إسبانيا تستلهم التراث العربي في السير الشعبية والمسرح

دراسة مصرية عن مكوناته المتنوعة وتأثيره على أوروبا

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

إسبانيا تستلهم التراث العربي في السير الشعبية والمسرح

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

يسلط الباحث سامح كُريم الضوء على قضية التأثير الإيجابي للحضارة العربية الإسلامية على أوروبا في القرون الوسطى، في الأدب وفنونه، لا سيما الملاحم والمسرح والشعر.
ويذكر كريم في كتابه «كتب عربية ألهمت العالم»، الصادر حديثاً في القاهرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، أن الأندلس كانت هي البداية؛ فقد شكلت نقطة التلاقي العبقرية بين الفكر العربي وهو في كمال تطوره والعقلية الأوروبية الناشئة وهي بسبيل يقظتها وتلمس طريقها، لا سيما في تلك البقعة من عالم ما وراء البحار القديم التي أصبحت اليوم إسبانيا. ويلاحظ المؤلف أن التأثير العربي على أوروبا انطلاقا من الأندلس كان نتيجة طبيعية لحالة من التعايش والتناغم الثقافي والسياسي بين مختلف المكونات الدينية على مدار قرون عدة، مشيراً إلى أن هناك إجماعاً بين المستشرقين المهتمين كافة بالحضارة العربية الأندلسية على أن العرب استعانوا في إسبانيا باليهود إلى جانب استعانتهم بالمسيحيين في إدارة شؤون البلاد، فاستوزر الحكام العرب هناك عبد الرحمن الناصر الطبيب اليهودي ابن شبروط، كما استوزر حبوس، أمير غرناطة، الطبيب اليهودي صموئيل نجدله، وانعكس ذلك في طمأنة غير المسلمين من أهل البلاد على مستقبلهم في ظل الحكم، لا سيما بعد أن تزوج موسى بن نصير أرملة الملك رزدريكالتي والتي عرفت بـ«أم عاصم»، كما وُلد عبد الرحمن الناصر نفسه لأم مسيحية.
ويوضح المؤلف، أنه في هذا المناخ امتزجت الدماء العربية والإسبانية مما كان له نتائج لافتة، من أهمها أنه عندما بدأ الملوك الإسبان يستعيدون أرضهم من العرب لم يعطلوا التراث العربي، أو حتى يكتفوا بما نقلوه منه، وإنما عمدوا إلى تنظيم حكمهم على أساس مشابه للحكم العربي والمفاخرة بذلك حتى كان بدرو الأول لا يحسن إلا العربية تحدثاً وكتابة.
ويشير المؤلف إلى أن أول باحث أوروبي أشاد بأثر العرب في الحضارة الأوروبية، ونوّه بفضلهم على ثقافة عصر النهضة الأوروبية، ربما كان هو القس الإسباني خوان أندريس، فقد نشر هذا القس كتاباً مهماً باللغة الإيطالية في سبعة مجلدات عنوانه «أصول كل الآداب وتطورها وأحوالها الراهنة»، ثم أعاد نشره عام 1799 في روما بعد أن نقّحه وتوسع فيه فجاء في ثمانية مجلدات. وفي هذا الكتاب أكد القس أندريس، أن النهضة التي قامت في أوروبا في كل ميادين العلوم والفنون والآداب والصناعات إنما كانت بفضل ما ورثته عن حضارة العرب. ويلفت الكتاب إلى «أن ما كتبه الباحث الأوروبي حول هذا الموضوع كان أشبه بإلهام عبقري؛ إذ لم تكن المراجع والأصول تعينه على إثبات ما يقول، فقد كانت الدراسات الاستشراقية في ذلك الوقت تخطو أولى خطاها، ولم يكن قد نشر من آثار الفكر العربي ما يعين على الموازنة أو البحث العلمي الدقيق».
كانت حصيلة الأب أندريس من القراءات العربية، حسب المؤلف، لا تتجاوز ما اطلع عليه من المخطوطات حديثة العهد بالفهرسة، ومع ذلك استطاع أن يلقي الكثير من الأحكام حول فضل العرب على الحضارة الأوروبية، وكشف عن تأثير الشعر العربي في بواكير الشعر الغنائي الأوروبي وكان رد الفعل بين الباحثين المعاصرين له عنيفاً ولم يأخذه أحد مأخذ الجد، غير أن المستشرقين بدأوا منذ منتصف القرن التاسع عشر يهتمون بمسألة النفوذ العربي المحتمل في الأدب الغنائي الأوروبي.
- تأثير الملاحم
وحول تأثر الملاحم الأوروبية بالأدب العربي يتوقف المؤلف عند ملحمة «السيد»، وهي من أشهر الملاحم الإسبانية القديمة التي ترجمت إلى كل لغات العالم الحية. وفي أدبنا العربي كانت هناك إشارات إليها حتى نقلها إلى العربية الدكتور الطاهر أحمد مكي مع تقديمها بدراسة قيّمة تكشف عن أن العلماء اتفقوا على نحو يكاد يكون قاطعاً بأنها قيلت في النصف الأول من القرن الثاني عشر وبالتحديد 1140، وإجمالاً تدور الملحمة حول السيد ومغامراته وانتصاراته وحربه. و«السيد» هو لقبه، أما اسمه الحقيقي فهو رودر يجوديات دي بيار. وهذه الملحمة تتشابه مع الملاحم اللاحقة في عدد من الخصائص، كأن تدور حول شخصيات تاريخية حقيقية وتعبر عن أحداث وقعت بالفعل، كما تدور الحرب فيها بصفة عامة حول قضايا داخلية أو لصراعات عائلية، والأهم أن خصائص الإنسان العربي البطولية تبدو واضحة فيها. وتقدم تلك الملاحم صوراً للتعايش بين المسلمين والمسيحيين في محبة وإخاء.
- مصدر إلهام
يشير الباحث إلى أن التاريخ العربي يشكل مصدر إلهام للكثير من كتب المسرح الإسباني المعاصرين، لا سيما أنطونيو جالا، لكن ما الذي جعل جالا أو غيره من الإسبان يهتمون بالتراث العربي ثم يوظفونه بعد ذلك؟ يجيب المؤلف بأن أسباباً كثيرة تقف وراء ذلك، لعل أبسطها تبدأ بتأمل اسم «مدريد» نفسه، وهي المدينة التي أنشأها العرب وأطلقوا عليها في البداية اسم «ماء جليد»؛ نظراً لاندفاع المياه العذبة النقية من مرتفعات الجبال المكسوة بالجليد إلى الأودية والأنهار، ثم تطور الاسم إلى «مجريط» ثم «مدريد» حسبما تذهب نظرية شهيرة في هذا السياق.
ومن بين أعمال جالا المسرحية يتوقف الباحث عند عمل مهم بعنوان «ابن رشد» يجسد فيه نكبة هذا الفيلسوف العظيم لوجوده في عصر اتسم بضيق الأفق وحقد النفوس نتيجة لشهرته العالمية والفكرية إلى جانب تقدير الخليفة له فيدسّون له ويرمونه بالمروق ويتهمونه بالاجتزاء على الحاكم حتى يوغروا قلبه عليه. ويجري جالا حواراً على ألسنة شخوص المسرحية، ويختتمه بما جاء على لسان ابن رشد «وداعاً أبنائي يا أبناء لحمتي وأبناء نفسي، أعني أنه في يوم ما ستنتهي حمى الاتهام هذه، وتزول هذه البلادة وذلك الخوف، وسوف تستمرون من بعدي تحكمون وتعملون، وآسفاً عليك يا قرطبة حين هجرت الشروع في الفهم، وأسفاً عليّ حين أكون على عتبة الموت يقصونني عنك، وداعاً سأسقي أرضاً أخرى بدموعي!».
ومن بين سير الحكام العرب، يستفيد جالا من تاريخ المنصور بن عامر بشكل خاص في مسرحية بالاسم نفسه. والمنصور أتى قرطبة طالباً للعلم، وبدأ حياته كاتباً عاماً أمام قصر الخليفة، وسرعان ما استطاع بطموحه وحيلته أن يتسلل للقصر ويتولى إدارة أملاك زوجة الخليفة الحَكم وأم ولي عهده هشام المعروفة عربياً باسم صبح، ويعتلي بعد ذلك أكبر المناصب حتى وفاة الحَكم فيعمل على مبايعة ابنه الطفل الصغير خليفة للمسلمين لحاجة في نفسه. ورغم صعود نجمه؛ فإن مخاوفه كانت من اثنين، حاجب الدولة المصحفي، والآخر غالب، أمير بني سالم. ولا يهدأ إلا بعد التخلص منهما، لينفرد بالسلطة في وجود خليفة صغير. وتركز المسرحية على مشاعر الحسرة لدى أم الخليفة الصغير وهي ترى الحكم يقع في قبضة شخص سبق أن رأته لا يملك قوت يومه!



علاج فعّال يساعد الأطفال على التخلص من الكوابيس

العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)
العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)
TT

علاج فعّال يساعد الأطفال على التخلص من الكوابيس

العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)
العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)

كشفت دراسة أميركية أن علاجاً مبتكراً للأطفال الذين يعانون من الكوابيس المزمنة أسهم في تقليل عدد الكوابيس وشدّة التوتر الناتج عنها بشكل كبير، وزاد من عدد الليالي التي ينام فيها الأطفال دون استيقاظ.

وأوضح الباحثون من جامعتي أوكلاهوما وتولسا، أن دراستهما تُعد أول تجربة سريرية تختبر فاعلية علاج مخصصٍ للكوابيس لدى الأطفال، ما يمثل خطوة نحو التعامل مع الكوابيس كاضطراب مستقل، وليس مجرد عَرَضٍ لمشكلات نفسية أخرى، ونُشرت النتائج، الجمعة، في دورية «Frontiers in Sleep».

وتُعد الكوابيس عند الأطفال أحلاماً مزعجة تحمل مشاهد مخيفة أو مؤلمة توقظ الطفل من نومه. ورغم أنها مشكلة شائعة، فإنها تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية والجسدية للأطفال، إذ تُسبب خوفاً من النوم، والأرق، والاستيقاظ المتكرر، وهذه الاضطرابات تنعكس سلباً على المزاج، والسلوك، والأداء الدراسي، وتزيد من مستويات القلق والتوتر.

ورغم أن الكوابيس قد تكون مرتبطة باضطرابات نفسية أو تجارب مؤلمة، مثل اضطراب ما بعد الصدمة، فإنها لا تختفي بالضرورة مع علاج تلك المشكلات، ما يتطلب علاجات موجهة خصيصاً للتعامل مع الكوابيس كاضطراب مستقل.

ويعتمد العلاج الجديد على تعديل تقنيات العلاج المعرفي السلوكي واستراتيجيات الاسترخاء وإدارة التوتر، المستخدمة لدى الكبار الذين يعانون من الأحلام المزعجة، لتناسب الأطفال.

ويتضمّن البرنامج 5 جلسات أسبوعية تفاعلية مصمّمة لتعزيز فهم الأطفال لأهمية النوم الصحي وتأثيره الإيجابي على الصحة النفسية والجسدية، إلى جانب تطوير عادات نوم جيدة.

ويشمل العلاج أيضاً تدريب الأطفال على «إعادة كتابة» كوابيسهم وتحويلها إلى قصص إيجابية، ما يقلّل من الخوف ويعزز شعورهم بالسيطرة على أحلامهم.

ويستعين البرنامج بأدوات تعليمية مبتكرة، لتوضيح تأثير قلّة النوم على الأداء العقلي، وأغطية وسائد، وأقلام تُستخدم لكتابة أفكار إيجابية قبل النوم.

وأُجريت التجربة على 46 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاماً في ولاية أوكلاهوما الأميركية، يعانون من كوابيس مستمرة لمدة لا تقل عن 6 أشهر.

وأظهرت النتائج انخفاضاً ملحوظاً في عدد الكوابيس ومستوى التوتر الناتج عنها لدى الأطفال الذين تلقوا العلاج مقارنة بالمجموعة الضابطة. كما أُبلغ عن انخفاض الأفكار الانتحارية المتعلقة بالكوابيس، حيث انخفض عدد الأطفال الذين أظهروا هذه الأفكار بشكل كبير في المجموعة العلاجية.

ووفق الباحثين، فإن «الكوابيس قد تُحاصر الأطفال في دائرة مغلقة من القلق والإرهاق، ما يؤثر سلباً على حياتهم اليومية»، مشيرين إلى أن العلاج الجديد يمكن أن يُحدث تحولاً كبيراً في تحسين جودة حياة الأطفال.

ويأمل الباحثون في إجراء تجارب موسعة تشمل أطفالاً من ثقافات مختلفة، مع دراسة إدراج فحص الكوابيس بوصفها جزءاً من الرعاية الأولية للأطفال، ما يمثل خطوة جديدة في تحسين صحة الأطفال النفسية والجسدية.