حسناً فعلت عائلة شيخ الإعلاميين السعوديين الراحل تركي السديري، حين أهدت مكتبته الخاصة التي جمع فيها حصيلة 60 عاماً من السعي في ميادين الثقافة والسياسة والاجتماع، إلى مكتبة الملك سلمان في جامعة الملك سعود، كي يستفيد منها الطلاب، وكرد جميل من عائلة الراحل إلى الجامعة التي تخرج فيها والدهم.
هناك مئات المكتبات التي غادرها روداها ورحل عنها الرجال الذين صفوا الكتب في رفوف بيوتهم، ولاحقوا المؤلفات والمخطوطات والنفائس النادرة من عيون الكتب عبر سنوات من أعمارهم، وبرحيلهم، سطا الغبار على تلك الكتب، وأصبحت عبئاً على وارثيها الجدد... كان المرحوم عباس العقاد ضنيناً على كل كتاب يملكه في مكتبته، رفض حتى بيعها حين امتدّ به العمر، لكنه حين مات توزع ذلك التراث العظيم بين المزابل، وكراتين النسيان في «الكتبخانة».
دار الكتب المصرية «الكتبخانة»، كدار الأيتام، تستقبل الكتب التي رحل عنها آباؤها. مثلها مثل المكتبة التراثية التي ضمت كتب نوابغ أمثال: المازني ولويس عوض وبنت الشاطئ وغيرهم، وأصبح تراث مي زيادة نهباً وهي تتنقل نهاية عمرها من مكان لآخر.
نعرف رجالاً شغفوا بالعلم والقراءة، ورصفوا آلاف الكتب في بيوتهم، وهي اليوم عرضة للإهمال، وبعض الورثة لا يجدون فيها سوى ميراث ثقيل لا قيمة له. هنا نتطلع لهيئة المكتبات في وزارة الثقافة لكي تشجع أمثال هؤلاء على الجود بتراثهم العلمي ومخزونهم المعرفي للصالح العام، فهناك الكثير من أعلام الثقافة الذين أهدوا مكتباتهم للمكتبات العامة، مثل مكتبة الملك فهد الوطنية، بينهم الأديب محمد حسين زيدان، والشيخ محمد بن عبد العزيز المانع، والشيخ عبد الله بن خميس، والدكتور إبراهيم السلّوم، والرسام محمد السليم، ومكتبة عبد الله القصيمي.
ربما نحنّ بحاجة إلى أن نقدّم لأصحاب المكتبات الخاصة ما يحفزهم لتقديمها للنفع العام، مثل حفظ حقوقهم الأدبية، وحفظ أسمائهم، وإطلاقها على المكتبات وقاعات الكتب... في كتابه القيّم «علي الوردي: شخصيته ومنهجه وأفكاره الاجتماعية»، يتحدث عالم الاجتماع العراقي إبراهيم الحيدري، عن مكتبة علي الوردي، وكيف ضاقت به السُّبل في إقناع المكتبة الوطنية في بغداد بأن تبقى المكتبة باسمه، لكنهم رفضوا... يقول الحيدري: «ترك الوردي وراءه مكتبة قيمة تحوي بين دفتيها أكثر من خمسين ألف مجلد، وأغلبها من المصادر والمراجع العلمية والأدبية والتاريخية. فهي تحتوي على كتب مهمة حول المجتمع العربي والإسلامي بصورة عامة وكتب متخصصة في علوم الاجتماع والأنثربولوجيا وعلم النفس الاجتماعي بصورة خاصة من بينها كتب ثمينة قلّ أن نجد مثيلاً لها في المكتبات الأخرى في العراق».
يضيف: «كان الوردي قد أطلعني على كتب نادرة في اللغتين العربية والإنجليزية، وكذلك على بعض المخطوطات التي حصل عليها خلاله تجواله في دول العالم.
وقبل وفاته بسنوات قليلة حاول الاتفاق مع المكتبة الوطنية ببغداد على أن يهدي مكتبته العامرة بعد وفاته إليها. غير أنه لم يُوّفق إلى ذلك، وكان الوردي قد اقترح أن تؤسس في المكتبة الوطنية قاعة خاصة تحمل أسماء مَن يهدي إليها مكتبته الخاصة فرُفِض طلبه».
وبعد أن يعدد الحيدري أسماء لشخصيات ضاعت مكتباتهم بعد وفاتهم، يقول: «كان الوردي يطالب بأن تبقى المكتبات المهداة إلى المكتبة الوطنية على حالها في قاعة خاصة بها، وأن يعلَن عن مضمونها على الناس، لكي يرجع إليها من يريد من الدارسين، وطلبة الماجستير، والدكتوراه، ثم يخاطب الوردي المسؤولين ويتوسل إليهم أن تُراعى هذه الناحية، فلا يغفلوا عنها، وأن يبدأوا بالعمل من أجلها عاجلاً قبل فوات الأوان».
ومن الكتب «أيتامٌ» و«ثكالى»...!
ومن الكتب «أيتامٌ» و«ثكالى»...!
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة