المصريون والأوبئة... مقاربات تاريخية وسينمائية

مكتبة الإسكندرية ترصد العلاقة عبر مجلة «ذاكرة مصر»

غلاف مجلة «ذاكرة مصر»
غلاف مجلة «ذاكرة مصر»
TT

المصريون والأوبئة... مقاربات تاريخية وسينمائية

غلاف مجلة «ذاكرة مصر»
غلاف مجلة «ذاكرة مصر»

ترصد مكتبة الإسكندرية العلاقة التاريخية والاجتماعية بين المصريين والأوبئة على مر العصور الماضية بداية من زمن الفراعنة وحتى العصر الحديث، عبر العدد رقم 41 من مجلة «ذاكرة مصر» التي تصدرها المكتبة كل ثلاثة أشهر، وخصص العدد الجديد ملفاً كاملاً عن «تاريخ المصريين مع الأوبئة» على مدار العصور، وشارك في الملف عدد من أساتذة التاريخ والآثار والنقد الأدبي والفني لرسم صورة مكتملة عن علاقة الأوبئة بالثقافة المجتمعية، بجانب معالجة السينما المصرية لها خلال القرن الماضي.
الدكتور سامح فوزي، كبير الباحثين، بمكتبة الإسكندرية ورئيس تحرير مجلة «ذاكرة مصر» يقول لـ«الشرق الأوسط»: «تهتم المجلة بنشر ملفات تراثية وثقافية عميقة تتماشى مع المزاج العام للقارئ الذي يتعايش منذ أكثر من 6 أشهر مع وباء (كورونا)، لذلك فإن اختيار الملف الرئيسي للعدد جاء مناسباً للواقع الحالي».
ويضم ملف الأوبئة، الذي يستحوذ تقريباً على نصف صفحات العدد الجديد من المجلة، مقالاً للدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف آثار الإسكندرية عن البرديات التاريخية التي وثقت الأوبئة في العصر المصري القديم، كما يضم مقالاً ثانياً للأوبئة والمجاعات في العصر الأيوبي، ومقالات عن مخطوطات من التراث تتحدث عن حلم نقاء الماء والهواء خلال الأوبئة، بالإضافة إلى مقالات أدبية وفنية تسلط الضوء على أدب نجيب محفوظ وخصوصاً «(الحرافيش والوباء)، و(الأوبئة والسينما)،
وتفشت في مصر أوبئة وجوائح في العصور الماضية قتلت آلاف السكان، من أبرزها ما حدث سنة 28 هـجرية، عندما «ألقى الغلاء الناس مطاريح في الأزقة والأسواق أمواتاً مثل السمك المدمس على برك الماء، قبل أن يأتي الطاعون على آلاف السكان في عامي 66هـ، و70هـ». وفق ما رواه المؤرخ المصري تقي الدين المقريزي في كتابه «إغاثة الأمة بكشف الغمة».
ووفق المؤرخ المصري ابن تغري بردي، فإنّ عدد الجوائح التي ضربت الأمة الإسلامية منذ بدايتها وحتى عام 131 هجرية، بلغت 15 طاعوناً، ترتب على بعضها التعجيل بنهاية الدولة الأموية، بحسب ما ذكره في كتابه «النجوم الزاهرة»، الذي ذكر فيه أيضاً أن «الناس كانوا يبخرون المدينة التي يسكنونها إذا أصابها الطاعون أو الوباء، عملاً بتوصيات الأطباء».
كما ضرب الوباء مصر في عهد محمد علي باشا أكثر من مرة، وفرض محمد علي حجراً صحياً بحرياً على السفن التركية عام 1834، ثم أسّس مستشفى للأمراض المعدية بدمياط (شمال مصر)».
ويشير فوزي إلى أنّ ملف «تاريخ المصريين مع الأوبئة» يقدم صورة كاملة عن يوميات المصريين مع الأوبئة والجوائح التي ضربت البلاد على مدار تاريخها، ويوثق تعامل المصريين معها، ويسلط الضوء على تدهور الأنماط الصحية خلال القرون الماضية التي ساهمت في وفاة عشرات الآلاف، حتى الوصول إلى مرحلة الطب العام في عصر الدولة الحديثة في مصر، في عهد أسرة محمد علي التي أنشأت مستشفيات عامة لعلاج المواطنين بعدما كانت خدمة الطب تقدم بشكل خاص لأفراد بعينهم.
ورغم إنتاج عشرات الأفلام السينمائية في مصر خلال القرن الماضي، فإنّ القليل منها تناول الأوبئة، ومن أبرزها: «صراع الأبطال» و«اليوم السادس»، اللذان تناولا انتشار وباء الكوليرا في مصر، بالإضافة إلى أفلام تناولتها سريعاً على غرار فيلم «الزوجة التانية»، لكن وفق نقاد فإن فيلم «عاصفة على الريف» الذي أخرجه أحمد بدرخان عام 1941، يعد أحد أهم الأفلام التي تناولت وباء الكوليرا في مصر، والفيلم مأخوذ عن مسرحية كان يوسف وهبي قد عرضها عام 1934 عن قصة لبديع خيري بطولة يوسف وهبي نفسه وحسين رياض.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».