«تحية إلى بيروت» من «مهرجان لبنان المسرحي للحكواتي»

لقطة من الدورة الأولى للمهرجان
لقطة من الدورة الأولى للمهرجان
TT

«تحية إلى بيروت» من «مهرجان لبنان المسرحي للحكواتي»

لقطة من الدورة الأولى للمهرجان
لقطة من الدورة الأولى للمهرجان

لا يزال فن رواية القصص الأدبية والشعبية من خلال شخصية الحكواتي يملك جمهوره الواسع في لبنان. فهذا الفن الذي يعود تاريخه إلى مئات السنين هو عادة شعبية تقليدية. ويتمثّل بسرد القصص من قِبل صاحب هذه المهنة في المنازل والمحال والمقاهي والطرقات. فيحتشد حوله الناس، ويصغون إلى حكاياته وإلى سرد أحداث القصة بتفاعل دائم معه. وكان حماسه يدفعه لتجسيد دور الشخصية التي يحكي عنها بالحركة والصوت.
اليوم، يتخذ الحكواتي طابعاً حديثاً يواكب العصرنة التي نعيشها. وأسهمت وسائل التواصل الاجتماعي بنشره وتبادل حكاياته بين بلاد وأخرى، فلم يعد مقيّداً بمحلة أو شارع أو مقهى محليين.
وفي مدينة صور الجنوبية، وتكريماً لهذه المهنة التراثية، تنظم «جمعية تيرو للفنون» و«المسرح الوطني اللبناني» النسخة الثانية من «مهرجان لبنان المسرحي الدولي للحكواتي». فعلى مدى 3 أيام (من 10 حتى 12 أكتوبر/ تشرين الأول) سيتناوب حكواتيون من لبنان وخارجه على رواية القصص. وبينها ما سيدور في الهواء الطلق، وأخرى في صالات تطبق فيها قواعد التباعد الاجتماعي. وخصّص اليوم الثالث من المهرجان لوسائل التواصل الاجتماعي (أونلاين).
ويهدف المهرجان إلى المحافظة على التراث والهوية والفن الحكواتي من أجل إيصاله إلى جيل الشباب بصورة واضحة. كما يسلط الضوء على اللغة العربية الفصحى، لا سيما أن بعض الحكواتيين سيروون قصصهم من خلالها.
يقول قاسم إسطنبولي، منظم هذا الحدث، لـ«الشرق الأوسط»: «نتمسك بإقامة هذا المهرجان، رغم الأجواء غير المستقرة التي نعيشها على أصعدة مختلفة، صحية واجتماعية وسياسية وغيرها. فنحن نشعر أنه من واجبنا الحفاظ على تراثنا، ونتوجه في هذا الحدث إلى مدينة بيروت، كونها تمثل مساحة مضيئة معروفة في عالمنا العربي منذ عشرات السنين. واليوم، وبعد الانفجار الذي تعرّضت له، أردنا أن نوجه لها تحية تكريمية، ونتحدث بلسان حالها الثقافي والفني».
ويرى إسطنبولي أن حماساً كبيراً يبديه المشاركون في هذا الحدث، وأن عدداً منهم لم تمنعه المحيطات ولا المسافات البعيدة من ذلك، إذ «سيقومون من مراكز إقامتهم، في فرنسا والمغرب ومصر والجزائر وغيرها، بهذه المهمة عبر الشبكة العنكبوتية (أونلاين). فمهنة الحكواتي الحقيقية تقوم على الاتصال والتفاعل المباشر بين الحكواتي وجمهوره، ولكن في زمن التباعد الاجتماعي ستشهد المهنة تغييراً يصب في صالحنا إلى حدّ كبير».
ومن ناحيتها، تقول أمال المازوري، وهي حكواتية من المغرب، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «تخدمنا التكنولوجيا المتطورة إلى حدّ كبير، وقد سبق أن لمسنا ذلك في مهرجانات مشابهة. أما التحية التي نتوجه بها إلى بيروت، بصفتنا حكواتيين، فهي أقل ما يمكننا القيام به تجاه مدينة لا تشبه غيرها في عالمنا العربي، وقد لعبت دوراً ثقافياً بارزاً. أما الحكاية التي سأرويها، فهي نابعة من روح بيروت وعواصم عربية أخرى. ولولا ضيق الوقت، لكنت اتبعت أسلوب شهرزاد بالكلام، لأن بيروت تستأهل منّا كل هذا الاهتمام لأنها تسكن كياننا».
ويفتتح برنامج المهرجان في ميناء الصيادين، في مدينة صور، بمشاركة كل من الحكواتيين سارة قصير ونسيم علوان ورجاء بشارة وخالد نعنع. ويقول هذا الأخير في معرض حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا شكّ أن عصر الإنترنت أضعف من فاعلية مهنة الحكواتي القائمة على الرواية المباشرة. ولكنه في الوقت نفسه وفّر لنا فرصة انتشار أكبر لم نكن نحلم بها. فالحكواتي اليوم يصل إلى الناس في بيوتهم، بعدما كانوا يقصدونه في المكان الموجود فيه، من مقهى شعبي أو ساحة».
ويتابع نعنع: «حتى الناس صار لديهم فكرة واسعة عن هذا التراث الفني القديم المتجدد، ويتمتعون بالصبر، وبقدرة أكبر على الاصغاء». وعن سبب تقصير قصص الحكواتي، بعدما كانت تستغرق ساعات طويلة في الماضي، يرد نعنع: «لو لم نقم بذلك، لكنّا قضينا على هذا التراث بأيدينا. فكل فنون العالم تحتاج إلى التطوير، والقصة القصيرة تستقطب أكبر عدد من الناس، فيما هناك قلة قليلة لا تزال تتعلق بالحكاية الطويلة، وتعرف بـ(النخبة)».
وعن الموضوعات التي سيتناولها في قصصه المروية في المهرجان، يقول: «موضوعات متنوعة، بينها ما يطال بيروت بصورة مباشرة، والعكس. فميزة الحكايات الشعبية تقوم على شخصيات ومعالم وأحياء تراثية من الحمامات إلى الأسواق، وصولاً إلى العلاقات الأسرية والعلاقات بين الوالي وشعبه. أما الموضوعات الآنية، فستدور حول الحرية (العصفور في القفص) وقيم اجتماعية أخرى نحتاج إليها ونطالب بها حالياً في لبنان».
أزياء الحكواتي التي كانت تتمحور حول تصاميم تراثية وأدوات تابعة لها، كالعباءة والعصا والطربوش، لم تعد رائجة كما في الماضي. فالحكواتي اليوم لا يتوانى عن ارتداء الجينز والقميص القطني وحذاء الرياضة، كأي شخص آخر. «أنا شخصياً أحب ارتداء العباءة»، يقول جهاد نعنع، ويتابع: «أما فرض زي معين على الحكواتي، فلم يعد أمراً متبعاً».
وفي اليوم الثاني من المهرجان (11 أكتوبر)، تجري عروض للأطفال، يشارك فيها الحكواتيون سحر شحادة وغوى غلام ورنا غدار وغيرهم. وفي اليوم الثالث (12 أكتوبر)، يطل حكواتيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أمثال نيروز الطنبولي من مصر، وسعاد حموعر وآمال المازوري من المغرب، وجهاد درويش من فرنسا، وغيرهم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».