الثقافة في مصر 2014.. جسد عاث فيه الفساد والخراب

شهدت ملتقى «الرسم على الحوائط» ومؤتمرا للشعر وندوات أدبية متنوعة

نساء البرلس يشاركن الفنانين  بدهان الشبابيك في الملتقى   -  ملصق معرض جائزة  الفنان محمد عبلة
نساء البرلس يشاركن الفنانين بدهان الشبابيك في الملتقى - ملصق معرض جائزة الفنان محمد عبلة
TT

الثقافة في مصر 2014.. جسد عاث فيه الفساد والخراب

نساء البرلس يشاركن الفنانين  بدهان الشبابيك في الملتقى   -  ملصق معرض جائزة  الفنان محمد عبلة
نساء البرلس يشاركن الفنانين بدهان الشبابيك في الملتقى - ملصق معرض جائزة الفنان محمد عبلة

وقفت الثقافة المصرية خلال العام الحالي (2104)، على عتبة تغيير؛ تتقدم خطوة، تتراجع خطوات. في حركة مضطربة تعيد إنتاج الماضي، ولا ترسخ أقدامها في المستقبل. تحكمها ثنائية موجعة، تترنح ما بين المزيد من اليأس والقليل من الأمل. تزداد مفارقات هذه الثنائية ألما وإحباطا، حين تسقط أحلام التغيير بعد ثورتين شعبيتين، وتتحول إلى مجرد شعارات لإزجاء الوقت، من دون عائد حقيقي على أرض الواقع يلمسه المبدعون، سواء في صناعة الكتاب، أو المسرح، أو السينما، أو الفن، أو وجود مجلة ثقافية راقية، تعني بالكتابة الجديدة في شتى مناحي الإبداع، أو الحوار الجاد حول قضايا الثقافة والإبداع والبحث عن حلول واقعية لها، بعيدا عن سياسة الترقيع التي تتستر على جسد مهلهل، عاث فيه الفساد والخراب على مدى سنوات.
هذه السياسة، وفي واقعة استثنائية لم تشهدها الثقافة المصرية على مدار تاريخها الطويل، دفعت كاتبا حائزا على جائزة البوكر العربية، لأن يعلن اعتزاله الكتابة، احتجاجا على تعيين مسؤول ثقافي يحاكمه القضاء في قضايا فساد كثيرة، مستشارا ثقافيا لرئيس الحكومة. لم يلتفت أحد إلى مغزى هذه القرار، وما ينطوي عليه من قسوة تصل إلى حد الموات للكاتب نفسه. وجرى تسويق المسألة من قبيل «الشو» الثقافي، والنزاعات الشخصية بين طرفيها، صاحب رواية «عزازيل» أستاذ الفلسفة الدكتور يوسف زيدان، والدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية.
تترادف هذه الواقعة مع واقعة أخرى يتناسل في ظلالها عملية إنتاج الماضي، وهي تكليف وزير الثقافة الدكتور جابر عصفور والباحث والكاتب المعروف السيد ياسين، بوضع استراتيجية للثقافة المصرية، تحكم مساراتها خلال السنوات الـ4 المقبلة، وهو ما أثار موجة من الغضب في أوساط الكتاب والمثقفين، احتجاجا على النهج الفردي الأحادي، الذي يصل إلى حد الوصاية في التعامل مع الثقافة والنظر إلى قضاياها، وكأنها تركة خاصة، يتوارثها مسؤول بعد آخر، بحسب الظروف والأحوال، وليست فعلا جماعيا يشارك في إنتاجه المبدعون على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم الفكرية والفنية.
اللافت في الأمر، أن الكتّاب لم يجدوا في ورقة ياسين الاستراتيجية جديدا يذكر يستحق النقاش، بل رأى العديد منهم، أنها متأخرة كثيرا حتى عما طرحه طه حسين في كتابة الشهير «مستقبل الثقافة في مصر» في خمسينات القرن الماضي، علاوة على أن فكر السيد ياسين نفسه، ورؤيته الإصلاحية التبريرية، لم تعد تصلح لما يفور به جسد الثقافة المصرية من أسئلة وقضايا وأفكار، تستوجب المعالجة، في إطار رؤية ثورية مفتوحة بحيوية على الماضي والحاضر والمستقبل، تعتد بالتعدد والتنوع الثقافي معولا أساسيا للتغيير والبناء.
عكس الانتقاد الحاد لورقة السيد ياسين خوفا آخر على الثقافة المصرية، اتسعت رقعته حين فوجئ المثقفون بمظاهر للتضييق على حرية الإبداع والتعبير، تمثلت شواهدها في القرار الذي اتخذه رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب، بمنع فيلم «حلاوة روح» من دور العرض المصرية، بتهم مخالفة الأعراف والتقاليد وخدش الحياء العام، رغم أن الفيلم مر على جهاز الرقابة على المصنفات الفنية وأجيز عرضه، وهو ما أدى إلى استقالة رئيس الجهاز، ليدخل الفيلم في دوامة الشائعات، إلى أن حسمت المحكمة الأمر، وقضت بعرضه.
أيضا طالت سياسة التضييق محاولات البعض لمنع برنامج «الراقصة»، بعد عرضه على قناة فضائية مصرية خاصة، وهو برنامج يعني بمسابقات في مجال الرقص وفنونه. ورفض الكثير من المثقفين مبدأ المنع في حد ذاته، معتبرين أنه يكرس سياسة الخوف والخنوع، ويصادر تنوع المعرفة الإنسانية، وحق الإنسان في أن يعرف ويتعلم حتى من الأفكار الضد، وهو ما يفتح باب التضييق على مصراعيه بشكل عشوائي، يؤشر على عدم الفهم لطبيعة الإبداع نفسه، وأنه فعل جوهره الحرية.
لكن خارج صندوق المؤسسة ونكوص سياساتها، كسرت الثقافة المصرية حاجز الخوف من التضييق على حرية الإبداع، واستطاعت أن تغرد وتكشف عن ملامح مشرقة، تمثلت في عدد من الفعاليات والأنشطة الأدبية والفنية، وهي أنشطة مستقلة يقوم بها أفراد وجماعات ومراكز ثقافية أهلية، كان للفن التشكيلي والشعر النصيب الأوفر منها.
في مقدمة هذه الأنشطة تجربة ملتقى البرلس الأول لـ«الرسم على الحوائط»، التي أقامتها مؤسسة الفنان عبد الوهاب عبد المحسن للثقافة والفنون والتنمية، في محافظة كفر الشيخ، بوسط دلتا مصر، ودعمها محافظها المستشار محمد عزت عجوة. ضم الملتقى أكثر من 30 فنانا من أجيال ومشارب فنية متنوعة، اتخذوا من قرية «برج البرلس» المطلة على البحر المتوسط فضاء بصريا عايشه الفنانون، وتفاعلوا مع إيقاع الحياة اليومية الخاصة للقرية ونمطها، بكل أبعادهما الاجتماعية والإنسانية حيث يعيش أغلب أهلها على صيد السمك.
استطاع الملتقى جذب أهل القرية، خاصة الشباب والأطفال، إلى مراسم الفنانين المفتوحة على جدران البيوت والأبواب والمحلات والمقاهي، ليشاركوهم عملية الرسم والتلوين، بشكل وصفه أحد الفنانين المشاركين بقوله: «عدوى الفن انتشرت في القرية، وخلقت حالة تنافسية، حتى بين أهلها البسطاء». لقد قدم الملتقى رسالة مهمة، وهي أن الفعل الثقافي الحقيقي يستطيع أن يؤدي دوره في خدمة المجتمع بأبسط الإمكانيات، طالما توافرت الإرادة والحب والاحترام.
توازى مع تجربة هذا الملتقي تجربة أخرى مهمة قام بها الفنان محمد عبلة، لخلخلة حالة السكون في فضاء الفن التشكيلي، وفتحت نافذة مهمة لفنانين واعدين من الشباب يبدأون خطواتهم الأولى في مغامرة التشكيل. أعلن عبلة عن منحه جائزة سنوية باسمه في مجال التصوير، قيمتها 20 ألف جنيه، بداية من العام الحالي، على أن يفوز بالجائزة فنان واحد فقط، وتختار لجنة التحكيم 20 فنانا من المشاركين، لإقامة معرض لأعمالهم في الأول من ديسمبر (كانون الأول) بقاعة الفنون بالأوبرا. وفازت الفنانة الشابة مي السباعي بجائزة المسابقة، وأشادت بعملها لجنة التحكيم المكونة من عبلة و3 من الفنانين الكبار: زينب السجيني وعادل السيوي، وعصمت داوستاشي، ووضع عبلة شروطا للجائزة، أهمها ألا يزيد سن المتقدم للجائزة على 30 عاما.
وعلى صعيد الشعر، فتحت الدورة الأولى لمؤتمر قصيدة النثر المصرية الذي استضافه أتيليه القاهرة، شهية الشعراء على الشعر وأمسياته. واللافت أن المؤتمر أقيم بجهود الشعراء أنفسهم تحت رعاية منسقه الشاعر عادل جلال، ليطرح مجددا معضلة قصيدة النثر، وبجرأة، على طاول البحث النقدي، بمشاركة 25 شاعرا و5 نقاد، وأصدر الملتقى كتابين؛ الأول «أنطولوجيا قصيدة النثر»، فيما ضم الكتاب الثاني الأبحاث والدراسات النقدية التي شهدها المؤتمر، مؤكدا استقلاليته تحت شعار «في الثقافة متسع للجميع».
ويتناثر هذا الفعل الثقافي خارج صندوق المؤسسة، في ندوات وأمسيات شعرية بدأت تقيمها، بشكل شهري، العديد من دور النشر، مثل «دار العين»، و«بيت الوادي» الثقافي، إضافة إلى حفلات التوقيع التي تحرض على تقديم إضاءة نقدية للإصدارة الجديدة، كما شرعت دار «ابن رشد»، وهي دار وليدة، في إقامة صالون أدبي، يستضيف مبدعا في ندوة موسعة شهريا.
ومع ظهور العديد من دور النشر الخاصة تتسع رقعة هذا النشاط، مخلفة حالة تنافسية بينها، بدا أثرها واضحا في الاهتمام بعنصر الكيف فيما تصدره. وانعكس ذلك في كم هائل من الإصدارات، في الرواية، والشعر، والقصة القصيرة، وقضايا الفكر والفن، وعلوم السياسة والاجتماع، منها رواية «أداجيو» لإبراهيم عبد المجيد، «شمس الحصّادين» لعبد الستار حتيتة، «شجرة اللبخ» لعزة رشاد، «الحريم» لحمدي الجزار، «عتبات الجنة» لفتحي إمبابي. وفي الشعر: «ترجمان الأشواق» لعاطف عبد العزيز، «هواء المنسيين» لغادة نبيل، «الخروج في النهار» لمحمد رياض. كما عادت القصة القصيرة إلى المشهد في مجموعات «لمح البصر» لسيد الوكيل، «زووم إن» لحسين عبد الرحيم، «ذات الرداء الأسود» لسلوى بكر، «درب النصارى» لخالد إسماعيل.
ولم ينفك عن حبال هذا الخوف مشهد الوداع الأخير، الذي ضرب الثقافة المصرية بمرارة الفقد والأسى لرحيل عدد من الكتاب والفنانين، كان لهم بصماتهم الخاصة وحيويتهم في الحياة الثقافية، في عالم الكتابة القصصية والروائية والترجمة، وفنون السينما والكاريكاتير والمسرح، منهم الكاتب محمد ناجي، ومحمد فتحي مبروك، وأحمد رجب، ورساما الكاريكاتير الشهيران مصطفى حسين، وأحمد طوغان. وفي عالم التمثيل رحلت زيزي البدراوي، ومريم فخر الدين، ومعالي زايد، وسعيد صالح، وخالد صالح.
كما شهد هذا العام رحيل العالم الدكتور حامد أبو عمار شيخ التربويين في مصر والعالم العربي.. لكن، وسط هذا المشهد المكتظ، تبقى أحلام التغيير مطلبا أساسيا وملحا يناوش عتبة العام الجديد.0



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.