علامات تجارية تستلهم تصاميمها من عمق التراث السعودي

أبرزها «القط العسيري» و«النقوش الثمودية»

من عباءات «جوهرة» المستلهمة من النقوش التراثية
من عباءات «جوهرة» المستلهمة من النقوش التراثية
TT

علامات تجارية تستلهم تصاميمها من عمق التراث السعودي

من عباءات «جوهرة» المستلهمة من النقوش التراثية
من عباءات «جوهرة» المستلهمة من النقوش التراثية

تتجه علامات الأزياء في السعودية إلى التنقيب عن كنوز التراث المحلي الغني، والاستلهام منه في صناعة عباءات وفساتين معاصرة ذات طابع ثقافي، تحمل نقوش القط العسيري، والسدو البدوي، والنقوش الثمودية، والخطوط العربية الأصيلة. وهو توجه جديد بات يلقى رواجاً لدى الشابات السعوديات اللاتي يظهرن في الأماكن العامة بهذه القطع الضاربة في عمق الفن السعودي؛ إذ لم تعد هذه النقوش حصراً على الخِيام الشعبية والمواقع التاريخية؛ بل صارت حاضرة في المقاهي، والمطاعم، والفنادق، والمنتجعات، وفي كل مكان ترتدي فيه فتاة قطعة تحمل روح الماضي.
يصف أنس الكندي، مسؤول العلاقات العامة في موقع «جوهرة للعباءات»، الذي اتجه لذلك، بأنه جاء محاولةً لتوظيف الأنماط التقليدية في التراث السعودي بالأزياء المعاصرة. ويضيف: «استلهمنا نمط السدو من منسوجات البادية، ونمط السدو يحوي كثيراً من العناصر التي تكوّن السدو بصفته نمطاً، مثل: العويرجان، والحنبلية، والمذخر، والمشط، ودرب الحيّة. كل هذه عناصر ووحدات هندسية داخل النمط، استخدمها البدو للدلالة على اتجاه الأشكال وزواياها». أما في نمط «القط العسيري» الشهير في عسير، وتحديداً قرية «رجال ألمع»، فيقول الكندي: «يحوي هذا النمط المركّب كثيراً من الأشكال ذات الدلالات الجمالية، مثل: البناه - البنات، والأرياش، والركون، والمحاريب، والحِظية، والبلنسة».
وأشار الكندي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى الاستلهام أيضاً من النقوش الثمودية التي تتوزع بين حائل والعلا، وأفاد بأن «النقوش الثموديّة تسمية جامعة لمجموعة من الخطوط العربية القديمة التي انتشرت في فترة مبكرة قبل الميلاد في الجزيرة العربية، منها: خط المسند اليمني، والخط الصفوي، والخط اللحياني، والخط الداداني، وغيرها من الخطوط المنتشرة في جبال الجزيرة العربية من شمالها حتى جنوبها».
ويؤكد الكندي أن «النقوش من رسم (قنّ بن طلّ بن هلال) أحد الذين عاشوا قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة، وكان يُسمى (مروض الأسود)، ويبدو في نقش وهو يمتطي أسداً كان قد روّضه، ويقاتل رجلاً آخر على ناقة طويلة. وكذلك في اختيارنا الحروف والكلمات الثمودية، اخترنا كلمة: (أحب) و(أشتاق) بالحرف الثمودي».
وفي تجربة أخرى للمصممة السعودية الدكتورة سميرة يوسف، مزجت فن التراث العسيري العريق (القط العسيري) بمسماه بين اخضرار الأرض وزرقة السماء وحمرة الحناء، وبأشكاله الهندسية وخطوطه المتقاطعة وتكوينه الباذخ وفنه الرفيع، وذلك عبر تصاميم عصرية، قدمتها مؤخراً بالتّعاون مع الفنان التشكيلي محمد فارع.
وتحكي يوسف لـ«الشرق الأوسط» قصة هذه المجموعة قائلة: «جذبني (القط العسيري) بنقوشه الغنية، وتعدد ألوانه، وتداخلاته الكثيرة، لذا فكرت في نقل لوحات الفنان محمد فارع إلى صناعة الأزياء، لتنتشر وليرى أكبر عدد من الناس جمال القط العسيري»، مشيرة إلى أنّها تجد في الثقافة السعودية مادة ثرية لإلهام مصممي الأزياء وصُناع الموضة».
وتؤكد يوسف أن هذا الأمر لم يكن سهلاً على الإطلاق، قائلة: «كنت متخوفة من صعوبته، فلا بد من ألا نبتعد كثيراً عن مضمون هذا التراث؛ الأمر الذي دفع بي لاستحداثه، بحيث جعلته يتناسب مع التطور الذي نعيشه هذه الأيام»، مشيرة إلى أن «النقوش التراثية ليس بالضرورة أن ترتبط فقط بصناعة الأزياء الشعبية والجلابيات والثياب، بل بإمكانها أن تحضر في الملابس العصرية»، وهو ما عملت عليه المصممة سميرة يوسف، وتؤكد أنه لاقى رواجاً وردود فعل مرحبة بذلك.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».