تونس: المشيشي يفتح الملفات الاجتماعية الشائكة

تقارب مع «اتحاد الشغل» ضد تحالف برلماني تقوده «النهضة»

محتجون يعطلون إنتاج النفط في الكامور جنوب تونس (أ.ف.ب)
محتجون يعطلون إنتاج النفط في الكامور جنوب تونس (أ.ف.ب)
TT

تونس: المشيشي يفتح الملفات الاجتماعية الشائكة

محتجون يعطلون إنتاج النفط في الكامور جنوب تونس (أ.ف.ب)
محتجون يعطلون إنتاج النفط في الكامور جنوب تونس (أ.ف.ب)

تواجه الحكومة التونسية الجديدة مجموعة من الملفات الشائكة التي عجزت الحكومات السابقة عن إيجاد حلول مناسبة لها، وتراهن على توافقها الحالي مع قيادات «اتحاد الشغل (نقابة العمال)» في التوصل إلى حلول لملفات عمال الحضائر واحتجاجات الحوض المنجمي في قفصة وتعطيل إنتاج الفوسفات، علاوة على ملف اعتصام «الكامور» في منطقة تطاوين وتعطيل ضخ النفط من حقول الإنتاج. وكان «اتحاد الشغل» قد أعلن عن دعمه حكومة الكفاءات المستقلة التي شكلها المشيشي بعيداً عن سيطرة الأحزاب الممثلة في البرلمان، وهو ما جعل جلسات الحوار الأولى بين الطرفين تفرز نتائج إيجابية؛ إذ تمخضت عن الاتفاق على القسط الثالث من الزيادة في أجور موظفي القطاع العام، كما أعاد المشيشي القيادي السابق في «اتحاد الشغل» محمد الطرابلسي لتولي وزارة الشؤون الاجتماعية، وهو المفاوض الأساسي للاتحاد حول عدد من الملفات الاجتماعية الشائكة والحوارات المتعلقة بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
وأعلن رئيس الحكومة لدى إشرافه على الندوة الدورية للولاة، السبت، عن الانطلاق في عقد جلسات مع المعنيين كافة بملفي تعطيل إنتاج ونقل الفوسفات في الحوض المنجمي (جنوب غربي العاصمة)، والمحروقات في منطقة تطاوين (جنوب شرقي العاصمة)، وأكد أن الهدف الأساسي هو إيجاد الحلول الملائمة لهذه الملفات الاجتماعية الشائكة. وشدد على أنه «لم يعد مسموحاً باستمرار توقف إنتاج الفوسفات والنفط»، مؤكداً أن «هذه الاحتجاجات تتسبب بأضرار فادحة على مستوى الموارد الذاتية للدولة».
وربط المحلل السياسي جمال العرفاوي التحول الحاصل على مستوى العلاقة بين الحكومة والطرف النقابي، بـ«التدهور الحاصل على مستوى موارد الدولة وما خلفه من أزمات اقتصادية واجتماعية حادة تفرض هدنة اجتماعية إجبارية بهدف إنقاذ الوضع الذي بات على وشك الإفلاس». وأوضح أن الطرفين أدركا في ظل هذا الوضع أنه «من غير المجدي مواصلة اعتماد أسلوب المواجهة والتحدي».
وأضاف العرفاوي أن الطرفين تبادلا الرسائل الإيجابية خلال الفترة الماضية؛ إذ أكد المشيشي أن «(اتحاد الشغل) شريك أساسي في تجاوز الأزمات الاجتماعية المنتظرة. وكان رد الطرف النقابي أنه سيمثل قوة اقتراح للحكومة، وأن يد الاتحاد مفتوحة من أجل مساعدتها على تجاوز الفترة الصعبة، وهو ما جعل النتيجة إيجابية وقد تثمر مرحلة شراكة حقيقية لإنقاذ البلاد».
ورأى أن تخوف «اتحاد الشغل» من سيطرة التحالف البرلماني الذي تقوده «حركة النهضة» وحزب «قلب تونس» و«ائتلاف الكرامة»، قد يكون من بين الأسباب التي جعلته يسارع لنجدة الحكومة ومد يد المساعدة لها «حتى لا ترتمي في أحضان ذلك التحالف البرلماني وتخضع لابتزازاته السياسية».
وفي نطاق البحث عن حلول تشاركية، نظمت «تنسيقية اعتصام الكامور» في منطقة تطاوين اجتماعاً ضم جميع الأطراف المعنية؛ بما فيها الجانبان الحكومي والنقابي. وشهد الاجتماع مطالبات بتنفيذ التعهدات الحكومية التي تعود إلى سنة 2017. وفي هذا الشأن، قال المتحدث باسم «تنسيقية الكامور» طارق الحداد إن «الهدف الأول والأخير من وراء هذه الاجتماعات هو الدفاع عن حق الجهة في التنمية وعن حق الشباب العاطل عن العمل في الشغل».
وقال الأمين العام المساعد المسؤول عن الشؤون القانونية في «اتحاد الشغل» حفيظ عبد الحفيظ إن «جلسات ماراثونية ستعقد مع الطرف الحكومي لإنهاء التفاوض من أجل تسوية ملف عمال الحضائر ما بعد الثورة في أجل لا يتجاوز 15 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل»، على أن يتم المرور بعد هذا الملف الشائك الذي يهدف إلى تسوية أوضاع نحو 44 ألف عامل، على «ما تبقى من أشكال التشغيل الهشة». ومن المنتظر كذلك الإعلان قريباً عن زيادة في الأجر الأدنى المضمون لعمال القطاع الخاص في إطار تحسين القدرة الشرائية للفئات الاجتماعية الفقيرة.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.