في خضم أزمة اقتصادية وجائحة «كورونا»... السودان في مواجهة فيضانات القرن

رجل يسير في شارع غمرته المياه ببلدة السلمانية على بعد نحو 35 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة الخرطوم (أ.ب)
رجل يسير في شارع غمرته المياه ببلدة السلمانية على بعد نحو 35 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة الخرطوم (أ.ب)
TT

في خضم أزمة اقتصادية وجائحة «كورونا»... السودان في مواجهة فيضانات القرن

رجل يسير في شارع غمرته المياه ببلدة السلمانية على بعد نحو 35 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة الخرطوم (أ.ب)
رجل يسير في شارع غمرته المياه ببلدة السلمانية على بعد نحو 35 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة الخرطوم (أ.ب)

اجتاحت الفيضانات السودان في اليوم الذي أنجبت فيه سمية حماد سليمان طفلها الثالث. في ذلك المساء؛ ذهبت إلى النوم مرهقة وشاعرة بالألم، وبعد ساعات قليلة أيقظها زوجها... «عندما نهضت من الفراش، كان نصف جسدي في الماء»، هكذا تروي سليمان البالغة من العمر 28 عاماً. وقد تركت الأسرة منزلها في الخرطوم بسرعة، تاركة أيضاً وراءها كل ما تملك. بعد نصف ساعة انهار منزلهم... «كل ما نملكه جرفته مياه النيل».
سليمان، مع 650 ألف شخص آخرين، ضحية فيضان القرن في السودان. يفيض نهر النيل كل عام في الدولة الواقعة شمال شرقي أفريقيا ويغمر المناطق المحيطة به. لكن هذه السنة الأمر مختلف؛ فقد حولت الأمطار الغزيرة الطرق إلى أنهار وأراضي زراعية إلى بحيرات في جميع أنحاء الدولة، ودمرت السيول قرى بأكملها، وفق تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وبحسب السلطات، فقد تم تسجيل أعلى مستوى لنهر النيل منذ بدء التسجيل، مما دفع الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد. وقد تعرض أكثر من 111 ألف منزل للتلف أو التدمير، ويحتاج الناس هناك الآن إلى التزود بضروريات الحياة؛ في بلد يعاني بالفعل من اقتصاد كارثي وجائحة «كورونا» المدمرة.
«كل ما يمكن أن يلبي الاحتياجات الأساسية لم يعد متوفراً»، حسبما تقول نورا نيبيلونغ، مديرة مشروع «منظمة إغاثة جوعى العالم» الألمانية في السودان. ووفقاً لنيبيلونغ، فإن «المتضررين ليس لديهم أسقف فوق رؤوسهم، ولا مياه شرب نظيفة، أو طعام أو مرافق صحية». وبحسب بياناتها، تزود المنظمة نحو 68 ألف شخص في جميع أنحاء السودان بالمواد اللازمة للإيواء في حالات الطوارئ والناموسيات والبطانيات والمراتب وحاويات
المياه.
وتضررت العاصمة الخرطوم على نحو خاص، حيث يلتقي النيل الأزرق بالنيل الأبيض. ويخوض السكان في المياه التي تصل إلى مستوى الركبة أو يستخدمون قوارب للتنقل في الشوارع. وتمكن البعض من تكديس أكياس الرمل في الوقت المناسب لحماية منازلهم. لكن بالنسبة لكثيرين؛ كان الوقت قد ولّى بالفعل. ولجأت عائلة سليمان وآلاف آخرون إلى مخيمات مؤقتة، حيث يعيشون في خيام نسيجية بسيطة.
خارج وسط المدينة، اضطر المزارعون إلى مشاهدة حقولهم وهي تبتلعها الفيضانات. يقول عبد الجبار أحمد: «كل عملنا أصابه الخراب». ويعيش أحمد، البالغ من العمر 55 عاماً في مسقط رأسه شمال الخرطوم. ويوضح أحمد أنه يزرع البصل والثوم، ويجني من الحصاد نحو 5 آلاف دولار. ومن غير المؤكد ما إذا كان سيتمكن من حصاد أي شيء مجدداً في غضون بضعة أشهر. يقول أحمد: «لقد ساعدت والدي في حرث هذه الأرض عندما كنت طفلاً، ولم أرَ فيضانات مثل هذه من قبل».
إن المشكلات التي يتعين على الحكومة الانتقالية في البلاد التعامل معها الآن فادحة. تشعر نيبيلونغ بقلق شديد من «استمرار انتشار الجوع». فبحسب بياناتها، عانى خلال الفترة من يونيو (حزيران) الماضي حتى سبتمبر (أيلول) الحالي 6.‏9 مليون شخص (نحو خمس السكان) بشدة من الجوع. ويرجع ذلك على وجه الخصوص إلى الوضع الاقتصادي السيئ، الذي لم يتحسن كثيراً منذ عام ونصف على الإطاحة بنظام عمر البشير، فضلاً عن الجفاف والصراعات والإغلاق المرتبط بـ«كورونا». وإذ أدت الفيضانات الآن إلى الإضرار بالإنتاج الزراعي بشدة، فقد تتفاقم أزمة الجوع.
ليس ذلك فحسب، فهناك مزيد من الأخطار التي تهدد الحياة في السودان، حيث قال بابكر محمد علي، من وزارة الصحة، مؤخراً: «من المتوقع انتشار أمراض»؛ ففي كثير من الأماكن أصبحت المياه راكدة، مما يوفر للبعوض، الذي ينقل الملاريا أو حمى الضنك، أرضاً خصبة للتكاثر. بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم الحصول على مياه شرب نظيفة يهدد بتفشي الكوليرا وأمراض أخرى مثل الإسهال.
لكن ليس فقط الناس هم الذين يعانون من الفيضانات؛ بل أيضاً التراث الثقافي للسودان. ففي شمال الخرطوم، توجد عشرات الأهرامات التي بناها حكام مملكة كوش القديمة. يقول مدير إدارة الآثار بولاية نهر النيل، عبد الباقي عجيب، إن أهرامات مروي الشهيرة عالمياً، والتي تقع على بعد كيلومترات قليلة من النيل، لم تتأثر بعد. لكن الفيضانات وصلت بالفعل إلى مدينة مروي الملكية. وتعاني أهرامات نوري الواقعة في الشمال بالفعل من ارتفاع
منسوب المياه الجوفية. وقد حذرت اليونيسكو من أن موقعي التراث العالمي قد يصبحان مهددين بالخطر إذا استمر هطول الأمطار.
ورغم ذلك، فإن هناك بعض الضوء في نهاية النفق بفضل ما سيكون أكبر سد في أفريقيا، والذي تبنيه إثيوبيا في منبع النيل الأزرق. ويثير المشروع كثيراً من الاستياء مع مصر، لكنه قد يكون مفيداً للسودان. يوضح ويليام دافيسون من «منظمة مجموعة الأزمات الدولية»: «عندما يعمل سد النهضة بكامل طاقته، فسيكون لديه القدرة على تقليل الفيضانات في السودان، لأنه بإمكانه تنظيم تدفق النيل الأزرق إلى السودان». لكن السد ليس جاهزاً بعد، ويجب على السودانيين الاستعداد لأسابيع عدة من الأمطار.


مقالات ذات صلة

«أمازون» تعلن منع 1800 كوري شمالي من التقدم لوظائف في الشركة

آسيا شعار «أمازون» يظهر في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)

«أمازون» تعلن منع 1800 كوري شمالي من التقدم لوظائف في الشركة

لفت إلى أن الكوريين الشماليين يستخدمون عادة «مزارع أجهزة كمبيوتر محمولة»، وهي جهاز كمبيوتر في الولايات المتحدة يتم تشغيله عن بعد من خارج البلاد.

«الشرق الأوسط» (سيول)
الاقتصاد شعار «أمازون» بالمقر الإداري في ميونيخ (د.ب.أ)

«أمازون» تعلن استثماراً ضخماً بـ35 مليار دولار في الهند لتعزيز الذكاء الاصطناعي

أعلنت شركة «أمازون» العالمية عن خططها لاستثمار ما يزيد على 35 مليار دولار في الهند حتى عام 2030.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
تكنولوجيا أجهزة «إيكو شو» بشاشاتها المتحركة

أجهزة «إيكو» الجديدة: «أمازون» تدفع المنازل العربية إلى عصر الذكاء الاصطناعي والأتمتة المحيطية

بحث جديد يكشف عن التأثير المتنامي للمساعدات الصوتية في السعودية والإمارات

خلدون غسان سعيد (جدة)
تكنولوجيا شعار «أمازون ويب سيرفيسز» في معرض بنيودلهي بالهند (رويترز)

«أمازون» و«غوغل» تطلقان خدمة متعددة السحابة من أجل اتصال أسرع

ذكرت شركتا «أمازون» و«غوغل» أنهما أطلقتا خدمة شبكية متعددة السحابة تم تطويرها بشكل مشترك لتلبية الطلب المتزايد على الاتصال الموثوق به.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)
الاقتصاد شعار «أمازون» (رويترز)

«أمازون» تضخ 50 مليار دولار لتوسيع قدرات الذكاء الاصطناعي للحكومة الأميركية

أعلنت شركة «أمازون»، يوم الاثنين، عن خطة استثمارية ضخمة تصل قيمتها إلى 50 مليار دولار تهدف إلى توسيع قدرات الذكاء الاصطناعي لخدمة عملاء الحكومة الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

العاصمة الصومالية تشهد انتخابات في خطوة أولى نحو استعادة حق الاقتراع العام

عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)
عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)
TT

العاصمة الصومالية تشهد انتخابات في خطوة أولى نحو استعادة حق الاقتراع العام

عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)
عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)

يصوت سكان العاصمة الصومالية ​مقديشو اليوم الخميس في انتخابات بلدية تهدف إلى تمهيد الطريق لأول انتخابات وطنية مباشرة في الدولة الواقعة في شرق أفريقيا منذ أكثر من نصف قرن.

وباستثناء انتخابات منطقة بونتلاند شبه المستقلة ومنطقة أرض الصومال الانفصالية، أجرى الصومال آخر انتخابات مباشرة في عام 1969، قبل أشهر من سيطرة الجنرال محمد سياد بري على السلطة في انقلاب. وبعد سنوات من الحرب الأهلية التي أعقبت ‌سقوط بري ‌عام 1991، تم تبني طريقة الانتخابات غير ‌المباشرة ⁠عام ​2004. ‌وكان الهدف هو تعزيز التوافق بين القبائل المتنافسة في مواجهة حركةٍ مسلحة، على الرغم من أن بعض الصوماليين يرون أن السياسيين يفضلون الانتخابات غير المباشرة لأنها تتيح فرصا للفساد.

وبموجب هذا النظام، ينتخب ممثلون للقبائل أعضاء البرلمان، الذين يختارون بعد ذلك الرئيس. ويتولى الرئيس بدوره مسؤولية تعيين رئيس بلدية مقديشو. ويُنظر لانتخابات مقديشو، المدينة التي ⁠يبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة ملايين نسمة والتي تحسنت الأوضاع الأمنية بها خلال السنوات القليلة ‌الماضية على الرغم من استمرار وقوع ‍هجمات يشنها مسلحو «حركة الشباب» ‍المرتبطة بتنظيم القاعدة، على أنها بمثابة اختبار قبل إجراء انتخابات ‍مباشرة على المستوى الوطني.

وقال عبد الشكور أبيب حير عضو لجنة الانتخابات الوطنية إن حوالي 1605 مرشحين سيتنافسون اليوم الخميس على 390 مقعدا بالمجالس المحلية بمقديشو. وسيختار هؤلاء الأعضاء بعد ذلك رئيسا للبلدية. وذكر حير لرويترز «هذا يظهر أن الصومال يقف على قدميه ويمضي قدما... وبعد الانتخابات المحلية، يمكن وسيتم إجراء الانتخابات في جميع ⁠أنحاء البلاد».

وأعاد قانون صدر عام 2024 حق الاقتراع العام قبل الانتخابات الاتحادية المتوقعة العام المقبل. ومع ذلك، توصل الرئيس حسن شيخ محمود في أغسطس آب إلى اتفاق مع بعض قادة المعارضة ينص على أنه بينما سيتم انتخاب النواب مباشرة في عام 2026، سيظل البرلمان هو من يختار الرئيس.

وتقول أحزاب معارضة إن الانتقال سريعا لتطبيق نظام انتخابي جديد من شأنه أن يعزز فرص إعادة انتخاب محمود. ويتساءلون كذلك عما إذا كانت البلاد آمنة بما يكفي لإجراء انتخابات شاملة نظرا لسيطرة حركة الشباب على مساحات شاسعة من المناطق ‌الريفية فضلا عن أنها تشن غارات بشكل متكرر على مناطق سكانية رئيسية.


احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

تجوب فرق الكشافة شوارع بيت لحم، الأربعاء، مع بدء الاحتفالات بعيد الميلاد في المدينة الواقعة بالضفة الغربية المحتلّة، بعد عامين خيّمت عليهما حرب غزة التي حرمت مسقط رأس السيد المسيح، حسب المعتقد المسيحي، من الاحتفال.

لكن هذا العام، بدت المدينة الواقعة في جنوب الضفة الغربية أكثر حيوية، بعد اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، حيث يواجه مئات الآلاف برد الشتاء القارس بعد أن تركتهم الحرب في خيام مهترئة ومنازل مدمرة.

تجوب فرق الكشافة شوارع بيت لحم (أ.ب)

وفي الفاتيكان، من المقرر أن يترأس البابا لاوون الرابع عشر قداس عيد الميلاد الأول له عند الساعة 20:30 بتوقيت غرينتش في كاتدرائية القديس بطرس، بعدما دعا إلى «24 ساعة من السلام في العالم أجمع».

وانتخب الحبر الأعظم الأميركي من قبل مجمع الكرادلة، في مايو (أيار)، عقب وفاة البابا فرنسيس، وهو يتميّز بأسلوب أكثر هدوءاً من سلفه، لكنه سار على خطاه في قضايا أساسية، مثل الهجرة والعدالة الاجتماعية.

«أمل»

في بيت لحم، طغت على الأجواء أصوات الطبول ومزامير القِرَب التي تعزف ألحان تراتيل ميلادية شهيرة، بينما توجّه المسيحيون، صغاراً وكباراً، نحو وسط المدينة حيث ساحة المهد.

وقالت ميلاغروس إنسطاس (17 عاماً) التي ترتدي الزي الأصفر والأزرق لكشافة الساليزيان في بيت لحم «اليوم مليء بالفرح، لأننا (من قبل) لم نكن قادرين على الاحتفال بسبب الحرب».

وعلى غرار سائر دول الشرق الأوسط، يشكّل المسيحيون أقلية في الأراضي المقدسة، إذ لا يزيد عددهم على 185 ألفاً في إسرائيل، و47 ألفاً في الأراضي الفلسطينية.

وشارك مئات الأشخاص في المسيرة التي جابت شارع النجمة الضيق المفضي إلى كنيسة المهد والساحة المؤدية لها.

وتجمّع حشد غفير في ساحة المهد، فيما أطلّ عدد قليل من المتفرجين من شرفات مبنى البلدية لمتابعة الاحتفالات.

وفي وسط الساحة، وقفت شجرة الميلاد الكبيرة المزينة بكرات حمراء وأخرى ذهبية لتزيد بهجة على الأجواء.

ويعود بناء الكنيسة إلى القرن الرابع، وقد بُنيت فوق مغارة يعتقد المسيحيون أن السيد المسيح وُلد فيها قبل أكثر من ألفي عام.

وقالت كاتياب عمايا (18 عاماً)، وهي من أعضاء الكشافة أيضاً، إن عودة الاحتفالات تمثّل رمزاً مهماً لوجود المجتمع المسيحي في المنطقة.

وأضافت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «هذا يمنحنا أملاً بأن المسيحيين ما زالوا هنا يحتفلون، وأننا ما زلنا نحافظ على التقاليد».

في وسط الساحة، وقفت شجرة الميلاد الكبيرة المزينة بكرات حمراء وأخرى ذهبية لتزيد بهجة على الأجواء (أ.ف.ب)

«إخوتنا وأخواتنا في غزة»

خلال الحرب المدمرة التي دارت في قطاع غزة، عمدت بلدية بيت لحم المنظمة للاحتفالات الخاصة بعيد الميلاد إلى تخفيف مظاهر الاحتفال، فاقتصرت على المراسم الدينية.

وقالت عمايا: «هذه الاحتفالات هي بمثابة أمل لشعبنا في غزة... بأنهم سيحتفلون يوماً ما ويعيشون الحياة من جديد».

وقبل ساعات ظهر الأربعاء، وصل بطريرك اللاتين في القدس، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، إلى بيت لحم، استعداداً لترؤس قداس منتصف الليل التقليدي في كنيسة المهد.

وقال لدى وصوله إلى كنيسة المهد أمام المئات من المحتشدين: «أُوصِل لكم التحيات والصلوات من إخوتنا وأخواتنا في غزة».

وكان بيتسابالا زار غزة المدمّرة من الحرب في عطلة نهاية الأسبوع، وترأس قداس عيد الميلاد في رعية العائلة المقدسة بمدينة غزة الأحد.

بطريرك اللاتين في القدس، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا وسط الحشود (أ.ب)

وأُبرم اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» برعاية أميركية وقطرية ومصرية وتركية، ودخل حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن السكان ما زالوا يواجهون حياة صعبة وبائسة بعد فقدان منازلهم وأحبتهم.

وتتبادل إسرائيل و«حماس» الاتهامات بخرق الاتفاق.

«مكان مميّز جداً»

يأمل سكان بيت لحم أن تسهم عودة احتفالات عيد الميلاد في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح.

ويعتمد اقتصاد مدينة بيت لحم، على وجه الخصوص، على السياحة.

وتسببت الحرب في غزة بعزوف السياح عن المجيء خلال الحرب إلا أعداد قليلة جداً، كما تسببت الحرب بارتفاع معدلات البطالة.

لكن الزوار المسيحيين بدأوا، في الأشهر الأخيرة، بالعودة تدريجياً إلى المدينة المقدسة.

يأمل سكان بيت لحم أن تسهم عودة احتفالات عيد الميلاد في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح (أ.ف.ب)

وقال جورج حنا، من بلدة بيت جالا المجاورة «بيت لحم مكان مميّز جداً، نريد أن تصل رسالتنا إلى العالم كله، وهذه هي الطريقة الوحيدة».

وخلص إلى القول: «نأمل أن نتمكن من الاحتفال، وأن يكون الأطفال سعداء، هذا هو العيد بالنسبة لنا».


التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)

رغم اتفاق القاهرة وواشنطن على ضرورة تفعيل خطة لإعادة إعمار غزة، فإن النهج الذي ستتبعه هذه الخطة ما زال غامضاً، فضلاً عن عدم تحديد موعد لعقد مؤتمر في هذا الشأن.

ووسط تسريبات إسرائيلية عن مسعى لإعمار جزئي، وتناغم خطة أميركية جديدة مع هذا المسار العبري من دون رفض للخطة المصرية في إعمار كامل وشامل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية تميم خلاف، لـ«الشرق الأوسط» إن مصر تهدف إلى «إطلاق مسار متكامل بشأن إعمار غزة».

تلك الجهود أكدتها أيضاً الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» قائلة إنها «تتواصل بشكل فعال مع الشركاء بشأن إعمار غزة».

المسار الأول

ومنذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ظهر مساران، أحدهما مصري والآخر أميركي يبدو متناغماً مع طرح إسرائيلي، والاثنان يقودان تصورات على أرض الواقع بشأن إعمار القطاع المدمر بسبب الحرب الإسرائيلية على مدار نحو عامين.

وعقب الاتفاق، كان المسار المصري أسرع في الوجود، وجدد الرئيس المصري التأكيد على عقد مؤتمر لإعمار قطاع غزة، وكان موعد نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، هو المحتمل لذلك التنظيم، ومع عدم عقده قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، قبل أسابيع، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «لتعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

ولتسريع الجهود، قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني يوهان فاديفول، أوائل ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نتشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار، ونأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر، بالتعاون مع الشركاء».

لقطة عامة لخيام نازحين وسط أحوال جوية قاسية في خان يونس جنوب قطاع غزة 18 ديسمبر 2025 (رويترز)

واعتمدت «القمة العربية الطارئة»، التي استضافتها القاهرة في 4 مارس (آذار) الماضي، «خطة إعادة إعمار وتنمية قطاع غزة» التي تستهدف العمل على التعافي المبكر، وإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، وفق مراحل محددة، وفي فترة زمنية تصل إلى 5 سنوات، وبتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار.

ودعت القاهرة إلى عقد مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمار في غزة، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

إعمار من دون تهجير

وحسب عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية والأكاديمي المصري أحمد فؤاد أنور، فإن «مصر تسعى لتوفير توافق أكبر على جعل أي نهج للإعمار، سواء عبر خطة مصرية أو غيرها وفق إطار جعل غزة مكاناً ملائماً للحياة دون أي تهجير أو تهديد للأمن القومي المصري»، متوقعاً أن «تنجح الدبلوماسية المصرية في ذلك كما نجحت في مؤتمر شرم الشيخ للسلام».

ويضيف أنور: «الأولوية لدى مصر هي توفير طوق نجاة للجانب الفلسطيني، وتواصل التعاون مع الشركاء بشكل جدي من أجل توفير الزخم اللازم لإنجاز مهمة الإعمار، سواء كانت نابعة من خطة مصرية أو أميركية شريطة أن تصل بنا لجعل غزة مكاناً ملائما للسكن وليس للتهجير أو المساس بحق الفلسطينيين أو الأمن القومي المصري».

المسار الآخر

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدأت بوادر المسار الآخر الأميركي، وأكد جاريد كوشنر، صهر ترمب في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية، وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، إذا أمكن تأمينها لبدء البناء، بوصفها غزة جديدة؛ وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

ومطلع الأسبوع الحالي، تحدث تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن خطة أعدها كوشنر والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» لإعمار غزة مع اشتراط نزع سلاح «حماس»، بدءاً من الجنوب في رفح على مدار 10 سنوات، وتعنون بـ«رفح الجديدة» (تتمسك بها إسرائيل للبدء بها، والتي تقع على مقربة من الحدود المصرية) دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.

هذا المسار الأميركي المنحاز لإسرائيل، وفق تقديرات فؤاد أنور، «أقرب لصفقة تفاوضية، تريد أن تضع شروطاً تخدم مطالب إسرائيل بنزع (سلاح المقاومة)، والضغط عليها وفي الوقت ذاته احتمال تمرير التهجير دون أن ترفض الخطة المصرية صراحة، وبالتالي هناك اختلاف بين رؤيتي القاهرة وإسرائيل».

أي المسارين سينجح؟

وسط ذلك الاختلاف، والتساؤل بشأن أي المسارين سيكتب لها التموضع، قال وزير الخارجية التركي في تصريحات أدلى بها للصحافيين، السبت، إن «هناك تفاهمات تبعث على الأمل رغم تعنت إسرائيل»، مضيفاً: «هناك دراسة أولية بشأن إعادة إعمار غزة، تم تقديمها ونقاشها بشكل تمهيدي»، وفقاً لما ذكرته وكالة «الأناضول» التركية، غداة اجتماع للوسطاء في مدينة ميامي الأميركية، لبحث مستجدات اتفاق وقف إطلاق النار.

وخرج تقرير «بلومبرغ»، الاثنين، التي نقلت خلاله عن مصادر، أن الولايات المتحدة وحلفاءها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار قطاع غزة، مطلع الشهر المقبل على أقرب تقدير على أن يعقد في واشنطن أو مصر أو مواقع أخرى في ظل سعي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإعطاء زخم جديد لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس».

عمال فلسطينيون يُصلحون قبل أيام طريقاً تضرر من الحرب بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وتعليقاً على تقرير «بلومبرغ»، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، في تصريح خاص، الأربعاء، إن «الجهود الدولية لا تزال مستمرة للتشاور والتنسيق بين الأطراف المعنية، بما في ذلك مصر والولايات المتحدة، وبالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين؛ بهدف تهيئة الظروف الملائمة لإطلاق مسار متكامل للتعافي المبكر وإعادة الإعمار».

وأضاف خلاف: «لا تزال المشاورات جارية بشأن إعادة الإعمار، لدعم الشعب الفلسطيني وتخفيف معاناته، وبما يتسق مع الجهود الأوسع لتثبيت وقف إطلاق النار ودفع مسار التهدئة».

وبشأن مستجدات عقد مؤتمر الإعمار، وهل سيكون بشراكة مع مصر أم منفرداً، وحول مكان انعقاده، قالت الخارجية الأميركية في تصريح خاص مقتضب، إن الولايات المتحدة «تتواصل بشكل فعال مع الشركاء بشأن إعمار غزة».

وتحفظت وزارة الخارجية الأميركية عن الإدلاء بتفاصيل حالية، قائلة: «نتواصل بشكل فعّال مع شركائنا، وليس لدينا أي بيانات رسمية في الوقت الحالي».

ويرى فؤاد أنور، أن «مسار مصر أقرب للنجاح وسط المحادثات والمشاورات المصرية المستمرة لإنجاز مسار الاتفاق»، مشيراً إلى أن «واشنطن لن تغامر بالانحياز الكامل لإسرائيل في المرحلة الثانية المنتظرة والمرتبطة بترتيبات أمنية وإدارية مهمة، وقد تتجاوب مع الأفكار المصرية العربية ونرى مقاربة مغايرة أفضل قليلاً وتبدأ النقاشات بشأنه للوصول لرؤية ذات توافق أكبر».