ماكرون يصب غضبه على «الخيانة الجماعية» لسياسيي لبنان

انتقد «حزب الله» و«أمل» بشدة لعرقلة تشكيل الحكومة ووصف وضع البلد بـ«الدقيق سياسياً واقتصادياً واجتماعياً»

ماكرون في مؤتمره الصحافي (إ.ب.أ)
ماكرون في مؤتمره الصحافي (إ.ب.أ)
TT

ماكرون يصب غضبه على «الخيانة الجماعية» لسياسيي لبنان

ماكرون في مؤتمره الصحافي (إ.ب.أ)
ماكرون في مؤتمره الصحافي (إ.ب.أ)

السؤال الذي ساد الوسط الدبلوماسي والسياسي في باريس منذ استقالة رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب ظهيرة السبت الماضي، بعد 26 يوما من تعيينه، تمت صياغته كالتالي: ما هي الأوراق الإضافية التي يمتلكها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والتي لم يستخدمها في مبادرته «الأولى» من أجل دفع الطبقة السياسية اللبنانية، عهدا وأحزابا، للتوافق على تسمية بديل عن أديب والسير في تشكيل حكومة وفق المعايير الفرنسية أي حكومة إنقاذ أو حكومة مهمة؟ وأهمية السؤال أن ماكرون أصيب في بيروت «بخيبة» إن لم تكن «انكسارا» وهو الذي أعلن لصحيفة «أتلنتيكو» الأميركية أنه «يقامر برصيده السياسي»، كما أنه وضع في الميزان صورة فرنسا وقيمتها وهيبتها ورصد من وقته الكثير للملف اللبناني. تضاف إلى ذلك أسئلة رديفة: أين أخطأ ماكرون؟ هل أدوات الإغراء والتهديد لم تكن كافية؟ هل ضخم قدرته في التأثير على السياسيين اللبنانيين الذين هشموا الدينامية السياسية التي أطلقها في زواريب السياسة اللبنانية؟ أم أنه لم يأخذ في الاعتبار واقعا متحجرا ومتأصلا يقوم على المحاصصة واقتسام المغانم الوزارية؟ أم أن سوء التقدير تناول الأطراف المؤثرة خارجيا، إقليميا ودوليا، التي وعدته بالدعم والمساندة ثم أخلفت بوعودها؟
جميع هذه الأسئلة كانت حاضرة في الأذهان قبل مؤتمر ماكرون الصحافي الذي خصص بكليته للوضع السياسي اللبناني أمس (الأحد)، وكان الجميع ينتظر منه توضيحات وإجابات لأن موجة الأمل التي أثارتها مبادرته الإنقاذية لدى الشعب اللبناني لا تضاهيها سوى خيبته من فشلها.
كل هذه الأسئلة أجاب عنها ماكرون في مؤتمر صحافي في قصر الإليزيه قارب الساعة. إلا أنه بداية، صب جام غضبه على الطبقة السياسية اللبناني التي اتهمها بـ«الخيانة الجماعية» ليس فقط بالنسبة للتعهدات التي التزمت بها تجاهه ولم تعمل بها بل إزاء لبنان قبله وفي ظل الأوضاع التي وصفها بكثير من الدقة. وفي عبارة لافتة حمالة الكثير من المعاني، أكد ماكرون أنه «أخذ علما بهذه الخيانة» التي وصفها بـ«الجماعية». لكن ما حرص الرئيس الفرنسي على التشديد عليه أن اعتذار رئيس الحكومة المكلف والعجز عن التوصل إلى حكومة جديدة ليس فشلا له بل هو فشل الطبقة السياسية اللبنانية، مسؤولين وسياسيين، الذين «يفضلون مصالحهم الشخصية والحزبية على المصلحة الوطنية وتسليم لبنان إلى قوى خارجية، وبالتالي فإنهم يتحملون كامل المسؤولية عن هذا الفشل». ولم يتردد في القول: «إنني أدين كل الطبقة السياسية، وإنني أخجل من هكذا مسؤولين». كذلك اتهم هذه الطبقة بالرهان على السيناريو «الأسوأ» رغبة من السياسيين في استعادة المبادرة والوصول إلى حكومة تشبه الحكومات السابقة. وفي رأيه، أن «لا أحد كان على مستوى المسؤولية». وأكد ماكرون أن «المسؤوليات واضحة وعلينا أن نستخلص النتائج وأن نسمي الأمور بأسمائها». ولم يوفر في انتقاداته أحدا. وفي هذا السياق، وجه بشكل خاص انتقادات حادة إلى «حزب الله» الذي اتهمه بفرض مناخ من «التخويف» على الآخرين.
وقال ماكرون إن «حزب الله لا يمكن أن يكون في الوقت نفسه جيشا يحارب إسرائيل وميليشيا تحارب المدنيين في سوريا وحزبا يحظى باحترام في لبنان. عليه أن يثبت أنه يحترم جميع اللبنانيين. وفي الأيام الأخيرة، أظهر بوضوح عكس ذلك».
وتوقف ماكرون عند بعض تفاصيل ما حصل في مساعي تشكيل الحكومة والتي أوصلت إلى الطريق المسدود موجها الاتهام لحزب الله. وقال إن حزب الله وحركة أمل قررا أنه «لا يتعين أن يتغير شيء» في طريقة تعيين الوزراء، مضيفا أن الرئيس نبيه بري، رئيس البرلمان، «اعترف أنه شرط لحزب الله». وبحسب ماكرون، فإنه حان الوقت بالنسبة إلى «حزب الله» و«أمل» أن يجيبا على سؤال مركزي: هل يريدان الانخراط في الخط اللبناني أنم أنهما يريدان العمل لمصلحة قوة أجنبية؟ (في إشارة إلى إيران)، وإذا كان هذا هو الوضع، فإن هناك خطرا كبيرا». وفي أي حال، فقد حذره من أن «يعتقد أنه أقوى مما هو».
وبهذا الخصوص، كشف ماكرون عن بعض ما جرى بينه وبين الرئيس الإيراني عقب طرح مبادرته. ونفى أن يكون قد طلب منه الضغط على حزب الله بل إن طلبه أن تمتنع إيران عن أي عمل من شأنه «إعاقة» المبادرة الفرنسية.
وبدا الرئيس الفرنسي غاضبا ومتأثرا من المصير الذي آلت إليه مبادرته في لبنان التي وصفها أكثر من مرة بأنها «مبادرة إنقاذية» عمادها خريطة طريق وافق عليها الجميع. إلا أن الانتكاسة التي مني بها شخصيا في لبنان لن تثنيه عن الاستمرار في مهمته. وقال الرئيس الفرنسي إن بلاده «ستبقى دائما إلى جانب لبنان واللبنانيين ولن نتخلى عنهم أبدا»، معتبرا أنه لا خيارات أخرى ومحذرا من أن الأمور في لبنان يمكن أن تقود إلى حرب أهلية إذا استمرت الأمور على هذا المنوال وبقيت الطريق مقفلة أمام الوصول إلى حلول. والأهم من ذلك، فقد أكد ماكرون أن «خريطة الطريق» التي طرحها على المسؤولين وعلى السياسيين في الأول من سبتمبر (أيلول) ما زالت على الطاولة وأنها «المبادرة الوحيدة التي اتخذت على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي ولم يتم سحبها»، مضيفا أنها «الفرصة الأخيرة» وأنه «يتعين على المسؤولين اللبنانيين تلقفها». إلا أن ماكرون خص رئيس الجمهورية ميشال عون بأن «مسؤوليته أن يعود ويأخذ المبادرة» من أجل الدفع باتجاه تشكيل حكومة المهمة التي تتبنى «خريطة الطريق» يسير وراءه الجميع وأنه ليس لديه الرغبة في الحلول محل المسؤولين اللبنانيين.
ونفى ماكرون نفيا قاطعا ردا على سؤال أي رغبة في إبعاد الطائفة الشيعية عن الحكومة، مضيفا أن تعامله مع حزب الله «لأنه موجود على الساحة».
أكثر من مرة، جاء الكلام على تهديد ماكرون السابق باللجوء إلى فرض عقوبات على المعرقلين للخطة التي طرحها بما فيها الإصلاحات وفق ما قاله في مؤتمره الصحافي في بيروت بداية الشهر الجاري. وبهذا الخصوص، استبعد ماكرون اللجوء، في المرحلة الراهنة، إلى فرض عقوبات باعتبارها «ليست الأنفع اليوم»، مقيما مقارنة بين تلك التي يفضها الأميركيون وتلك التي يمكن أن يسعى إليها الأوروبيون.
لا يكتفي الرئيس الفرنسي بالتقريع، بل إنه وعد بإجراء اتصالات واسعة سريعا مع أطراف مجموعة الدعم الدولية للبنان وشركاء في المنطقة ومع آخرين وحدد القسم الثاني من شهر أكتوبر (تشرين الأول) من أجل إعادة تقويم خريطة الطريق التي طرحها. كذلك وعد بالدعوة سريعا وبشكل غير مشروط، إلى اجتماع دولي «غير مشروط من أجل توفير مزيد من الدعم المالي والمادي للبنان لمساعدته في إعادة بناء ما تهدم ودعم القطاعات الصحية والتربوية».
ومن غير تحديد مهل زمنية دقيقة بشأن تعيين رئيس حكومة جديد وتشكيل الوزارة العتيدة، فقد أعطى مهلة أربعة إلى ستة أسابيع لـ«تقويم ما يكون قد تحقق» في الداخل والخارج. وإذ وصف وضع لبنان الراهن بأنه «دقيق سياسيا واقتصاديا واجتماعيا» فقد أعاد التذكير بأن لا أحد في الخارج مستعد لمد يد العون للبنان من غير الإصلاحات المطلوبة. وباعتباره مصرفيا سابقا، فقد شرح ماكرون الآلية التي أوصلت لبنان إلى حافة الإفلاس، معتبرا أنه من الضروري والملح إعادة تقويم النظام المصرفي والمالي. وخلاصته: «في الأشهر القادمة سنستمر في تجريب السير بخريطة الطريق وإذا لم ننجح سيكون علينا النظر في سبل أخرى» لم يوضحها.



هذه قصتنا يا محمد

الراحل الأستاذ محمد الشافعي في مكتبه (الشرق الأوسط)
الراحل الأستاذ محمد الشافعي في مكتبه (الشرق الأوسط)
TT

هذه قصتنا يا محمد

الراحل الأستاذ محمد الشافعي في مكتبه (الشرق الأوسط)
الراحل الأستاذ محمد الشافعي في مكتبه (الشرق الأوسط)

هذه قصتنا يا محمد. وقعنا باكراً في الفخ. استدرجنا الحبر وهو جميل، وماكر. اخترنا مهنة شائكة. اخترنا نفقاً طويلاً. لا استراحات ولا هدنات. مطاردة محمومة للأخبار تنسينا تراكم السنوات الهاربة من شجرة العمر. مطاردة مضنية. لا القارئ يرتوي، ولا المؤسسات تفعل. يغالب الصحافي الأخبار طويلاً ثم تغلبه. تحوّله خبراً في صحيفته. خبر وفاة. خبر وداع.

كنا نستعد لوداع العام لا لوداعك. شاركتنا اجتماع أول من أمس. حملت دائماً إلى موعدنا اليومي. خبرتك الطويلة. ونبل مشاعرك. ورقي لغة التخاطب. وكأنك تعمدت أن تُبلغنا الرسالة. إن المحارب القديم لا يتقاعد. يفضّل السقوط على الحلبة. بعد ساعات فقط من الاجتماع جاءنا الخبر المؤلم. خانك القلب. ومن عادته أن يخون.

شاءت المهنة أن ينشغل هذا الرجل الهادئ بملفات عاصفة ورجال قساة. سرقت أفغانستان جزءاً كبيراً من اهتماماته. وكان يذهب إليها يوم كانت تغلي بـ«المجاهدين». وكان يرجع من تلك الأسفار المتعبة محملاً بالأخبار، والتحقيقات، والمقابلات. وحتى حين أوفد العمر رسائله لم يتنازل محمد الشافعي عن شغفه. تستوقفه كلمة. إشارة. عبارة تشبه عبوة ناسفة. وتثيره الأخبار، ويغريه التعب المتوّج بهدية طازجة إلى القراء.

قبل نحو أربعة عقود انتسب إلى عائلة «الشرق الأوسط». أحبها، وأحبته. وكما في كل قصص الحب لم يتردد ولم يتراجع ولم يبخل. أقول عائلة «الشرق الأوسط» وهي حديقة. حديقة أخبار وعناوين، وتحقيقات، ومقالات. وحديقة جنسيات وخبرات، وتجارب. تحت سقف المهنة وسقف الشغف. كان فخوراً بانتمائه إلى صحيفة متوثبة تُجدد وسائلها، وتحفظ روحها.

ما أصعب أن يطرق الموت الباب. ويخطف من العائلة ابناً عزيزاً، وأستاذاً قديراً. وما أصعب الغياب. اعتدنا أن نشاكسك. وأن نسألك. ونتعلم منك. ونعاتبك على أصدقائك القساة. ما أصعب مكتبك مسكوناً بغيابك. وما أصعب الاجتماع مفتقداً مساهمتك ورهافة تمنياتك.

هذه قصتنا يا محمد. نعيش بين سطرين ونموت بين سطرين. ننام أخيراً في أرشيف الصحيفة. وفي مودة زملائنا. و«الشرق الأوسط» بتنوعها، وأجيالها تحتضن ذكرى كل من بنى مدماكاً، وفتح نافذة، وأثرى أيام قرائها. خانك القلب ومن عادته أن يفعل، لكن المودات لا تعترف بالخيانات.


استعجال نزع سلاح «حماس» يعرقل جهود استكمال «اتفاق غزة»

مسلحون من «حماس» يحرسون منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة غزة (أ.ف.ب)
مسلحون من «حماس» يحرسون منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

استعجال نزع سلاح «حماس» يعرقل جهود استكمال «اتفاق غزة»

مسلحون من «حماس» يحرسون منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة غزة (أ.ف.ب)
مسلحون من «حماس» يحرسون منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة غزة (أ.ف.ب)

خرجت تسريبات إسرائيلية، الأربعاء، عن اتفاق تل أبيب مع واشنطن على استعجال نزع سلاح حركة «حماس»، مع حديث عن مهلة محتملة لنحو شهرين لإنهاء المهمة، وسط ترقب لبدء المرحلة الثانية المتعثرة.

وجاء ذلك في ختام تفاهمات أميركية - إسرائيلية توعدت «حماس» بالسحق حال لم يتم نزع السلاح، وهذا يشي بأن ثمة عراقيل تطرح مسبقاً، خاصة أن إسرائيل بالمقابل، لم تعلن التزاماً بالانسحاب من قطاع غزة، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، مشيرين إلى أن الأمر يحتاج إلى مزيد من التفاهمات بين الوسطاء و«حماس» للوصول لأفضل الصيغ بشأن سلاحها، والتي قد تكون في «ضبطه وليس نزعه».

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأربعاء، في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»، إن «حماس» لا تزال تمتلك نحو 20 ألف مسلح يحتفظون بنحو 60 ألف بندقية «كلاشينكوف»، مشدداً على أن أهداف الحرب لم تتحقق بالكامل، وعلى رأسها «القضاء التام على (حماس)»، وفق تعبيره.

تلك الإحصائية الإسرائيلية تأتي غداة نقل صحيفة «يسرائيل هيوم» عن مصادر، أن الولايات المتحدة وإسرائيل حددتا مهلة نهائية مدتها شهران لتفكيك سلاح الحركة عقب لقاء، الاثنين، بين نتنياهو، والرئيس الأميركي دونالد ترمب في فلوريدا.

وقال ترمب، في مؤتمر صحافي مشترك مع نتنياهو: «تحدثنا عن (حماس) وعن نزع السلاح، وسيمنحون فترة زمنية قصيرة جداً لنزع سلاحهم، وسنرى كيف ستسير الأمور».

وأضاف: «إذا لم ينزعوا سلاحهم كما وافقوا على ذلك، لقد وافقوا على ذلك، فسيكون هناك جحيم بانتظارهم، ونحن لا نريد ذلك، نحن لا نسعى لذلك، ولكن عليهم نزع السلاح في غضون فترة زمنية قصيرة إلى حد ما»، محذراً، من أن عدم الامتثال سيكون «مروعاً» بالنسبة للحركة، ومضيفاً أن دولاً أخرى «ستتدخل وتسحقها» إذا فشلت في إلقاء سلاحها.

غير أنه قال رداً على سؤال بشأن ما إذا كانت إسرائيل ستسحب جنودها من غزة قبل نزع سلاح «حماس» بشكل كامل: «هذا موضوع آخر سنتحدث عنه لاحقاً».

ولم تعلق «حماس» على هذه التهديدات رسمياً، غير أنها عادة ما ترفض تسليم سلاحها ما دام الاحتلال الإسرائيلي مستمراً، وقالت أكثر من مرة إنها منفتحة على أي حلول وسط بشأن ذلك.

أطفال فلسطينيون نازحون في خيمة أقيمت على أرض غمرتها المياه وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ويرى المدير التنفيذي لـ«المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير عزت سعد، أن استعجال إسرائيل لنزع سلاح «حماس» يعرقل جهود الوسطاء لاستكمال اتفاق وقف إطلاق النار، مشيراً إلى أنه مطلب غير واقعي لا يقابله أي التزام من إسرائيل بشأن الانسحاب وإعادة الإعمار.

وبرأي المحلل السياسي الفلسطيني المختص بشؤون «حماس»، إبراهيم المدهون، فإن ملف سلاح المقاومة لن يكون عقبة حقيقية أمام استكمال الاتفاق، خلافاً لما تحاول إسرائيل الترويج له، موضحاً أن هناك مرونة كافية لدى حركة «حماس» والفصائل الفلسطينية، مقرونة برؤية سياسية ناضجة جرى بلورتها في القاهرة خلال اجتماع جامع ضمّ مختلف الفصائل، باستثناء حركة «فتح»، وبمشاركة الجهات المصرية.

هذه الرؤية تبلورت في موقف موحّد تبنّته الدول الوسيطة، وعلى رأسها مصر وتركيا وقطر، وتم نقله إلى الجانب الأميركي خلال اجتماع ميامي هذا الشهر، وينصّ بوضوح «على ضبط السلاح والالتزام الكامل بوقف إطلاق النار، دون الانزلاق إلى منطق نزع السلاح كشرط مسبق أو أداة ابتزاز سياسي».

ويرى المدهون أن «حماس» معنية بشكل واضح بالوصول إلى المرحلة الثانية وتنفيذ الاتفاق كاملاً، وقدّمَت خلال المرحلة الأولى نموذجاً من الانضباط والالتزام وضبط الميدان، ما شجّع الوسطاء على تبنّي موقف داعم لاستمرار الاتفاق والانتقال إلى مرحلته التالية باستبدال ضبط السلاح بدلاً عن نزعه.

وثمة تهديدان بانتظار «اتفاق غزة»؛ الأول ذكره نتنياهو لموقع «نيوز ماكس» الأميركي، قائلاً: «سنستعيد رفات آخر رهينة في غزة بأي طريقة كانت»، والذي لم يتم الوصول له بعد، والثاني، بدء إعمار جزئي في رفح الفلسطينية قبل نزع سلاح «حماس»، بحسب ما نقلت «القناة الـ12» الإسرائيلية، وهو ما يتعارض مع جهود الإعمار الشامل الذي تسعى له الدول العربية.

ويرى السفير عزت سعد ضرورة الانتظار لمتابعة نتائج لقاء ترمب ونتنياهو على أرض الواقع، وهل ستبدأ المرحلة الثانية قريباً أم لا، محذراً من سعي إسرائيل لإعمار جزئي يهدد المرحلة الثانية.

ويعتقد المدهون أن العقدة الحقيقية ليست عند «حماس»، بل عند الاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يلتزم حتى اللحظة بكامل استحقاقات المرحلة الأولى، ويواصل محاولاته لتخريب الاتفاق أو التهرّب من الانتقال إلى المرحلة الثانية.

ويرى أن هناك خطورة إذا بدأ الاحتلال الإسرائيلي، أو الجانب الأميركي، بالإعمار في المناطق المحتلة من قطاع غزة، والتي تشمل شرقي «الخط الأصفر»، وهذا يعني انقلاباً على الاتفاق، مشيراً إلى «أن المرحلة الثانية، والإعمار، يجب أن يتمّا في كامل قطاع غزة، ويجب أن يكون هناك انسحاب إسرائيلي الآن من الخط الأصفر، ومن ثم تبدأ عملية الإعمار بعد تشكيل حكومة فلسطينية أو إدارة فلسطينية مقبولة داخلياً وإقليمياً ودولياً».

ونبه إلى أن أحاديث إسرائيل هي «محاولة للتهرب من مقتضيات المرحلة الثانية، والأساس فيها هو الانسحاب من القطاع».


الحوثيون يقرّون بمقتل ممثلهم في غرفة عمليات «المحور» الإيراني

الغارات استهدفت مواقع اختباء ومراكز سرية للقيادة الحوثية (إعلام محلي)
الغارات استهدفت مواقع اختباء ومراكز سرية للقيادة الحوثية (إعلام محلي)
TT

الحوثيون يقرّون بمقتل ممثلهم في غرفة عمليات «المحور» الإيراني

الغارات استهدفت مواقع اختباء ومراكز سرية للقيادة الحوثية (إعلام محلي)
الغارات استهدفت مواقع اختباء ومراكز سرية للقيادة الحوثية (إعلام محلي)

توالت اعترافات الحوثيين بالخسائر التي لحقت بهم جراء الضربات الأميركية والإسرائيلية التي استهدفت مخابئ عدة لهم في 2025 بصنعاء وصعدة، من بينهم عبد الملك المرتضى، ممثلهم في غرفة العمليات المشتركة للمحور المدعوم من إيران في لبنان والعراق وسوريا.

فبعد أيام من الإقرار بمصرع زكريا حجر، قائد وحدة الطيران المسيّر ومساعديه، ومسؤول هندسة الصواريخ، أعلنت الجماعة الحوثية أن المرتضى، المنحدر من محافظة صعدة، سيشيَّع من «جامع الصالح» في صنعاء، الخميس، حيث تُرجّح المصادر مقتله في الضربات الأميركية التي استهدفت مخابئ عدة للحوثيين في مارس (آذار) من عام 2025.

ومع استمرار اختفاء وزيرَي دفاع وداخلية الحوثيين، وقائد المنطقة العسكرية السابعة عبد الخالق الحوثي، شقيق زعيم الجماعة، تُظهر هذه الاعترافات حصيلة من الخسائر النوعية هي الأثقل منذ بدء عملية التمرد على السلطة المركزية في صنعاء منتصف عام 2004. كما أنها تكشف، وفق مصادر عسكرية، عن الأسباب الفعلية التي دفعت بالحوثيين إلى عرض الهدنة على الولايات المتحدة خلال استهداف السفن في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

المرتضى واحد من كبار قادة الجناح العسكري للحوثيين المرتبط بإيران (إعلام محلي)

ووفق ما ذكرته المصادر، فإن المرتضى ظل طيلة السنوات الماضية متنقلاً بين سوريا والعراق ولبنان ممثلاً للحوثيين في غرفة العمليات المشتركة لما يُسمى «محور المقاومة» الذي تدعمه إيران. ولعب دوراً محورياً في تنسيق العمل بين هذه المجموعات في البلدان الثلاثة، وسهّل نقل المقاتلين والأسلحة من إيران إلى اليمن، الذي عاد إليه بعد أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023.

مهام متعددة

طبقاً لبيانات ناشطي الجماعة الحوثية، فقد ظل المرتضى بعيداً عن الإعلام والتجمعات واللقاءات الشعبية، كحال بقية المسؤولين في الجناح العسكري، لكنه قاد معارك الجماعة في مديرية نهم بمحافظة صنعاء، والمواجهات التي شهدتها محافظة الحديدة، ووصلت خلالها القوات الحكومية إلى وسط عاصمة المحافظة، كما كان أحد قادة التمرد على السلطة المركزية، وتولى منذ عام 2009 قيادة مجموعة مسلحة أطلق عليها «لواء الإسلام».

بعد اندلاع الحرب في قطاع غزة، انتقل المرتضى إلى جنوب لبنان، حيث عمل ضمن جماعات تابعة لـ«حزب الله» في إطار عمل المحور المدعوم من إيران، إلا إن مقتل قادة «الحزب»، بمن فيهم الأمين العام حسن نصر الله، وأهم قادة التشكيلات العسكرية، أرغمه على الانتقال إلى العراق ضمن مجموعة أخرى من العناصر الحوثية التي كانت تعمل مع التشكيلات هناك.

الحوثيون تكبدوا خسائر غير مسبوقة خلال عام 2025 (إ.ب.أ)

ووفق المصادر، فإن المرتضى أُعيد في مطلع عام 2025 إلى مناطق سيطرة الحوثيين، قبل أن تصطاده غارة أميركية في مارس، وفق تقديرات المصادر، في حين أعلنت الجماعة أنه سيدفن برفقة اثنين من القادة الآخرين قُتلوا في غارات مماثلة.

خسائر أخرى

وسط سلسلة الاعترافات، كشف ناشطون حوثيون عن مصرع مجموعة أخرى من الجناح العسكري، بعضهم كان يعمل في هندسة الصواريخ، من بينهم راجح الحُنمي، الخبير في القوة الصاروخية، والعميد إسماعيل الوجيه، والعميد أحمد إسحاق، والعميد محمد الجنيد، والعميد ماهر الجنيد، والعقيد علي المؤيد، والعقيد محمد الشرفي.

وفي السياق، كشفت المصادر عن أن العقيد أحمد حجر، الذي أقر الحوثيون بمقتله مع أخيه قائد وحدة الطيران المسيّر، كان يعمل في قسم المهام اللوجيستية المرتبطة بقوة الصواريخ وسلاح الطيران المسيّر، من خلال عمله في مكتب القيادي عبد الملك الدُرّة، المعيّن برتبة لواء نائباً لرئيس هيئة الإسناد اللوجيستي بوزارة الدفاع الحوثية.

ووفق ما أوردته منصة «ديفانس» المعنية بالشؤون الأمنية والعسكرية، فإن الدُرّة منخرط في أنشطة الدعم اللوجيستي لمنظومة الصواريخ الحوثية وسلاح الدُّرُون، ويُشرف على توفير الاحتياجات وتهريب وتوريد معدات من الخارج، وتأمين البنى التحتية ومخابئ الورشات ومراكز التجميع والصيانة.

الجماعة الحوثية تعتمد سياسة الاعتراف بخسائرها العسكرية بالتدريج (إ.ب.أ)

كما أنه يعمل نائباً للقيادي مسفر الشاعر، المتورط في أنشطة التهريب والمدرج على لوائح العقوبات، والمكلف الاستحواذ على الممتلكات العامة والخاصة عبر ما يُسمى «الحارس القضائي».

وذكرت المنصة أن الدُرّة عمل مع الحوثيين منذ بداية تأسيسهم في جبال صعدة، وهو ضابط سابق في الجيش اليمني، وعمل مع الجماعة مسؤولاً عن دائرة الإمداد والتموين، وقبلها عمل مسؤولاً للاستخبارات في القوات الجوية والدفاع الجوي، كما عمل مسؤولاً للدفاع الجوي بمحافظة الحديدة، وهو أحد القادة الذين يُحاكمون غيابياً أمام القضاء العسكري اليمني.