إنجازات بالجملة.. ورام الله تنافس كبرى العواصم

عام السينما والمعارض الفنية وأمسيات متحف درويش ورحيل صاحب «منتصب القامة»

مشهد راقص قدمته فرقة {بيرزكا} الروسية
مشهد راقص قدمته فرقة {بيرزكا} الروسية
TT

إنجازات بالجملة.. ورام الله تنافس كبرى العواصم

مشهد راقص قدمته فرقة {بيرزكا} الروسية
مشهد راقص قدمته فرقة {بيرزكا} الروسية

يمكن القول من دون تردد، إن متحف محمود درويش كرّس نفسه خلال عام 2014، مركزا ثقافيا فنيا بات الأكثر حضورا في فلسطين على مختلف الأصعدة. فقد استضاف المتحف، في إطار مشروعه «في حضرة درويش»، كثيرا من الكتاب والروائيين والشعراء والأدباء العرب، من بينهم الروائي الكويتي سعود السنعوسي، الفائز بجائزة البوكر العربية لعام 2013. عن روايته «ساق البامبو»، والشاعر العراقي عدنان الصائغ، والروائية الكويتية ليلى العثمان، والكاتب والشاعر الفلسطيني إبراهيم جابر إبراهيم، والكاتب والروائي الفلسطيني يحيى يخلف، والأديب والروائي الأردني مفلح العدوان، والشاعر التونسي محمد الصغير أولاد أحمد، بينما تعذر حضور الروائي السعودي عبده خال، وكان مقررا في الـ23 من ديسمبر (كانون الأول) الحالي.
من داخل قاعة الجليل في المتحف، أطلق كثير من الكتب والروايات ودواوين الشعر، أبرزها المجموعة الشعرية لغسان زقطان «لا شامة تدل أمي عليّ»، وكتاب «وديع حداد» لبسام أبو شريف، ورواية «الشيخ ريحان» لأحمد غنيم، ورواية «ما وراء الجسد» لميرفت مصلح، وديوان «فوق عنق الغزال» للشاعر عامر بدران، وكتاب «محمود درويش في حكايات شخصية» لنبيل عمرو، وديوان «كشتبان» لزكريا محمد، وديوان «حين سار الغريب على الماء» لإيهاب بسيسو، وغيرها الكثير، علاوة على احتضان العشرات من الأمسيات الشعرية والندوات الفكرية والثقافية ومعارض الفن التشكيلي والأمسيات الموسيقية والغنائية والمسرحيات، وفي إطار مشروع «الأربعا سينما»، وينفذه المتحف بالتعاون مع «Shayeb Group»، استضافت القاعة ذاتها أكثر من 50 عرضا سينمائيا جلها أفلام روائية من مختلف دول العالم، ومن بينها أفلام فلسطينية عُرضت لأول مرة، وبعضها بحضور مخرجيها، كأفلام «غزة تنادي» لناهد عواد، و«نهر البارد يروي» لساندرا ماضي، وفيلم «آخر الأيام في القدس» لتوفيق أبو وائل، وفيلم «لما شفتك» لأن ماري جاسر، إضافة إلى عرض الفيلم الأميركي «12 سنة عبودية» الفائز بالأوسكار، والفيلم الإيطالي «الجمال العظيم» الفائز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي، والأفلام التي كانت مرشحة للأوسكار، ونخبة من الأفلام من جنسيات مختلفة عربية وأجنبية بحيث تمثل القارات كافة.

* قلنديا الدولي

* وكان من أبرز الفعاليات الفنية في فلسطين خلال العام الحالي، برنامج «قلنديا الدولي الثاني»، بمشاركة 13 مؤسسة ثقافية و100 فنان فلسطيني وعالمي، وتواصلت فعالياته منذ نهاية أكتوبر (تشرين الأول) وحتى منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، وانتظم المهرجان في أنحاء مختلفة من فلسطين التاريخية بما فيها القدس، وغزة، ورام الله، وحيفا، والخليل، وطولكرم، وبيت لحم، ونابلس، وقلنديا وغيرها، من خلال سلسلة من المعارض الفنية، وعروض الأداء، والحوارات والجولات في الفضاءات العامة. وشمل برنامج «قلنديا الدولي 2014». مجموعة من المعارض التي سيتم افتتاحها على مدار أسبوع تستكشف معظمها موضوع الأرشيفات، ومن أبرزها معرض«غزة 87» لمجموعة التقاء وشبابيك للفن المعاصر، الذي يُنظم في غزة ويشارك فيه 10 فنانين يتناولون انتفاضة عام 1987. في محاولة لإلقاء الضوء على أرشيف غير موثق حول الحياة اليومية في غزة أثناء الانتفاضة.
وشارك المتحف الفلسطيني للمرة الأولى في هذه التظاهرة، من خلال معرضه «مقدمة في المتاحف الفلسطينية» في مركز بلدية البيرة الثقافي، الذي يلقي الضوء على المتاحف في فلسطين، ومساهمتها في حفظ الأرشيف، وتعزيز الهوية الوطنية. والمعرض نتاج تعاون مشترك ما بين 39 متحفا على امتداد فلسطين. ومن جهة أخرى، أطلقت مؤسسة عبد المحسن القطان، معرض مسابقة الفنان الشاب لعام 2014 (اليايا) في قاعة مسرح بلدية رام الله، تحت عنوان «شهادات معلقة»، شارك فيه أعمال 9 فنانين شباب اجتازوا المرحلة النهائية للمسابقة. واستند المعرض إلى مفهوم «التأريخ الذاتي والمنهجية الأرشيفية» الذي وضعته القائمة على المعرض فيفيانا كيكيا، الذي يهدف إعادة كتابة التاريخ الذي تم نسيانه، أو استبعاده، وتقديم الحلقات المفقودة من الصورة.
واعتبرت مشاركة «مشاريع من راسي» في متحف «أدوات ترد الغياب» بمركز خليل السكاكيني الثقافي، أول مشاركة لمشروع فلسطيني من الشتات في قلنديا الدولي. ويقدم المشروع الذي تنسقه القائمة عليه آلاء يونس، عددا من المعارض يتمحور موضوعها حول تاريخ الفلسطينيين في الكويت، وتشمل عرضا أدائيا، وزيارة للمرة الأولى لمجموعة من الفنانين الكويتيين إلى فلسطين.
وفي القدس، نظمت مؤسسة المعمل معرض «على أبواب الجنة» السابع تحت عنوان «تصدعات»، ونسقته الفنانة باساك سينوفا، وهو سلسلة معارض تحاول الكشف عن كثير من الأحداث والظروف في سياقات زمنية متعددة ومعالجتها، متخذة من مدينة القدس نقطة انطلاق. وشمل قلنديا الدولي جولة تنظمها مؤسسة رواق للمعمار الشعبي إلى الخليل، ويطا، والظاهرية، تتخللها عروض أداء ومعارض تتضمن التعريف بأرشيف العمارة الفلسطينية في هذه البلدات.
كذلك يشهد قلنديا الدولي افتتاح معرض «تصاميم من فلسطين» في الأكاديمية الدولية للفنون - فلسطين في البيرة، وهو نتاج مشروع مشترك ما بين مصممين وفنانين فلسطينيين وعالميين بالاشتراك مع حرفيين، فيما شاركت بلدية رام الله في سلسلة من المعارض والعروض الأدائية والتدخلات في الفضاء العام، تحت عنوان «خارج الأرشيف»، متخذة من أرشيف بلدية رام الله محور استلهامها.
وتحولت شوارع مدينة رام الله في 29 من أكتوبر (تشرين الأول) إلى انتفاضة فنية، حيث ينطلق موكب لإحياء ذكرى انتفاضة عام 1987 بهدف استعادة صورة الانتفاضة التي اختفت من الذاكرة، ولا يعرف عنها الجيل الجديد إلا القليل.
وأطلق قلنديا الدولي للمرة الأولى، مجموعة من الندوات، تحت عنوان «لقاءات قلنديا»، التي تخصص هذا العام لنقاش موضوع الأرشيف في فلسطين، وستستمر على مدى 3 أيام في مركز بلدية البيرة الثقافي، وتتناول مواضيع متعددة بحضور فنانين ونقاد من فلسطين ومن العالم.

* فعاليات بالجملة.. وسينما

* وجاءت تلك التظاهرة في الوقت الذي نظمت فيه غالبية المؤسسات الثقافية والفنية الفلسطينية على مدار العام، فعاليات أسبوعية وشهرية، خاصة في رام الله، التي بات البعض يرى أنها هي من صارت تستحق لقب باريس الشرق. فالفعاليات شبه اليومية، التي لا تخلو من عمق في مجملها، تارة في هذا المسرح أو السينما أو المركز الثقافي ما بين الحداثة والفلكلور، وسلسلة المهرجانات الصيفية التي حالت الحرب على غزة دون انتظامها جميعها، تجعل من رام الله عاصمة ثقافية عربية بامتياز تضاهي بيروت والقاهرة إن لم تتفوق عليهما، خاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار المساحة الجغرافية الصغيرة للمدينة، وعدد سكانها الذي لا يتجاوز الـ50 ألفا.
وكان للسينما الفلسطينية خلال العام الحالي حضورها الخاص والطاغي، بدءا من وصولها إلى المنافسات النهائية لجائزة أفضل أوسكار للفيلم الأجنبي، عبر فيلم «عمر» للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، الذي حصد من خلال الفيلم، عشرات الجوائز الدولية والعربية، وأفلام أخرى متعددة كـ«عيون الحرامية» لنجوى نجار، و«فلسطين استيريو» لرشيد مشهراوي، و«المطلوبون 18» لعامر شوملي، و«روشيما» لسليم أبو جبل، وغيرها، في حين كان الحضور المسرحي على صعيد العروض والمشاركات والجوائز، رغم تحققها، خجولا إلى حد ما، باستثناء الإنتاجات المهمة للمسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) في القدس بشكل أساسي.

* خسارة صاحب «منتصب القامة»

* وكان لرحيل الشاعر سميح القاسم، صاحب «منتصب القامة»، حضوره الطاغي والحزين في آن؛ هو الذي كتب في مرافعته الأخيرة، التي خطها بيده قبل رحيله بأيام، ونشرت كصورة على صفحته في موقع التواصل «فيسبوك»، قبل أن يخطفه الموت، وبعد أن تدهورت حالته الصحية جراء معاناته مع مرض السرطان: «أنا لا أحبك يا موت، لكنني لا أخافك.. أدرك أنك سرير لجسمي وروحي لحافك.. وأدرك أنّى تضيق علي ضفافك.. أنا لا أحبك يا موت، لكنني لا أخافك».
وتوالت ردود الفعل الفلسطينية والعربية، السياسية منها والثقافية والفنية، في نعي صاحب «تقدموا»، وغيرها كثير من القصائد الخالدات، فيما انتشرت الومضات على مواقع التواصل الاجتماعي لتستعيد أغنياته وتربطها بالأحداث الجارية وقتها، خاصة الحرب على غزة، ولتستذكر الشاعر الراحل محمود درويش، وما شكله الشاعران من ثنائية حرست الوحدة الثقافية الفلسطينية، ووحدة المصير بين «شقّي البرتقالة».
وقال وزير الثقافة الفلسطيني زياد أبو عمرو: «كان القاسم مخلصا لعروبته ولقضيته ولشعبه ولقصيدته المقاومة»، مضيفا: «مهما تحدثنا عن القاسم وعن شخصيته، فلن نستطيع أن نفيه حقه، فهو الرمز الذي امتلك خصوصيته في عالم الشعر والأدب والنضال الفلسطيني والعالمي، كافح وناضل عبر مسيرته بقلمه وفكره وحياته من أجل خدمة القضية الفلسطينية.. إن رحيل القاسم خسارة كبيرة للأدب الفلسطيني، وعزاؤنا في موروثه الفكري والشعري الذي تربت عليه الأجيال وكبرت، وحفظته نشيدا وطنيا عاليا، ورددته في كل مكان على وجه الأرض».
وقال الوزير الفلسطيني الأسبق الروائي يحيى يخلف: «سميح اختار منذ أكثر من 10 أعوام مكان دفنه وضريحه. اختار أرضا على تلة قريبة من بيته، وعدها لتكون قبره وحديقته، يطل منها على سهول فلسطين وتلالها وطبيعتها الساحرة التي خلقها الله منذ الأزل.. رحل سميح القاسم بعد حياة حافلة بالشعر والكفاح وحب الوطن وحب الحياة، وعلى خطى نبضات ودقات قلب الأرض مشى في دروب الحرية، ونثر على الطريق صرخته وناره ورسائل عشقه وصدى غضبه واشتباكه مع المحتل مقرنا الكلمة بالممارسة، رابطا القول بالعمل، والإبداع بالفعل، محملا الكلمة بأكثر مما تحتمل الحروف. أخيرا، احتفى الفلسطينيون في أراضي 48 والضفة الغربية بوصول المتسابق هيثم خلايلة إلى نهائيات برنامج «أراب آيدول» للمواهب الغنائية، واستقبل الرئيس الفلسطيني خلايلة وهنأه على إنجازه الذي أفرح الفلسطينيين رغم عدم تتويجه «أراب آيدول» للعام الحالي.



إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».


فخار مليحة

فخار مليحة
TT

فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة. بدأ استكشاف هذا الموقع في أوائل السبعينات من القرن الماضي، في إشراف بعثة عراقية، وتوسّع في السنوات اللاحقة، حيث تولت إدارة الآثار في الشارقة بمشاركة بعثة أثرية فرنسية مهمة إجراء أعمال المسح والتنقيب في هذا الحقل الواسع، وكشفت هذه الحملات عن مدينة تضم أبنية إدارية وحارات سكنية ومدافن تذكارية. دخلت بعثة بلجيكية تابعة لمؤسسة «المتاحف الملكية للفن والتاريخ» هذا الميدان في عام 2009، وسعت إلى تحديد أدوار الاستيطان المبكرة في هذه المدينة التي ازدهرت خلال فترة طويلة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الرابع للميلاد، وشكّلت مركزاً تجارياً وسيطاً ربط بين أقطار البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ووادي الرافدين.

خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى تشهد لهذه التعدّدية الثقافية المثيرة، منها مجموعة من القطع الفخارية صيغت بأساليب مختلفة، فمنها أوانٍ دخلت من العالم اليوناني، ومنها أوانٍ من جنوب بلاد ما بين النهرين، ومنها أوانٍ من حواضر تنتمي إلى العالم الإيراني القديم، غير أن العدد الأكبر من هذه القطع يبدو من النتاج المحلّي، ويتبنّى طرازاً أطلق أهل الاختصاص عليه اسم «فخار مليحة». يتمثّل هذا الفخار المحلّي بقطع متعدّدة الأشكال، منها جرار متوسطة الحجم، وجرار صغيرة، وصحون وأكواب متعدّدة الأشكال، وصل جزء كبير منها على شكل قطع مكسورة، أُعيد جمع بعض منها بشكل علمي رصين. تعود هذه الأواني المتعدّدة الوظائف إلى الطور الأخير من تاريخ مليحة، الذي امتدّ من مطلع القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث للميلاد، وتتميّز بزينة بسيطة ومتقشّفة، قوامها بضعة حزوز ناتئة، وشبكات من الزخارف المطلية بلون أحمر قانٍ يميل إلى السواد. تبدو هذه الزينة مألوفة، وتشكّل من حيث الصناعة والأسلوب المتبع امتداداً لتقليد عابر للأقاليم والحواضر، ازدهر في نواحٍ عدة من الجزيرة العربية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

تختزل هذا الطراز جرة جنائزية مخروطية ذات عنق مدبب، يبلغ طولها 30.8 سنتيمتر، وقطرها 22 سنتيمتراً. عنق هذه الجرة مزين بأربع دوائر ناتئة تنعقد حول فوهتها، تقابلها شبكة من الخطوط الأفقية الغائرة تلتف حول وسطها، وبين هذه الدوائر الناتئة وهذه الخطوط الغائرة، تحلّ الزينة المطلية باللون الأحمر القاتم، وقوامها شبكة من المثلثات المعكوسة، تزين كلاً منها سلسلة من الخطوط الأفقية المتوازية. تشهد هذه الجرة لأسلوب متبع في التزيين يتباين في الدقّة والإتقان، تتغيّر زخارفه وتتحوّل بشكل مستمرّ.

تظهر هذه التحوّلات الزخرفية في قطعتين تتشابهان من حيث التكوين، وهما جرتان مخروطيتان من الحجم الصغير، طول أكبرهما حجماً 9.8 سنتيمتر، وقطرها 8.5 سنتيمتر. تتمثّل زينة هذه الشبكة بثلاث شبكات مطليّة، أولاها شبكة من الخطوط الدائرية الأفقية تلتف حول القسم الأسفل من عنقها، وتشكّل قاعدة له، ثمّ شبكة من المثلثات المعكوسة تنعقد حول الجزء الأعلى من حوض هذا الإناء، وتتميّز بالدقة في الصوغ والتخطيط. تنعقد الشبكة الثالثة حول وسط الجرّة، وهي أكبر هذه الشبكات من حيث الحجم، وتتكوّن من كتل هرمية تعلو كلاً منها أربعة خطوط أفقية متوازية. في المقابل، يبلغ طول الجرة المشابهة 9 سنتيمترات، وقطرها 7.5 سنتيمتر، وتُزيّن وسطها شبكة عريضة تتكون من أنجم متوازية ومتداخلة، تعلو أطراف كلّ منها سلسلة من الخطوط الأفقية، صيغت بشكل هرمي. تكتمل هذه الزينة مع شبكة أخرى تلتفّ حول القسم الأعلى من الجرة، وتشكّل عقداً يتدلى من حول عنقها. ويتكوّن هذا العقد من سلسلة من الخطوط العمودية المتجانسة، مرصوفة على شكل أسنان المشط.

تأخذ هذه الزينة المطلية طابعاً متطوّراً في بعض القطع، أبرزها جرة من مكتشفات البعثة البلجيكية في عام 2009، وهي من الحجم المتوسط، وتعلوها عروتان عريضتان تحيطان بعنقها. تزين هذا العنق شبكة عريضة من الزخارف، تتشكل من مثلثات متراصة، تكسوها خطوط أفقية متوازية. يحد أعلى هذه الشبكة شريط يتكوّن من سلسلة من المثلثات المجردة، ويحدّ أسفلها شريط يتكوّن من سلسلة من الدوائر اللولبية. تمتد هذه الزينة إلى العروتين، وقوامها شبكة من الخطوط الأفقية المتوازية.

من جانب آخر، تبدو بعض قطع «فخار مليحة» متقشّفة للغاية، ويغلب عليها طابع يفتقر إلى الدقّة والرهافة في التزيين. ومن هذه القطع على سبيل المثال، قارورة كبيرة الحجم، صيغت على شكل مطرة عدسية الشكل، تعلوها عروتان دائريتان واسعتان. يبلغ طول هذه المطرة 33.5 سنتيمتر، وعرضها 28 سنتيمتراً، وتزيّن القسم الأعلى منها شبكة من الخطوط المتقاطعة في الوسط على شكل حرف «إكس»، تقابلها دائرة تستقر في وسط الجزء الأسفل، تحوي كذلك خطين متقاطعين على شكل صليب.

يُمثل «فخار مليحة» طرازاً من أطرزة متعددة تتجلّى أساليبها المختلفة في مجموعات متنوّعة من اللقى، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتحليلها خلال السنوات الأخيرة. تتشابه هذه اللقى من حيث التكوين في الظاهر، وتختلف اختلافاً كبيراً من حيث الصوغ. يشهد هذا الاختلاف لحضور أطرزة مختلفة حضرت في حقب زمنية واحدة، ويحتاج كل طراز من هذه الأطرزة إلى وقفة مستقلّة، تكشف عن خصائصه الأسلوبية ومصادر تكوينها.