بعد صمت 18 عاما.. «المدفع» يعود لأهالي المدينة المنورة

الفايدي لـ «الشرق الأوسط»: موقعا المدفع القديمان لا يوازيان التوسع العمراني للمدينة

إعادة استخدام المدفع الصوتي بالمدينة المنورة خلال شهر رمضان المبارك جاءت أسوة باستمرار استخدامه في منطقة مكة المكرمة
إعادة استخدام المدفع الصوتي بالمدينة المنورة خلال شهر رمضان المبارك جاءت أسوة باستمرار استخدامه في منطقة مكة المكرمة
TT

بعد صمت 18 عاما.. «المدفع» يعود لأهالي المدينة المنورة

إعادة استخدام المدفع الصوتي بالمدينة المنورة خلال شهر رمضان المبارك جاءت أسوة باستمرار استخدامه في منطقة مكة المكرمة
إعادة استخدام المدفع الصوتي بالمدينة المنورة خلال شهر رمضان المبارك جاءت أسوة باستمرار استخدامه في منطقة مكة المكرمة

صدرت موافقة المقام السامي على إعادة استخدام المدفع الصوتي في المدينة المنورة بدءا من شهر رمضان المبارك للعام الهجري الحالي 1436ه‍، وذلك لما يملكه من إرث تاريخي تناقلته الأجيال في المدينة المنورة جيلا بعد جيل.
وجاءت الموافقة الكريمة في ضوء ما رفعه الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية، بناء على ما رفعه الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة المدينة المنورة، بشأن رغبة أهالي المدينة المنورة في إعادة استخدام المدفع الصوتي بالمدينة المنورة خلال شهر رمضان المبارك أسوة باستمرار استخدامه في منطقة مكة المكرمة. وجاءت موافقة المقام السامي تحقيقا لآمال وتطلعات أهالي المدينة المنورة وحرص واهتمام الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة المدينة المنورة، بالتراث والموروث المديني الذي تحتضنه طيبة الطيبة، ودعما للاستمرار الذي اكتسبته المدينة المنورة عبر التاريخ.
ومن خلال الموافقة الكريمة، فإن المدفع الصوتي سيعاد استخدامه مرة أخرى في المدينة المنورة خلال شهر رمضان المبارك بعد أن صمت خلال فترة من الزمن. وبعودته، يسترجع الأهالي الإرث التاريخي الكبير الذي كان يمثله لهم المدفع الصوتي، الذي ارتبط بالشهر الكريم وأول أيام عيد الفطر السعيد، حيث يتم من خلاله إعلان دخول شهر رمضان المبارك، في وقت كان فيه هو الوسيلة الوحيدة التي تصل لجميع أهالي المدينة المنورة.
وأوضح لـ«الشرق الأوسط» الباحث في تاريخ المدينة المنورة الدكتور تنيضيب الفايدي، أن المدفع المديني قبل توقفه منذ 18 عاما كان له موقعان؛ الأول كان في قمة جبل سلع الذي يعتبر أقرب الجبال للمسجد النبوي، في حين كان الموقع الثاني بإحدى القرى التابعة لمنطقة قباء، مؤكدا في الوقت نفسه أن هذان الموقعين لا يوازيان حاجة المدينة المنورة في ظل التوسع العمراني الذي شهدته أخيرا، مطالبا بزيادة موقعين، على أن يكون الموقع الأول في حي العزيزية، والثاني في جبال وعيرة، بحيث يصبح إجمالي المدافع بالمدينة المنورة 4 مدافع.
ويسترجع الدكتور الفايدي الذكريات الجميلة للمدفع ومكانته في نفوس أهالي طيبة، مشيرًا إلى أن كثيرا من الذكريات ارتبطت تاريخيا بالمدفع الصوتي، ومن أشهر الأناشيد والأهازيج الترحيبية بقدوم شهر رمضان أنشودة «جابوه ما جابوه»، فيخرج الأطفال عند سماع صوت المدفع بشوارع المدينة ويرددون تلك الأناشيد ويدخل صوت المدفع البهجة والسرور في نفوس الأهالي، وخصوصا الأطفال. ولمح إلى أن المدفع الصوتي كان مظهرًا أساسيا من مظاهر شهر الخير، كما أنه إحدى أهم العادات التي ارتبطت بأيام شهر رمضان وليلة اليوم الأول من عيد الفطر السعيد، وأوضح الفايدي أن المدفع الصوتي رمز من الرموز التي عاصرتها الأجيال في المدينة المنورة بمختلف العصور، مؤكدا أن إعادته هي إعادة للحمة اجتماعية كان يشترك في سماعها جميع أهالي المدينة المنورة في مختلف الأرجاء والمواقع، كما أن له قيمة وفائدة اجتماعية يشعر بها جميع الأهالي في المدينة المنورة، حيث ارتبط بإعلان الفرح وإعادة الذكريات. وذكر أن المدفع الصوتي له علاقة وثيقة بشهر رمضان المبارك منذ مئات السنين، وعند توقفه خلال الفترة الماضية افتقد الكثير من أهالي المدينة المنورة سماع صدى ذلك الصوت.
وقال الفايدي إن أهالي المدينة المنورة يشعرون بمتعة حقيقية عندما كانوا يحرصون على الوجود في ساحات المسجد النبوي الشريف بصحبة أبنائهم انتظارا لسماع صوت المدفع.
وذكر أن المدفع كان يعلن دخول الشهر الكريم من خلال عدد من الطلقات المتتالية في الليلة الأولى من ليالي الشهر الكريم، وأضاف أن إعلان الإفطار في أيام شهر رمضان كان يتم عن طريق طلقة واحدة وكذلك إعلان وقت السحور، وأضاف أن الطلقات المتتالية تعود بعد ذلك ليلة اليوم الأول من عيد الفطر، وكذلك بعد صلاة العيد التي تكون هي اختتام أصوات المدفع الصوتي، ليعود بعد ذلك خلال شهر رمضان من العام التالي.
وفي سياق متصل، أكد لـ«الشرق الأوسط» الدكتور فهد بن مبارك الوهبي، عميد التعليم عن بعد بجامعة طيبة والمهتم بتاريخ المدينة المنورة، أن في عودة انطلاق مدفع رمضان عودة إلى تراث جميل تعودته أقطار كثيرة في العالم الإسلامي، حيث كان لصوت مدفع رمضان كل ليلة وقت الإفطار وعند أذان الفجر وقع جميل في آذان الصائمين الذين تعودوا لسنوات طويلة، بل لعقود، على الاستماع له، كما كانت الفرحة تنطلق مع أصوات المدفع الذي كان يؤذن بدخول شهر رمضان أو بحلول ليلة العيد. إنها عودة لسيل من ذكريات جميلة تعبر في مسالك تاريخ المدينة الجميل، مبديا شكره للأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة على حرصه على تأصيل التراث المديني والمحافظة عليه.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».