شدد مشاركون، أمس، في جلسة «خوصصة العنف في أفريقيا: المجموعات المسلحة غير التابعة للدولة والأمن الخاص»، المبرمجة ضمن محادثات المؤتمر السنوي للسلام والأمن في أفريقيا، على الحاجة إلى إنشاء مناخ يتعذر فيه تنامي العنف أو الإرهاب. كما نبهوا إلى التأثير السلبي لعصابات الجريمة المنظمة، مع إشارتهم إلى التنافس القائم بين الهيئات الحكومية وبعض الجهات التي ترى في نفسها هيئات أكثر فاعلية في تقديم الخدمات للسكان.
وعلى علاقة بموضوع دورة هذه السنة من المؤتمر الذي يناقش، عن بعد، وعلى مدى ثلاثة أيام، موضوع «جائحة كوفيد - 19 والأمن في أفريقيا»، ذهب المشاركون في هذه الجلسة التي أدارها آليون ندياي (السنغال)، رئيس قسم السلام بالمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (إيسيسكو)، إلى أنه لا يوجد أي أثرٍ لـ«كوفيد – 19» على العنف المتواصل، في وقت استغلت فيه المجموعات الإرهابية استشراء الوباء لإعادة تنظيم استراتيجيتها وتموقعها.
وقامت آفوا بواطيما ياكوهيني (غانا)، الباحثة في مركز ليجون للشؤون الدولية والدبلوماسية، في معرض مداخلتها، بمراجعة تشكيلة متنوعة من الفاعلين الذين يلجأون إلى العنف الخاص، الذي يُـقـصد به ذلك «الخارج عن نطاق الدولة»، والذي يتعدد مرتكبوه ما بين الإرهابيين، والمقاتلين من أجل الحرية، وعصابات الجريمة المنَظمة، فضلاً عن وكالات إنفاذ القانون التي تدعم اللجوء للعنف الخاص. ورأت أن تلك المجموعات استغلت غياب البنيات التحتية وعدم امتثال الدولة لتقديم الخدمات الأساسية؛ مما حدا بها لسلوك طريق العنف وسيلةً لتسوية المشاكل المرتبطة بانعدام الأمن والتهميش وصعوبة الولوج إلى المدارس، فضلاً عن الفقر المدقع وغياب الدعم للقطاع الخاص وانسداد الأفق بالنسبة للشباب؛ علاوة على ارتفاع نسبة العطالة، بشكل يفضي إلى استهداف بعض المجموعات للمناطق الغنية داخل بلدانهم.
وزادت بواطيما ياكوهيني، أن اللجوء إلى العنف الخاص ينتشر بين أوساط أحزاب المعارضة التي تستأجر «فتيان الأحزاب» ليقاتلوا بالنيابة عن الأطر الحزبية؛ أما السبب الرئيسي فهو عدم ثقة تلك الأحزاب بالقوات النظامية للأمن، كما أنهم لن يفاجِـئوا أي أحد باختيارهم ذلك الحل في سياق الظروف الاجتماعية الراهنة. فالسياق الاجتماعي الراهن أفضى إلى نشوء منصة لتجنيد الشباب، وازدياد التعاطف من قبل السكان نحو الجماعات الإرهابية.
من جهته، ذكَّر رضا لياموري، الباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، بكون منطقة الساحل عرفت في 2019 أثقل حصيلة من العنف والموت؛ وبأنها ما زالت تمر، في السنة الحالية، من منعطف لا يختلف كثيرا عما واجهته السنة الماضية. ويكمن السبب وراء المنحى التصاعدي للعنف في الصراع المتعدد الأبعاد والذي يشمل الكثير من الفاعلين.
وبالنسبة للياموري، يتجلى العامل الأول المفضي إلى عدم الاستقرار في منطقة الساحل في المجموعات الجهادية المنتسبة إلى تنظيمَي «القاعدة»، و«داعش»، والحاضرة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، مع تكتل لهذين التنظيمين على منطقة «ليبتاكو غورما». ولاحظ أن العنف، الذي بدأ في مالي سنة 2012، امتد إلى مناطق أخرى مثل ساحل العاج، وشمال بينين، وشمال غربي نيجيريا. في حين تدخل عوامل أخرى على الخط بخصوص عدد القتلى والمفقودين، من بينها الجيوش الإقليمية والوطنية والمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، والمتهمة بارتكابها عمليات قتل خارج نطاق القانون – فضلاً عن عملية «برخان» الفرنسية التي تقوم بها القوات الفرنسية الخاصة. كما أن هناك مجموعات الدفاع الذاتي، التي تنشط في كل من مالي وبوركينا فاسو، حيث يتم تسليح المدنيين من طرف الدولة، بهدف توفير الأمن شمال البلاد. إذ يمَثل ذلك خطراً؛ اعتباراً لكون بعض المجموعات مكونة على أساس عرقي، وتحمل – في طياتها – أجندات تتجاوز مجرد الدفاع عن الجماعات التي تمَثلها، حيث يتجلى ذلك في نزوع تلك المجموعات للقيام بعمليات انتقامية، أو في إظهار اهتمامها بالولوج إلى بعض المصالح الاقتصادية.
ويرى لياموري، أن الحل هنا، يكمن في إنشاء مناخ يتعذر فيه تنامي العنف أو الإرهاب، وحيث يكون هناك دعم للمؤسسات المحلية مع توفير الإمكانات والقدرات على رصد وتحليل المعلومات. ويمكن هنا للشركاء الوطنيين والدوليين التركيز على عمليات تهميش الأفراد، أو على الشبكات الإجرامية التي تساهم في زعزعة الاستقرار بالمنطقة.
من جهته، أكد دانكن إ. أوموندي غومبا، كبير الباحثين بمركز الدراسات الأمنية (ساحل العاج)، أن وجود أشخاص فاسدين داخل بعض الحكومات، لن يتورعوا عن التورط في بعض الأنشطة المشبوهة التي تديرها الشبكات المحلية أو الخارجية لعصابات المافيا؛ مشيراً إلى التأثير السلبي لعصابات الجريمة المنظمة في دولٍ مثل جنوب أفريقيا، والصومال، ونيجيريا، ومالي.
وإلى جانب التعاون مع المؤسسات التابعة للدولة، يضيف غومبا، نلمس نوعاً من التنافس القائم بين الهيئات الحكومية وبعض الجهات التي ترى في نفسها هيئات أكثر فاعلية في تقديم الخدمات للسكان. هكذا توجد بعض مظاهر الاستغلال الاقتصادي المنظم من طرف بعض الجهات، حيث يمثل ذلك ظاهرة مألوفة في شمال شرقي جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ بينما يوجَد في نيجيريا تنظيم المشاريع بشكل إجرامي على مستوى كل ولاية من الولايات المكونة للاتحاد الفيدرالي. ومن المألوف رصد مظاهر الفساد والزبونية - على أعلى مستوى – في دولٍ مثل مالي والصومال. كما أن بعض الفاعلين الأساسيين في تجارة العنف قد أصبحوا من الفاعلين الرئيسيين للعنف «التابع للقطاع الخاص»، حيث امتدت أنشطتهم لتجعل منهم مقاولين سياسيين في دول مثل تشاد، وموزمبيق، وأوغندا، وجنوب أفريقيا، وكينيا. في حين يزيد وجود مثل تلك المجموعات في الدول السالفة الذكر، يضيف غومبا، من تفاقم أوضاعها، حيث اختلال العمل داخل دواليب الدولة، بل إفلاسها.
أما المصطفى الرزرازي، الباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، فركز في مداخلته على التأمل في فرضيتين: أولاهما تقول بأنه لا يوجد أي أثر لـ«كوفيد – 19» على العنف المتواصل، حيث يتواصل هذا الأخير بوتيرة تناهز 170 هجمة شهرياً. في حين تتحدث الفرضية الأخرى عن أن المجموعات الإرهابية قد استغلت استشراء الوباء لإعادة تنظيم استراتيجيتها وتموقعها.
مؤتمر السلم يواصل أشغاله بمناقشة «خوصصة» العنْف في أفريقيا
مشاركون: لا يوجد أي أثر لـ«كوفيد – 19» على العنف المتواصل
مؤتمر السلم يواصل أشغاله بمناقشة «خوصصة» العنْف في أفريقيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة