محمد فوزي يُلهم صناع «ذهب الليل» بعد 54 سنة على رحيله

مسرحية تستدعي مسيرة الموسيقار المصري البارز

محمد فوزي يُلهم صناع «ذهب الليل» بعد 54 سنة على رحيله
TT

محمد فوزي يُلهم صناع «ذهب الليل» بعد 54 سنة على رحيله

محمد فوزي يُلهم صناع «ذهب الليل» بعد 54 سنة على رحيله

رغم مرور 54 سنة على رحيله، فإن الموسيقار المصري الراحل محمد فوزي (1918-1966) ما يزال يلهم الفنانين المصريين، ومن بينهم صناع مسرحية «ذهب الليل» التي تعرض حالياً على مسرح بيرم التونسي في مدينة الإسكندرية (شمال مصر)، وتستدعي مسيرة الموسيقار الراحل البارز، ضمن مبادرة «المؤلف مصري».
وعلى عكس المتوقع، لا تتطرق المسرحية إلى جوانب الحياة الخاصة في حياة محمد فوزي، وإنما تكتفي برصد أشهر المحطات في مسيرته الفنية الحافلة التي قام خلالها ببطولة 36 فيلماً، ليصبح واحداً من أكثر النجوم الرجال تمثيلاً بالسينما.
ولا يعتمد العرض على أحداث تتصاعد درامياً بالشكل المتعارف عليه، وإنما يقدم 14 لوحة فنية منفصلة تجسد أبرز العلامات والتحولات الكبرى في حياة الرجل، تجنباً لإشكالية إعادة إنتاج سيرة حياة كاملة في حيز زمني قصير للغاية.
ويزدحم العرض بالشخصيات الحقيقية التي يعاد تجسيدها، وبلغ عددها 25 شخصية، منهم فنانون معرفون تقاطعوا مع تجربة فوزي بشكل قوي، مثل يوسف وهبي وإسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي وصباح، فضلاً عن الفنانة مديحة يسري التي تزوجها الموسيقار العبقري، ضمن 3 زيجات بحياته.
ويُجسد هذه الشخصيات عدد قليل من أبطال العرض، هم أحمد حبشي ومحمود الزيات وأحمد عسكر وخالد نبيل وأرساني مشرقي، وممثلة واحدة هي مونيكا جوزيف، ما جعل الممثل الواحد يقدم شخصية معينة في «لوحة» بعينها، ثم يعود في مشهد أو لوحة جديدة ويقدم شخصية أخرى.
وتربع محمد فوزي، المولود في محافظة الغربية (دلتا مصر) عام 1918، على عرش السينما الغنائية في مصر طوال الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، حيث قدم نحو 400 أغنية، كما وضع لحن النشيد الوطني لدولة الجزائر، واشتهر بتقديمه لعدد من أغاني الأطفال ذات البعد التربوي التي لا تزال متداولة حتى اليوم على نطاق واسع، ومن أشهرها أغنية «ذهب الليل» التي تحمل المسرحية اسمها، ويقول مطلعها «ذهب الليل.. طلع الفجر.. والعصفور صوصو».
ويؤكد سعيد قابيل، مخرج المسرحية، أنه تحمس لفكرة العمل بمجرد أن عرضها عليه المؤلف أحمد عسكر، ففوزي «أحد العباقرة الذين شكلوا وجدان المصريين على مر الأجيال، لكن الجيل الجديد لا يكاد يعرف عنه شيئاً»، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «عندما كنا ننقب عن تفاصيل حياته، اكتشفنا أن المتاح عنه من معلومات ما هو إلا قشور، إذا ما قورنت بحقائق أخرى تكاد تكون مجهولة أو محجوبة، وقد حاول العرض إبرازها، كدعمه ومساندته الإنسانية لكثير من زملائه الفنانين، على سبيل المثال».
ويوضح مخرج العرض أن العمل ليس غنائياً موسيقياً، وإن كان قد استعان بكثير من أغنيات فوزي نفسه، بما يتماس مع الفكرة الدرامية، مشدداً على أنه تعمد جعل الإيقاع سريعاً متلاحقاً، مع محاولة تجسيد كل شخصية فنية تاريخية عبر عدد من السمات المميزة على مستوى الحركة وطريقة النطق ونوعية الملابس.
وينفي سعيد قابيل وجود نقص في الدعاية للعمل، مؤكداً أنه، وبقية صناع المسرحية، فوجئوا بـ«الإقبال الشديد من المتفرجين، لذلك نتوجه بالشكر للفنان محمد مرسي، مدير مسرح (بيرم التونسي)، الذي سخر كل الإمكانات اللازمة لنجاح العرض».
وتستهدف مبادرة «المؤلف مصري» التي تستمر حتى نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وأطلقها «البيت الفني للمسرح»، تشجيع التأليف عبر كتاب مصريين، بعد استفحال ظاهرة العروض المأخوذة عن أعمال عالمية، من خلال إنتاج 10 عروض قصيرة، وتصويرها بشكل احترافي، وعرضها «أون لاين» على قناة وزارة الثقافة المصرية على موقع «يوتيوب» خلال الشهور المقبلة، بهدف تنشيط الحركة الفنية كذلك، وإثراء المكتبة المسرحية بنصوص طازجة لم يسبق تقديمها.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».