مخطوطة متكاملة». الصفحة أمامنا تمثل آخر سورة مريم، ونرى ختام السورة والزخارف التي تمثل بداية السورة التالية»، وهو أمر «نادر» كما نقول محدثتنا، «من المؤكد أن نسخة المصحف المكتملة كانت مكلفة جداً، ويمكننا أن نستنبط من ذلك أن تكون قد كتبت لأمر شخصية رفيعة. المخطوطة مقدر لها سعر يتراوح ما بين 250 ألف إلى 350 ألف جنيه إسترليني، وهو سعر تقول عنه بلمبلي إنه أقل من السعر الذي بيعت به قطع من مصاحف مماثلة أصغر حجماً من المخطوطة أمامنا.
علبة أندلسية
نحن أمام علبة ذات ثمان أضلاع من الخشب المطعم بالعظم الملون بالأزرق والأخضر بدقة بديعة. على الغطاء ألسنة معدنية مطلية بالذهب تتدلى للأمام لتكون مع حلقة مثبتة قفلاً للصندوق. تقول بلمبلي: «الصندوق من مجموعة صغيرة مماثلة يوجد منها الآن ستة صناديق أحدها بيع في مزاد لدار سوذبيز الموسم الماضي، محققاً نصف مليون جنيه إسترليني». أتساءل عن استخدام الصندوق والذي يزهو بجمال تصميمه وزخرفته، تجيبني ببساطة: «لا أعرف، لا أحد يعرف الإجابة. وإن كان هناك صناديق مشابهة كانت تستخدم لحفظ الحبر وأخرى مصنوعة من العاج بها ثقوب من الجوانب كانت تستخدم لحفظ المواد العطرية».
بالنسبة للصندوق أمامنا والذي يحمل ذكريات بلاط بني نصر في غرناطة، فهو قطعة قيمة جداً تاريخياً وفنياً. يتميز بالألوان الصريحة ويعد من القطع القليلة التي تستخدم هذه الألوان في تطعيم الخشب وهي تماثل الألوان المستخدمة في بلاطات قصر الحمراء بغرناطة. الصندوق مقدر له سعر يتراوح ما بين 200 ألف و300 ألف جنيه إسترليني.
إناء مملوكي
القطع المعدنية التي تعود للعصر المملوكي تعد من القطع المهمة في أي مزاد تحل به، وهي أيضاً تتصدر معروضات المتاحف العالمية. وهنا نرى إناءً من الربع الثاني من القرن الـ14 صنع في سوريا من النحاس المطعم بالذهب والفضة وبعض ألوان المينا التي بقيت على أجزاء من السطح. الإناء يبدو وكأنه صمم لحمل السوائل وصبها. تأخذني بلمبلي من تخيل مشهد مائدة عامرة يحتل فيها الإناء مكاناً رئيسياً لتشير إلى شعار محفور أعلى الإناء لعائلة أوروبية. تقول إن الإناء صنع لأمر عائلة «بازي» الإيطالية، وهي عائلة معروفة ويدل وجود الشعار على أن القطعة صنعت للتصدير. تتميز النقوشات على الجزء الأسفل من الإناء بمشاهد لمطاردة بين وحيد القرن وفيل وبين أسود وظباء. السعر التقديري يتراوح ما بين 40 على 60 ألف جنيه إسترليني.
شمعدان من الموصل
أمامنا حامل للشمع من النحاس المنقوش صنع في الموصل في القرن الـ14. عليه كتابات بخط الثلث وزخارف هندسية. يتميز الشمعدان بشارات دائرية تحمل رسومات تصور كل منها رجلاً عربياً في الغالب يرتدي عمامة ويحمل خنجراً معكوفاً مثبتاً في خاصرته، بينما يمتطي ظهر جمل. تقول بلمبلي إن وجود الرسومات أمر غير معتاد في القطع المماثلة، مما يرجح أن يكون الشمعدان صنع بناء على طلب خاص. ويبدو أن القطعة أهديت فيما بعد لمسجد، حيث تظهر آثار لمسح معالم الوجوه.
لوحة مأدبة نصر الدين شاه
على غلاف الكاتالوغ صورة للوحة تمثل مأدبة ملكية مقامة في قاعة فائقة الجمال وغنية بالتفاصيل الدقيقة التي يجب التوقف قليلاً لاستيضاحها. أتخيل أن تكون اللوحة صغيرة ولكنها هنا في ركن من الحجرة تعرضها بلمبلي ضخمة الحجم وعند رؤيتها بالحجم الطبيعي تزيد جمالاً. المشهد مرسوم بدقة شديدة بيد الرسام يحيى غفاري، وتعود لعام 1870. في اللوحة الزيتية يصور الفنان قاعة «نارنجستان» في قصر كولستان بإيران، المشهد أمامنا لطاولة تمتد في عمق اللوحة محملة بالطعام والشراب، وعلى جانبي المائدة صفان من الزوار المنحنيين في تحية للحاكم نصر الدين شاه، الذي يقف على يسار اللوحة. تشير بلمبلي إلى نافورة في مقدمة اللوحة، وتشير إلى أنها هدية من الملكة فيكتوريا للشاه، وأنه بنى هذه القاعة خصيصاً لإبرازها. التأثير الأوروبي في اللوحة يظهر من طريقة الرسم ومن التفاصيل مثل اللوحات المعلقة على الجدران وتمثيل بورتريهات لشخصيات أجنبية والأواني الزجاجية المرصوصة على الجانبين. اللوحة يقدر لها سعر يتراوح ما بين 100 ألف إلى 200 ألف جنيه إسترليني.