أناشيد من أجل بيروت

أناشيد من أجل بيروت
TT

أناشيد من أجل بيروت

أناشيد من أجل بيروت

يصدر قريباً عن «دار نلسن»، وفي لحظة تعيش فيها العاصمة اللبنانية، واحدة من أحلك لحظاتها، كتاب هو عبارة عن خواطر، وتأملات، واستعادة لذكريات الصبا في بيروت، ووجع الفراق والحنين، في محاولة لاستنهاض المدينة وإعادة الأمل إلى روحها. والمفارقة أن الكتاب الذي يحمل اسم «رباعية بيروت» يقدم نفسه كأناشيد للمدينة المعذبة، كتب بين عامي 2014 و2019 وأعدّ للطباعة والنشر قبل التفجير الرهيب الذي أصاب قلب مرفأ بيروت، لكنه يبدو للقارئ وكأنه خارج من رحم المعاناة الحاصلة وليس سابقاً عليها. صاحب الكتاب، المغترب اللبناني فارس الحرموني المهجري، سطر أناشيده، وهو في مقامه البعيد، مستذكراً طفولته، مستعيداً أيامه، قارئاً وجوه مدينته، وأماكنها، كما يراها من هناك، فيخاطب مدينته:
«لا غنى عنك... فاتِنة التاريخِ وحاضِنَة فُتُوَّتي
مِنكِ الأشرِعَة... والغارُ والرِيحانُ والبَيلَسانْ
عِشْتارُ، أدونيس والتلاميذْ
وخَشَبُ الأَرزِ لِبِناءِ الهَياكِلْ
حَلِمَتْ بكِ المَلِكاتُ تاجاً على الهَامَة
وغادَروا المَكانَ حَزانى، حَاسِرينَ
لأَنَّهُم لم يَسْكُنوكِ»
وفي الكتاب يستذكر المؤلف الأماكن البيروتية الأشهر، حتى يكاد يطوف عاصمته حياً حياً، ومعلماً معلماً، «الكَنيسَة الإنْجيليَّة وَمَدرَسَة الأميركان
شارِعْ الْحَمْرَا وَمَقَاهي الرَّوْشَة، الْهُورسْ شُو وَبيكادِلّلي فَيرُوزْ‏، وشَجَرُ الجُمَّيزْ وَالزَّنزَلَختِ وحَدَائِقُ الرَّيحَانْ وَاللَّيمُونْ، والصُّبَّيرُ وَدَوالِي الياسَمِينْ
والتراموايْ، ومَطْعَمْ فيصل لِأَغْنِيَاءِ الْعُرُوبَة، وصَابِرْ مَلِكُ الْفَلَاَفِلْ لِلفُقَرَاءِ التلاَمِذَة، ومَطعَمْ أَنكِلْ سَامْ لِلْأميركانْ، ومَنارَة الشَّوَاطِئِ وسِحْرُ الغُروب
ولَمَعَانُ المَوجِ...»...
وكما الأماكن يستعيد الشخصيات حيث يخاطب عاصمته قائلاً لها: «راحوا وتركوك وهم ليسوا فقط لبنانيين، مثل جبران والريحاني ونعيمة، وأنسي الحاج، شوشو، ويوسف الخال ومجلة شعر، بل أيضاً زوربا كَزانْتْساكْس ولُورَنْسْ دَاريلْ وبَابْلُو نيرود، كامو وديغولْ... في إحالة إلى بيروت، التي تقاطع عند مفترقاتها التاريخية والثقافية، شخصيات، وأحداث، جمعت الشرق إلى الغرب.
وبعد سيل من الأسماء التي مرت بالمدينة، يقف الكاتب في محطة أخيرة «وحْدُهَا فَيْروز، مَا زَالت نَشيدَ الْأَمَلْ، تُغَنِّي، تُغْنِي وتُصَلِّي للخَصْبِ، لصَخَبٍ بَيْرُوتَي يَستَنْهِضُ يَوْماً جُمُوعَ الآلِهَة، صَغِيرَهُمْ كَبِيرَهُمْ ومَا بَينَ السُّطور، طِينَهُمْ ذَهَبَهُمْ والمَرْمَر، عَرَائِسَ الجِنِّ الحُمْرِ الأُرجُوانْ، والمَشالِحَ الزُّرقِ والْبِيضِ والفلاسفة، وكُلَّ مَشْرَبٍ ومَنْهجٍ، وبَهاءَ الأَلوَان، لِيَهْزُجَ الشَّعْبُ مَعَهُمْ بِالصَّوْتِ المَلآنْ، يَبْنِي وَيُبْدِعُ».
تتقلب الأناشيد بين الوصف والمناجاة، العتب والرجاء، المدح والملامة. فالكتاب مجموعة وجدانيات، أرادها صاحبها ذاتية بقدر ما تستدعي الذاكرة الجماعية. وربما هو من النوع الذي يستهوي ملايين المغتربين اللبنانيين، ومن بينهم صاحب الكتاب، لما فيه من تجوال في الأحداث واستدعاء لسير نجوم الزمن الحديث، ومحطات الثقافة البيروتية، وتعداد للنباتات والزهور وأنواع الشجر وحتى الحجر وأوَّلِ صَخرَة شُيِّدَتْ عَلَيهَا َعمَارَات بيروت وَالهَياكِلْ‏، فقد «عُطِّرْتِ بِمَاءِ الزَّهرِ وَالرَّيحانْ، وتَكلَّلْتِ بِالوَردِ والأُرجُوانْ، تَبرَّجْتِ تَجَمَّلْتِ وتآنَسْتِ‏، تَثقَّفتِ بِالحُروفِ والمَعرِفة».
وينهي كتابه بمناجاة عاصمته المتألمة قائلاً لها «أَنيرِي عُقولَ الخُطَاة، أبعِدِي الشُّرُورَ التي تُدرِكُنَا مِن جَمِيعِ الجِهَاتِ، أمْطرِي عَلَينَا الخَيرَات، أَظْهِري ذاتَكِ بِأنَّكِ أُمٌّ لَنَا وتوَسَّطِي بَينَنَا».



إعلان جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة سوريا يثير ردوداً متباينة

الفنان السوري جمال سليمان (حساب سليمان على «فيسبوك»)
الفنان السوري جمال سليمان (حساب سليمان على «فيسبوك»)
TT

إعلان جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة سوريا يثير ردوداً متباينة

الفنان السوري جمال سليمان (حساب سليمان على «فيسبوك»)
الفنان السوري جمال سليمان (حساب سليمان على «فيسبوك»)

أثار إعلان الفنان السوري جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة بلاده ردوداً متباينة، فبينما رأى مؤيدوه أنه «واجهة مدنية جيدة»، رأى معارضوه أنه «استمرار للنظام السابق»، ووسط الجدل الدائر بشأن الفنان المقيم في القاهرة، الذي لم يحسم بعد موعد عودته إلى دمشق، تصاعدت التساؤلات بشأن فرص التيار المدني في الوصول إلى سُدّة الحكم، في ظل سيطرة فصائل مسلحة على المشهد.

وأطاحت فصائل المعارضة في سوريا بالرئيس بشار الأسد، الأحد الماضي، بعد هجوم خاطف شهد، في أقل من أسبوعين، انتزاع مدن كبرى من أيدي النظام، وصولاً إلى دخولها العاصمة دمشق.

وتعليقاً على سقوط نظام الأسد، أعرب الفنان السوري وعضو «هيئة التفاوض السورية» جمال سليمان، في تصريحات متلفزة، عن «رغبته في الترشح لرئاسة البلاد، إذا لم يجد مرشحاً مناسباً»، مشيراً إلى أن ترشحه «رهن بإرادة السوريين». وأضاف: «أريد أن أكسر هذا (التابوه) الذي زرعه النظام، وهو أنه لا يحق لأحد الترشح للرئاسة أو للوزارة، وأن النظام هو فقط مَن يقرر ذلك».

سليمان لم يحدّد بعد موعد عودته إلى سوريا (حساب سليمان على «فيسبوك»)

وأكد أن «الانتقال السياسي في سوريا يجب أن يشمل جميع الأطياف، مع الابتعاد عن حكومة (اللون الواحد)»، مشدداً على «ضرورة طي صفحة الماضي». وقال: «نريد سوريا ديمقراطية تشكل الجميع». وتأكيداً على رغبته في المصالحة، قال سليمان إنه «سامحَ كل مَن اتهمه سابقاً بالخيانة».

وأثارت تصريحات سليمان جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وعدّ حساب باسم «يمان»، على منصة «إكس»، سليمان بأنه «وجه تسويقي مثالي لسوريا، وشخصية مقبولة من الكل؛ بسبب أصوله الطائفية المختلفة».

بيد أن بعضهم انتقد رغبة جمال سليمان في الترشح للرئاسة، وعدّوها بمنزلة «إعادة للنظام السوري»، مشيرين إلى تصريحات سابقة لسليمان، وصف فيها بشار الأسد بـ«الرئيس».

وفي حين أبدى الكاتب والباحث السياسي السوري غسان يوسف دهشته من شنّ حملة ضد جمال سليمان، أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «من المبكر الحديث عن الانتخابات الرئاسية، لا سيما أن الحكومة الانتقالية الحالية ستستمر حتى الأول من مارس (آذار) المقبل».

وقال يوسف إن «الحكومة الانتقالية هي مَن ستضع ملامح الدولة السورية المقبلة»، موضحاً أن «الدستور الحالي يكفل لأي مسلم الترشح في الانتخابات، من دون النص على مذهب معين، ومن غير المعروف ما إذا كان سيُغيَّر هذا النص أو المادة في الدستور الجديد».

بدوره، أكد الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، أن «حق أي مواطن تنطبق عليه شروط الترشح أن يخوض الانتخابات»، موضحاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «جمال سليمان فنان مشهور، وناشط سياسي له جهود معروفة في المجالَين السياسي والإنساني السوريَّين طوال 13 عاماً، ما يجعله واجهةً جيدةً لمستقبل سوريا، لا سيما أنه كان من جبهة المعارضة التي دقّت أول مسمار في نعش نظام الأسد». وفق تعبيره.

جمال سليمان له نشاطات سياسية سابقة (حساب سليمان على «فيسبوك»)

وأعرب ربوع، الذي أبدى دعمه لجمال سليمان حال ترشحه للرئاسة، عن سعادته من حالة الجدل والانتقادات والرفض لترشحه، قائلاً: «لم يكن بإمكاننا الترشح في الانتخابات، ناهيك عن رفض مرشح بعينه. هذه بوادر سوريا الجديدة».

ولعب سليمان دوراً في مقعد المعارضة، والتقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في فبراير (شباط) 2021. وقال، في منشور عبر «فيسبوك»، إنه «طرح خلال اللقاء، بصفته الشخصية، مقترح تشكيل (مجلس عسكري) يحكم سوريا في المرحلة الانتقالية، بوصفه صيغةً بديلةً لجسم الحكم الانتقالي الواردة في وثيقة جنيف، التي لم ترَ النور».

وتثير سيطرة التيار الإسلامي على المشهد الحالي في سوريا، تساؤلات بشأن تأثيرها في فرص المرشحين المدنيين للانتخابات الرئاسية في سوريا. وقال عضو مجلس النواب المصري (البرلمان) محمود بدر، في منشور عبر حسابه على منصة «إكس»، إن «جمال سليمان رجل وطني محترم ومعارض وطني شريف»، متسائلاً عمّا «إذا كانت القوى المسيطرة على المشهد حالياً في سوريا ستسمح بانتخابات وبوجود شخصيات وطنية».

وهنا قال المحلل السياسي غسان يوسف: «إن الأمر رهن الدستور المقبل وقانون الانتخابات الجديد، ومن المبكر الحديث عنه، لا سيما أنه من غير الواضح حتى الآن ما الذي سينصُّ عليه الدستور الجديد لسوريا».

ويشير ربوع إلى أن «التيار الإسلامي» أظهر قدراً مفاجئاً من التسامح والعفو، لكن يتبقى أن ينفتح على المعارضة المدنية، التي ما زالت أبواب سوريا مغلقة أمامها. وأعرب عن تفاؤله بالمستقبل، مؤكداً «الاستمرار في الضغط من أجل دولة مدنية في سوريا».

ويرى الناقد الفني المصري طارق الشناوي أن تولّي فنانين مناصب سياسية أو حتى رئاسة الدولة أمر تكرر في العالم وليس جديداً، ضارباً المثل بالرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، والرئيس الأوكراني الحالي فولوديمير زيلينسكي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن النظرة التقليدية للفنان كأن يراه الناس (أراجوزاً) موجودة ولها تنويعات في العالم أجمع، ومن المؤكد أن التيار الإسلامي يرفض الفن عموماً، لذلك فمن الصعب أن يُقبَل فنان رئيساً».

مطار دمشق بعد سقوط نظام الأسد (أ.ف.ب)

لم يحدّد سليمان موعد عودته إلى سوريا، لكنه سبق وقال، في منشور عبر حسابه على «فيسبوك»، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، إنه «يتوق للعودة» إلى بلاده، التي أُجبر على «مغادرتها تحت سطوة الترهيب والتهديد المباشر». وأضاف: «سنعود إلى سوريا عندما يكون هناك نظام ديمقراطي يقبل الاختلاف ويقبل المحاسبة، نظام يقوم على الشفافية وسيادة القانون والتداول السلمي للسلطة».

وكان الفنان السوري المولود في دمشق عام 1959 قد حصل على درجة الماجستير في اﻹخراج المسرحي بجامعة ليدز البريطانية في عام 1988. وبعد عودته إلى سوريا بدأ التمثيل في عدد كبير من الأعمال الدرامية، منها «صلاح الدين الأيوبي»، و«ربيع قرطبة»، و«ملوك الطوائف»، «التغريبة الفلسطينية».

وبدأ سليمان رحلته في الدراما المصرية عبر مسلسل «حدائق الشيطان» في عام 2006، ليكمل رحلته في بطولة عدد من الأعمال على غرار «قصة حب»، و«الشوارع الخلفية»، و«سيدنا السيد»، و«نقطة ضعف»، و«الطاووس». و«مين قال».