سماء يحيى تخطف الضوء في معرضها «ساعة مغربية»

معزوفة بصرية تحتفي بجماليات المنظر الطبيعي ووجوه البنات

الفنانة المصرية سماء يحيى
الفنانة المصرية سماء يحيى
TT

سماء يحيى تخطف الضوء في معرضها «ساعة مغربية»

الفنانة المصرية سماء يحيى
الفنانة المصرية سماء يحيى

اختارت الفنانة المصرية سماء يحيى التعبير المصري الدارج «ساعة مغربية» عنوانا لمعرضها المقام حاليا في جاليري المركز المصري للتعاون الثقافي بالقاهرة، ليشكل مفتاحا بصريا للتفاعل مع 25 لوحة يضمها المعرض، تتنوع ما بين بورتريهات لفتيات مصريات ومشاهد من الطبيعة المصرية.
واللافت أن لوحات المعرض لا تقف كشواهد صامتة لعناصر من الطبيعة أو تتحرى طابع الرسم السردي في قنص قسمات وملامح عابرة للشخوص، لكنها تتحرك في فضاء بصري مفحم بحيوية فنية، يذيب الحواجز الشفيفة بين طاقتي التجريد والتجسيد، فلا تعنى الفنانة كثيرا بالأبعاد التقليدية لمسطح اللوحة، بل تستغل المتضادات والفجوات البصرية بين فضائي الداخل والخارج، لتؤكد عمق الصورة، من جوانب وزوايا متعددة.
يبرز هذا في جرأة استخدام ألوان الأكريلك وصبغات الزيت، وجعلها تنساب بعفوية على مسطح القماشة، فتبدو الأشكال وكأنها تشف من تشققات وتهشيرات الألوان، رابطة التكوين من الأعلى إلى الأسفل في تناغم فني حار.
وتعي الفنانة أنها تعبر عن مظاهر الحياة من زاوية خاصة، فتحرص دائما على أن تكون طبقة ألوانها مرئية، تتناغم فيها رقائق الخفة والثقل، كما تدفع انفعالها المباشر على المسطح إلى مسافة أبعد من شهوة الرسم والصورة، كاشفة عن جدل حي لطوايا الحركة والسكون، الضوء والظل، المرئي واللامرئي، وهو ما يشير إلى أن مشاهد المنظر الطبيعي توجد بقوة اللوحة أولا، وهي قوة ناعمة وسلسلة، تحفظ للمنظر ظزاجته وسياقه الخارجي، كونه محرضا وقادرا على إثارة الدهشة والأسئلة.
تتفاوت هذه الجرأة في اللوحات ما بين الصخب الموحي لضربات الفرشاة، وبين إيقاعها الناعم، خصوصا في مساحات التظليل والخربشات الخاطفة التي تضيء جوانب المراكب الشراعية الطافية على السطح، ورجرجة المياه من حولها، وكأنها تحرسها، وتهدهدها في الوقت نفسه، لكن أقصى عنفوان الجرأة يتبدى في صبغ صفحة السماء بغلالة من الأحمر المتوهج، أو الأزرق المترجرج، تقطعه طرطشات لونية مشربة بالزرقة والخضرة والأبيض الرمادي، وهو النسيج اللوني نفسه الذي يتناثر في أرضية اللوحة، في محاولة لإيجاد نغمة، وحالة من الذبذبة البصرية تحسها عين المشاهد، بين الأفق الأعلى والأسفل للتكوين، وكأنه لا مسافة بينهما، في قماشة اللوحة والطبيعة معا. هذه الألوان الحارة تعكس إحساسا بالدفء في اللوحات، تتسرب ومضاته بعفوية إلى عناصر أخرى، أحيانا تشغل بها الفنانة الخلفية، في شكل أشجار نخيل، ونباتات وهياكل بيوت، تنعس فيها نثارات من الضوء تكسر حيادية الخلفية، وتجعلها مندغمة بحيوية في جسد التكوين، واللافت أيضا أن الضوء ينسال من داخل نسيج الأشكال والألوان، فلا يقتحمها من الخارج، بل هي مغمورة فيه، حتى حين تميل الألوان والظلال إلى الدكنة.
تنسحب هذه الحيادية كذلك على علاقة الكتلة بالفراغ في اللوحات، فكلاهما يفيض عن الآخر، وينتهكه بحيوية وانسجام، مما يبزر الفضاء كظل أو غلاف حميمي للصورة، يتقاطع معها أحيانا، وينأى عنها أحيانا أخرى، لكنه في كلتا الحالتين يمنحها بريق ورنين الضوء فوق سطح الماء.
لا تغيب هذه الجرأة الفنية في لوحات المنظر الطبيعي عن لوحات الوجوه (البورتريه)، حيث تلجأ الفنانة إلى استخدام خطوط الفرشاة الضاغطة الغليظة أحيانا في بناء الوجه، واقتناص تضاريسه الداخلية، كما تعنى بتنويع حركة الخطوط ومساراتها أفقيا ورأسيا، وطبيعتها السلسة والحادة، المشبوكة والمفروطة في حزم وضفائر خطية تندمج بتلقائية في حركة اللون، مما يعطي إحساسا بالإيقاع المكثف على السطح، وفي الوقت نفسه، إبرازه نغمة ودلالة ورمزا وعلامة، على ما يشي به الوجه نفسه، من لحظات سرور، أو ألم، أو ترقب لشيء ما.. ومثلما تخطف الفنانة الضوء في لوحات المنظر الطبيعي، تخطف العاطفة في لوحات الوجوه، وذلك بقوة الانفعال الفني، سعيا إلى ما هو كامن وحي وراء تضاريس الوجه نفسه.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».