بعد ثمانية أشهر على التخبّط الذي عاشته الأوساط الطبية لتحديد الأدوية والعلاجات الفعّالة لمواجهة فيروس «كورونا» المستجدّ الذي فاجأ الخبراء بتمايزه عن جميع الفيروسات التاجيّة والتنفسيّة المعروفة، بدأت الآراء العلمية تستقر على توصيات موحّدة حول العقاقير التي ثبتت فاعليتها في التخفيف من خطورة المرض وتقصير مدة علاجه وخفض نسبة الوفيّات الناجمة عنه.
وبعد الجدل الواسع الذي دار حول «الكلوروكين» الذي دافع بعض الأطباء عن فاعليته وتبنّى الترويج له زعماء عالميون مثل الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس البرازيلي جاير بولسونارو، صرفت الأوساط الطبية النظر عن استخدامه في معالجة مرضى (كوفيد - 19)، كما راحت تصرف النظر تدريجيّاً عن المضادات الفيروسية التي تستخدم لعلاج فيروس الإيدز ووباء «إيبولا». وما زال الجدل دائراً والتجارب السريرية جارية حول «بلازما» المعافين من الوباء ومضادات الالتهاب المستخدمة لعلاج داء المفاصل.
ويركّز الأطباء حاليّاً في علاج الإصابات التي تستدعي الدخول إلى المستشفى على ثلاثة عقاقير: «ريمديسيفير» الذي تبيّن أنه يخفّض فترة التعافي، والكورتيزون «ديساموتازون» الذي أظهرت دراسة بريطانية واسعة أنه يحدّ بنسبة30 في المائة من الوفيّات الناجمة عن (كوفيد - 19) ومضاد التخثّر «إيبارين» الذي يلجأ إليه الأطباء في مرحلة العناية الفائقة لمعالجة التجلّط الذي يصيب الشرايين الصغيرة.
وينصبّ قدر كبير من جهود البحث العلمي الجارية لتطوير علاج ضد فيروس «كورونا» المستجدّ، على مضادات الأجسام الجزيئية المولّدة مخبريّاً عن طريق استنساخ المضادات الطبيعية لدى المعافين من إصابة الفيروس. كما ينصبّ أيضا على العقاقير التي تقوم مقام مادة مهمة جداً في نظام المناعة هي «إنترفيرون» التي بيَّنت الدراسات أن الفيروس يعطّل وظيفتها عندما يستولي على الخلايا.
وتجدر الإشارة إلى أن استخدام هذه الأدوية مقصور على العلاج في المستشفى تحت إشراف ومراقبة الفرق الطبية، باستثناء «الكلوروكين» الذي يُستخدم في المنزل. وهي أدوية متاحة بوفرة وبتكلفة معقولة، لكن ثمّة صعوبة في الحصول على دواء «ريمديسيفير» بعد أن قررت الحكومة الأميركية في يوليو (تموز) الفائت شراء كامل إنتاجه من الشركة المصنّعة حتى نهاية الشهر الجاري، علما بأن تكلفته الإجمالية لفترة العلاج التي تدوم خمسة أيام تبلغ 2300 دولار. وكانت الوكالة الأوروبية للأدوية التابعة للاتحاد الأوروبي قد سارعت، في أعقاب الإعلان عن الخطوة الأميركية، إلى شراء كل الموجودات في الأسواق من «ريمديسيفير» ووزعتها على الدول الأعضاء حسب عدد السكّان. وتفيد مصادر منظمة الصحة العالمية بأن الكميّات الموجودة حالياً من هذا الدواء كافية لتلبية الاحتياجات في الظروف الراهنة، لكنها تتوقّع نقصاً فيه، وربما ارتفاعاً في أسعاره، مع ارتفاع عدد الإصابات كما هو متوقع، خاصة في أوروبا والقارة الأميركية.
ويقول خبراء المنظمة العالمية إن التجربة القاسية التي مرّ بها العالم وأجهزته الصحية في الأشهر الماضية ساعدت على توسيع دائرة المعرفة بهذا الفيروس الذي ما زال يحمل مفاجآت في طريقة سريانه وتأثيره على الجسم البشري، ويشدّدون على ضرورة عدم التراخي في تدابير الوقاية والاحتواء خشية تبديد الجهود والتضحيات البشرية والاقتصادية الكبيرة.
ويحمل التقرير العلمي الأخير للمنظمة توصيات جديدة حول استخدام مادة الأكسجين التي كانت العلاجات الأولى تعوّل عليها وعلى أجهزة التنفّس الصناعي بشكل رئيسي، والتي يُنصح اليوم بحصر استخدامها في حالات الضرورة القصوى بعدما تبيّن أن الخلايا المصابة هي التي تحتاج للأكسجين أكثر من الرئتين والقصبات الهوائية. كما تبيّن أيضاً أن العقاقير المضادة للالتهابات التي استخدمت على نطاق واسع في المرحلة الأولى، ليست فعّالة في علاج الإصابات بفيروس «كورونا».
ويأتي تركيز البحوث العلمية الراهنة على مادة «إنترفيرون» بعد أن بيّنت الدراسات أن (كوفيد - 19) يلحق ضرراً أكبر بالمصابين الذين يعانون من نقص بهذه المادة لأسباب وراثية، أو بالمرضى الذين يحملون مضادات تعطّل وظيفتها الحيوية بالنسبة لنظام المناعة.
عتبة الكارثة مجدداً
ومع تجاوز عدد ضحايا الوباء في العالم عتبة المليون، والتوقعات القاتمة بموجة ثانية قاسية في الولايات المتحدة وأوروبا والهند، تقف إسبانيا مرة أخرى على عتبة كارثة صحية جديدة بعد انفجار عدد الإصابات في العاصمة مدريد التي أصبحت البؤرة الرئيسية لانتشار الوباء في القارة الأوروبية، وسقوط الأزمة الصحية في فخّ التجاذبات والصراعات السياسية التي وصفها أحد المعلّقين الصحافيين بقوله: «نعرف أنه سيأتي يوم يظهر فيه لقاح أو علاج ينقذنا من وباء كوفيد، لكن نعرف أيضا أنه لا يوجد أي لقاح أو علاج لينقذنا من هذا الفيروس السياسي الذي ينخر عظام بلدنا».
مفارقات أفريقية
في غضون ذلك توقفت الأوساط العلمية أمام مفارقات الحالة الأفريقية، حيث تسجّل هذه القارة نسبة من الإصابات والوفّيات أدنى بكثير من الدول التي تتفوّق عليها في الميادين الصحية والعلمية والاقتصادية. وتفيد دراسة نشرتها دوريّة «السياسة الخارجية» واستعرضت فيها استجابة 36 دولة لجائحة (كوفيد - 19) أن السنغال حلّت في المرتبة الثالثة بعد نيوزيلندا والدنمارك بين الدول التي نجحت في مواجهة الوباء، فيما جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الحادية والثلاثين.
وتشير الدراسة إلى أن السنغال التي ضربها وباء «إيبولا» بقسوة في السنوات الماضية، سارعت إلى اتخاذ تدابير صارمة مع ظهور الإصابة الأولى بـ(كوفيد - 19) أواخر فبراير (شباط) الفائت، وحوّلت عدداً من فنادقها إلى منشآت مؤقتة للحجر الصحي وكلّفت عدداً من مصانعها بإنتاج أجهزة للتنفّس متدنية الكلفة.
والتفوّق الأفريقي ليس وقفاً على السنغال، بل إن القارة بأكملها هي المنطقة الأقل تضرراً في العالم بعد أوقيانيا، وقد تراجع عدد الإصابات فيها إلى النصف منذ أغسطس (آب) الماضي. وإذ لا يقدّم الخبراء حتى الآن تفسيرات نهائية لتفوّق أفريقيا على الولايات المتحدة وأوروبا في مكافحة الوباء، يعزون أسباب هذا التفوّق إلى الأمور التالية: التدابير الصارمة التي اتخذت منذ بداية الأزمة وحظر السفر بين البلدان الأفريقية، 60 في المائة من السكّان دون الخامسة والعشرين ومتوسط العمر في هذه الفئة لا يتجاوز 19 سنة، وتدنّي الكثافة السكانية بمعدّل 43 ساكنا في الكيلومتر المربّع مقابل 181 في أوروبا الغربية أو 151 في جنوب شرقي آسيا.
تطورات واعدة على طريق العلاج والآراء العلمية تستقر على توصيات موحدة
الاهتمام منصب على مضادات مستنسخة من المعافين
تطورات واعدة على طريق العلاج والآراء العلمية تستقر على توصيات موحدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة